الأرز يواجه معادلة صعبة في 2024.. بدء إجراءات تحديد المساحات وندرة المياه أخطر التحديات

27-12-2023 | 10:48
الأرز يواجه معادلة صعبة في  بدء إجراءات تحديد المساحات وندرة المياه أخطر التحدياتزراعة الأرز - أرشيفية
تحقيق- علاء عبد الحسيب
الأهرام التعاوني نقلاً عن

مصر تحتاج 1.5 مليون فدان.. والمتوقع زراعة 1.1 مليون فدان هذا العام

موضوعات مقترحة
احتكار التجار والمزارعين للمنتج وراء ارتفاع سعره واختفائه من السوق
نقص التمويل أزمة تواجه الباحثين.. وأبطال «البحوث الزراعية» يواصلون حصاد الجوائز 


منذ ظهور بوادر أزمة ندرة المياه فى مصر منذ أكثر من 15 سنة ويزيد، بدأت الحكومة المصرية وقتها التفكير فى حلول سريعة وجذرية لمواجهة هذا التحدى الكبير، بعد أن بات يهدد وبشكل كبير القطاع الزراعى فى مصر خاصة زراعة المحاصيل الإستراتيجية، كان على رأسها محاصيل الحبوب باعتبار أن الكثير منها أصناف شرهة للمياه، وقد تضمنت الإستراتيجية التى وضعتها الدولة فى مواجهة هذا التحدى الكبير، وكيفية تحقيق المعادلة الصعبة فى زراعة مساحات أقل لتوفير كميات المياه، فى نفس الوقت الحفاظ على متوسط إنتاجية هذه المحاصيل الهامة لسد الاحتياجات الأساسية للمواطن فى مصر، وتأمين مخزون مصر من الحبوب الرئيسية.


ومن هذا المنطلق، بدأت الحكومة فى وضع مجموعة من المحاور الرئيسية لتنفيذ إستراتيجيتها الجديدة فى هذا الملف، وقد تضمنت البدء فى تبنى منظومة جديدة للتوسع فى برامج استنباط الأصناف غير الشرهة، وتحقق أعلى إنتاجية من المحاصيل، محور آخر وهام أيضًا هو بدء تطبيق منظومة الرى المتطور وتحديث أنظمة الرى القديمة فى أراضى الدلتا، توفير برامج قوية لتحسين التربة والإرشاد الزراعي، والتوسع فى المحاصيل الحقلية النموذجية، وتوفير برامج التعامل مع التغيرات المناخية التى تواجه جميع دول العالم، والتى أثرت بالطبع على متوسط إنتاجية المحاصيل الزراعية.

محصول الأرز كان واحدا من أهم المحاصيل الزراعية التى لاقت اهتمامًا كبيرًا من خطة الدولة، باعتباره محصولا رئيسيًا فى محاور إستراتيجية النهوض بإنتاجية المحاصيل، بكما أنه أحد أهم المحاصيل المهمة التى تدخل فى منظومة الأمن الغذائي، وباعتبار أيضًا أن مصر دولة رائدة فى زراعة هذا المحصول، ومصنفة على رأس الدول المنتجة للأرز على مستوى دول العالم، ومن هنا بدأت الحكومة المصرية فى حزمة من الإجراءات لتحسين إنتاجية هذا المحصول، بدأت العمل على تقليل المساحات المنزرعة وترشيد استخدام المياه على أن يتم زراعتها بأصناف مستنبطة تحقق أعلى إنتاجية، ومقاومة للتغيرات المناخية التى يشهدها العالم، والأهم موفرة للمياه.


ووفقًا للدراسات التى أجراها الباحثين منذ أكثر من 15 سنة، فقد توصلت الأبحاث إلى أن كميات المياه التى كان يستهلكها الفدان فى محصول الأرز منذ قبل 15 سنوات، كانت تصل لما يقرب 8 آلاف متر مكعب، وقد تراجعت حتى عام 2023 إلى 4 آلاف متر مكعب تقريبًا للفدان، وذلك لعدة عوامل أهمها نجاح وزارة الزراعة ممثلة فى معاهدها البحثية بمركز البحوث الزراعية فى تحقيق طفرة فى مجال استنباط الأصناف، جعلتها تتصدر قائمة الفائزين بالجوائز البحثية خلال السنوات الأخيرة، ومن هنا بدأت الدولة خلال أخر 7 سنين فى تبنى فكر متطور لزيادة المساحات المنزرعة من الأرز تدريجيًا، فقد بدأت منذ 4 سنوات تقريبًا فى إقرار المساحة الرسمية للمحصول بواقع 724 ألفا ثم تطورت إلى أن وصلت لحوالى مليون و74 ألف فدان بحلول موسم 2023.


التطور الكبير الذى طرأ على منظومة زراعة الأرز فى مصر رغم التحديات المائية الصعبة التى تواجه البلاد، جعلت الكثير من الخبراء والمختصين يتوقعون زيادة المساحات المنزرعة هذا العام، خاصة فى ظل الطفرة التى حدثت فى منظومة استنباط التقاوي، والطلب الكبير سواء المحلى والعالمى على المنتج، وكذلك زيادة الطلب من المستهلك المصرى على المنتج، وقد بدأت اللجنة المركزية المشكلة بين وزارتى الزراعة والرى فى إجراءات استصدار القرار المحدد للمساحات الموسم الجديد 2024، تنفيذا لتوجيهات القيادة السياسية، بحضور كل من السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، والدكتور هانى سويلم وزير الرى والموارد المائية، على أن تضمن هذه الإجراءات دراسة حجم الطلب الحقيقى للسوق، وترشيد الحد أكبر قدر من مياه الري.


التوقعات ماذا تشير الموسم الجديد؟.. أجاب عن هذا السؤال الدكتور محمد سليمان رئيس مركز البحوث الزراعية، والذى أكد أن هناك مجموعة من المحاور المهمة تحدد مستقبل زراعة محصول الأرز فى كل موسم، أهمها دراسة حجم الطلب المحلى على المنتج خاصة وأن الدولة حريصة على أن توفر كميات تغطى احتياجات المستهلك على رأس أولوياتها، المحور الثانى التحديات المائية المحور الأهم فى تحديد مستقبل زراعة الأرز فى مصر، مؤكدًا أن مركز البحوث الزراعية حقق طفرة كبيرة فى منظومة استنباط الأرز خلال السنوات الأخيرة، ونجح فى تسجيل عدد من هذه الأصناف منها سخا 101، سخا 102، سخا 103، سخا 104، جيزة 177، جيزة 178، ياسمين المصرى، الأرز الأسـود، جيزة 181، جيزة 182، وهو ما يؤكد أن العمل فى المركز لا يتوقف من أجل النهوض بمنظومة البحث العلمى الزراعى والنهوض بإنتاجية مصر من المحاصيل الزراعية خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة التى تواجه جميع دول العالم.


«مصر لا يوجد بها أزمة فى توفير الأرز».. استكمل الدكتور سليمان كلامه، حيث أكد أن هناك وفرة كبيرة فى إنتاجية محصول الأرز المصري، ومصر مصنفة أنها تحقق الاكتفاء الذاتى من المحصول، لكن الأزمة الكبيرة التى تواجه السوق فى كل موسم هى احتكار المزارعين والتجار للأرز فى أوقات ما قبل الحصاد، وهو ما ترتب عليه زيادة فى ارتفاع أسعاره أو اختفاء الأرز فى بعض الأحيان، والحقيقة فإن المحصول يشهد زيادة مستمرة فى حجم الإنتاجية بسبب الاهتمام الكبير الذى توليه الدولة فى منظومة زراعة المحصول، مشيرًا أن مركز البحوث الزراعية يقوم بدور تاريخى فى دعم هذه المنظومة، ويوفر كافة الإمكانيات المتاحة للباحثين والعلماء للقيام بدورهم، وتحقيق النهضة المطلوبة فى منظومة استنباط الأصناف.      


الدكتور حمدى الموافى، رئيس البرنامج القومى لتطوير الأرز الهجين بوزارة الزراعة والفائز بالمركز الأول للجائزة السنوية للأمن الغذائى العربى التى ينظمها اتحاد مجالس البحث العلمى العربية ورئيس المركز القومى للبحوث الزراعية، هو واحد من أبطال البحث العلمى الزراعى بمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، وهو شريك فى خطة الدولة للنهوض بزراعة الأرز.. حدثنا فى البداية عن تفاصيل الجائزة حيث أكد أنه تسلمها من الدكتور عبد المجيد بن عمارة الأمين العام لاتحاد مجالس البحث العلمى العربية، حيث أكد أنها تتويج على مدار سنوات طويلة فى مجال استنباط أصناف الأرز، وأن بحثه الفائز بالمركز الأول كان حول المشروع القومى لتطوير إنتاج الأرز الهجين والأرز السوبر تحت ظروف ندرة المياه والتغيرات المناخية، مشيرًا أنه تم رصد ثلاث جوائز سنوية تحت اسم الجائزة السنوية للأمن الغذائى العربي، ومجالاتها أولًا، هى جائزة المشاريع الناشئة مقدمة من اتحاد مجالس البحث العلمى العربية، ثانيا جائزة المبادرات الوطنية الرائدة فى مجال الأمن الغذائى مقدمة من اتحاد الجامعات العربية.


«الجائزة الثالثة فى المسابقة كانت فى مجال الأمن الغذائي، ومقدمة من المنظمة العربية للتنمية الزراعية».. أضاف الدكتور الموافى أنه تم تكوين لجنة من الجهات الثلاث لمتابعة إجراءات الجائزة وبلغ عدد الملفات المقدمة للمنافسة على الجائزة 185 ملف من عشر دول عربية، وقد كلفت اللجنة عدد من المحكمين المتخصصين حسب مجالات الجائزة لتقويمها بناء على معايير متفق عليها تمثلت فى أهمية الموضوع للأمن الغذائى العربى وإمكانية التطبيق والمنهجية والجودة العلمية، قائلًا: « قمت بتسجيل حوالى 15 تركيبا وراثيا جديدا من الأرز ما بين هجين وصنف وسلالات أبوية أمهات، وآباء لإنتاج تراكيب جديدة مختلفة من الأرز السوبر والبسمتى والسنابل العملاقة، حيث أوضح أن مصر تشهد طفرة كبيرة فى منظومة استنباط الأرز لم تشهدها من قبل، وقد ترتب على ذلك زيادة كبيرة فى حجم الإنتاج، وتراجع حجم الاستيراد من الخارج فى ظل الظروف الاقتصادية والعالمية الصعبة.

الدكتور حمدى الموافى الفائز أيضًا بالجائزة الذهبية من معرض جنيف الدولى للابتكارات لعام ٢٠٢١.. أكد أن مصر انتقلت من الزراعة التقليدية للأرز إلى الزراعة المتطورة المبنية على أرقام، فعندما نشير إلى التسعينيات والألفينيات، نرى أن إنتاجية الفدان كانت لا تتعدى الـ4 أطنان للفدان كما أن استهلاك وحدة المياه للفدان خلال تلك الفترة كانت تصل ما بين 7 آلاف و8 آلاف متر مكعب، ثم تطورت المنظومة فى 2010 إلى تراجع كميات المياه المستخدمة فى زراعة المحصول ووصلت ما بين 5 آلاف و6 آلاف متر مكعب للفدان فى ظل ثبات الإنتاجية عند 4 ملايين طن، وقتها وتحديدًا فى سنة 2008 مصر كانت تصدر الأرز لحوالى 64 دولة بمتوسط 2 مليار جنيه، إلى أن صدر القرار الوزارى فى 2010 بوقف تصدير الأرز بسبب ظهور أزمة التحديات المائية التى واجهت البلاد.


«عندما كنت رئيسًا للبرنامج القومى للأرز فى 2010، قمت بزيارة المعهد الدولى للأرز فى الفلبين.. والحقيقة اكتسبنا خبرات كبيرة من القائمين على المنظومة.. ومن هنا بدأنا رحلة البحث العلمى للنهوض بمنظومة استنباط الأصناف، أصناف جديدة»، حيث قال خلال رحلة عمرها اقترب من 15 سنة فى تحقيق تطورًا كبيرًا، وحققت نهضة كبيرة فى محافظات الحزام الشمالي، منها على سبيل المثال البحيرة والغربية والدقهلية والشرقية وبورسعيد ودمياط وكفر الشيخ، بعد أن تبنت الدولة منظومة جديدة لزراعة الأرز غير التقليدى وهو الأرز السوبر والأرز الهجين، وبعدها أصناف الأرز المتنوع 301، و302، 303، 304، موضحًا أن الأصناف الجديدة لاقت استحسانا كبيرا بين المزارعين، وحققت إنتاجية عالية الفترة الأخيرة، وقد رصدت التقارير والأبحاث التى أجريت فى هذا الصدد أن نحو 50 % من المساحات المنزرعة فى مصر تعتمد على الأصناف الجديدة.


وأوضح الدكتور الموافي، أن الأصناف الجديدة التى تم استنباطها حققت وفرة كبيرة فى كميات المياه المستخدمة فى الزراعة نجحت فى تراجع الاستهلاك 4 آلاف متر مكعب للفدان بدلًا من 6 آلاف خلال الموسم الواحد، وبحسبة اقتصادية فإن هذه الكميات تعادل أكثر من مليار متر مكعب من المياه لو حسبنا أن المساحة المنزرعة من الأرز تصل لنحو مليون و100 ألف فدان، حيث يؤكد ذلك نجاح المنظومة التى تبناها مركز البحوث الزراعية لاستنباط الأصناف التى تتماشى مع التحديات الصعبة، والتى خلفتها التغيرات المناخية المؤثرة على وحدة استخدام المياه والمسببة فى تراجع إنتاجية المحاصيل الزراعية.


«السنابل العملاقة أو السوبر هى أحدث الأصناف التى نجح فريق العمل فى إنتاجها خلال الفترة الأخيرة، وهى أحد الأصناف المهمة فى تاريخ البحث الزراعى فى مصر، حيث تحقق هذه الأصناف أعلى إنتاجية باعتبارها أنها أصنافًا تتماشى مع البيئة المصرية وطبيعة التربة، وكذلك قادرة على مقاومة التغيرات والظروف المناخية والأهم غير شرهة فى استخدام المياه».. بهذه التفاصيل استكمل الدكتور الموافى كلامه، حيث أكد نجاح الصنف تم بالتعاون بين مركز البحوث الزراعية وأكاديمية البحث العلمي، موضحًا أن مصر تمتلك خبرات كبيرة فى مجال البحث العلمى قادرة على النهوض بالزراعة المصرية وتحقيق طفرة كبيرة فى منظومة إنتاجية المحاصيل الزراعية.


«منظومة البحث الزراعى خاصة فى مجال استنباط التقاوى على رأسها الأرز تواجه العديد من التحديات منها أزمة نقص التمويل المطلوب».. هكذا رد رئيس البرنامج القومى لبحوث الأرز بمركز البحوث الزراعية حيث أكد أن فريق عمل المشروع يعتمدون على موارد ذاتية من حصيلة بيع الأصناف الجديدة للمزارعين، وبالطبع هى موارد عير كافية تحت إلى إعادة نظر وتوفر الحوافز المطلوبة للباحثين لمواصلة رحلة نجاح البحث الزراعى فى مصر، خاصة فى ظل النهضة الكبيرة التى حققها مركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة فى منظومة إنتاج تقاوى الأرز، موضحًا أن أعتقد أن اللجنة العليا أو المركزية المشكلة بين وزارتى الزراعة والرى تدرس تطبيق نفس إستراتيجية العام الماضى لاستمرار تحديد زراعة 1.1 مليون فدان فى موسم عام 2024، وذلك بهدف توفير من يقرب من 3 ملايين طن من الأرز الأبيض، وتغطية احتياجات المستهلك المحلى ولاستمرار تنفيذ خطة مواجهة تحديات الندرة المائية التى تواجه البلاد.

وأشار الدكتور حمدى الموافى أن، مصر لديها اكتفاء ذاتى من الأرز، كما أن الأزمات المتكررة سواء فى اختفاء المنتج من السوق أو ارتفاع سعره، ناجمة عن ممارسات الاحتكار التى يتبعها المزارعون والتجار لتعطيش السوق، والتحكم فى المنتج داخل السوق المحلي، قائلا: «المزارع أصبح يتابع أسعار المنتجات الزراعية على المستوى المحلى والعالمي، كما أنه أصبح ملمًا بمنظومة تسويق المنتجات، كما أنه يتبع سياحة زراعة لمحاصيل التى شهدت ارتفاعًا فى أسعارها»، مؤكدًا أن المساحة المناسبة – من وجهة نظر خاصة- المفترض أن لا تقل عن 1.3 ملايين فدان وألا تزيد عن 1.5 ملايين فدان، لكن من المهم أن نتفق أن المساحات التى تعلنها الدولة كل موسم هى رسمية، وفى المقابل يتم زراعة مساحات أخرى مخالفة ربما فى محظور الزراعة بها، وهو بالطبع إنتاج موازى لابد وأن يأخذ فى الاعتبار.


«اتجهنا مؤخرًا إلى استنباط أصناف جديدة من الأرز بسمتى الذى يلاقى طلبًا كبيرًا فى السوق المحلى فى مصر، خاصة وأن يوجد فى مصر ما يقرب من 10 ملايين لاجئ عربى أو ضيفًا يقبلون على هذا النوع من الأرز، وقد نجح فريق البرنامج القومى لبحوث الأرز بمركز البحوث الزراعية فى استنباط صنفًا جديدًا من هذا النوع، كما أننا نخطط خلال الفترة المقبلة لزراعة 100 ألف فدان كتجربة أولى لإنتاج الكميات التى يتم استيرادها من الخارج».. أضاف الدكتور الموافى أن الأرز المصرى الأكثر جودة مقارنة بالمستورد ويلاقى إقبالًا كبيرًا من المستهلك سواء المحلى أو العالمي، ولو نتذكر كما قلنا أن مصر كانت تصدر الأرز قبل عام 2010، وقد كان هذا المحصول يلاقى طلبًا كبيرًا بالأسواق العالمية، ومن هنا فإن الارتقاء بزراعة المحصول فى مصر يحقق دعمًا وعائدًا كبيرا لمنظومة الاقتصاد الوطنى للبلاد.

 

 

 

كلمات البحث