ينقسم العالم إلى مجموعة من الدول التي نطلق عليها الدول المتقدمة، ومجموعة أخرى من دول العالم التي التصقت بها صفات الدول النامية، لأبدأ من تلك الجملة في تتبع ما تتسم به شعوب الدول المتقدمة، وما يترسخ من عادات بين شعوب الدول النامية وبخاصةً الدول العربية منهم، لينعكس الأمر على قوة أو ضعف كل من المجموعتين المتقدمة أو النامية.
وبدايةً تعود كلمة "الفِرنجة" بكسر الفاء إلى الإفرنج وهي مجموعة من القبائل التي كانت تسكن فرنسا وأجزاء من ألمانيا، وهم أصل سكان أوروبا، ليطلق العرب مصطلح "بلاد الإفرنج" على الأوروبِّيين بعد الحروب الصليبيّة في الشَّرق، ليتم تحريف الكلمة شيئاً فشيئاً لتصبح بلاد "الفِرنجة" بكسر الفاء، ويقصد بها العرب الدول الأجنبية المتقدمة.
وإذا ما نظرنا إلى شعوب بلاد "الفِرنجة" بكسر الفاء، والتي يتسم اقتصادها بالتقدم والقوة، فسنجد أن قوة اقتصادهم نابع من الصفات التي تتسم بها شعوب تلك الدول، فكل فرد في منظومة تلك الدول يعلم جيداً دوره، مهما كان دوره سواء صغر هذا الدور أو كبر، ويؤدي دوره على أكمل وجه، بكل جديه وإخلاص، فتكتمل منظومة العمل من القاعدة إلى القمة، وكل فرد يضيف ليكتمل البناء وتصبح دولتهم جديرة بمكانتها بين صفوف الدول المتقدمة، هذا من جانب العمل وإتقانه، وإذا ما نظرنا إلى الجانب الاستهلاكي، فسنجده نتاجًا لمستوى دخولهم وانعكاسًا لأدائهم ودورهم في المجتمع، فتلك الدول هي من تنتج منتجات معظم العلامات التجارية، والتي تتنوع ما بين منتجات رفاهية، أو منتجات متوسطة أو ربما في متناول المستويات المنخفضة من الدخول، ولكن تلك الدول في كل الأحوال تنتج، لتتنوع منتجاتهم ما بين منتجات عالية أو مرتفعة القيمة وهي الموجهة لأصحاب الدخول العليا، وبين منتجات أقل قيمة وهي الموجهة لأصحاب الدخول الأقل، ليأتي توجه الشراء بين شعوب تلك الدول وفقاً لمستويات دخولهم والتي استطاعوا الوصول لها وفقاً لمجهودهم المبذول في مجتمعاتهم، لتنظر شعوب بلاد "الفِرنجة" بكسر الفاء إلى الاستهلاك باعتباره وسيلة للعيش وليس هدف في حد ذاته، والأهم من ذلك هو قدرتهم على العمل والكسب المادي الذي يؤهلهم لمستوى معيشي ملائم.
وعلى الجانب الآخر من العالم نجد الشعوب المتفرنجة، أو شعوب بلاد "الفَرنجة" بفتح الفاء، وهي شعوب الدول النامية ومنها الدول العربية، فسنجد أن لهم صفات شائعة بين نسبة كبيرة منهم، وهو الأمر الذي انعكس على أحوال تلك البلاد بصورة ملحوظة، فإذا ما نظرنا إلى كل من العمل والاستهلاك، فسنجد أن الدول النامية شعوبها تميل إلى حب الراحة، والتنافس في الحصول على أعمال مريحة لا يبذل فيها الكثير من المجهود، والرغبة في أداء المهام بأقل مجهود ممكن، وخلق الأعذار للهروب من التنفيذ، ويا حبذا إذا ما تم تأجيل أداء المهام، وإذا ما كان ينبغي أداء مهمة فيكون الأداء أشبه بالتصوير البطيء، فالثقافة السائدة بين غالبية تلك الشعوب هي تأجيل عمل اليوم إلى الغد، وإذ ربما عدم أداء العمل من أساسه، فتكون النتيجة هو تأخر الدول النامية وتشبثها بالمكانة الدولية المتدنية، وإذا ما نظرنا إلى الجانب الاستهلاكي، فسنجد أن شعوب تلك الدول على الرغم من عدم إضافتهم لاقتصاد دولهم الكثير، وبالتالي مستويات دخولهم منخفضة، فنجدهم يميلون كل الميل إلى التطلعات الاستهلاكية لكبرى العلامات التجارية العالمية والتي تنتجها الدول المتقدمة، ويصل الأمر إلى الرغبة في الاقتناء المتعدد لسلع متكررة من علامات تجارية متشابهة ليتحول الأمر إلى تبذير وإسراف، لينفقوا دخولهم المحدودة على مظاهر واهية، لتنظر الشعوب المتفرنجة في بلاد "الفَرنجة" بفتح الفاء إلى الاستهلاك باعتباره هدفا في حد ذاته وليس وسيلة للعيش، دون التفات إلى ما أضافوه من قيمة مضافة لاقتصاد دولهم، أو مدى توافقهم مع مستويات دخولهم والتي تؤهلهم إلى تلك المستويات المعيشية.
لتصبح كسرة الفاء أو فتحها في كلمة الفرنجة هي معيار تأخر أو تقدم اقتصادات دول العالم.
خبيرة اقتصادية
[email protected]