كثيرًا ما سمعنا عن الجيل الذهبي، وقد نشأ هذا المصطلح في مجال الرياضة بالبرتغال ثم الأرجنتين، على أعضاء الفرق الرياضية المتميزة رغم ضيق أحوالهم، ثم أصبحنا نستخدمه على أجيال الزمن الجميل في الفن والثقافة والعلوم، والجيل في الأصل هو مفردة تستخدم لقياس الفترة الزمنية المتعاقبة بين الآباء والأبناء وقد تتراوح بين 20 و30 عامًا.
أما الجيل الرقمي أو ما يطلق عليه جيل (زد) فهو جيل يتكون من مواليد منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الأول من الألفية الثانية من القرن الـ21، كما حدد الديمجرافيون تاريخ هذا الجيل في الفترة بين عامي 1997 و2012، وهم من يطلق عليهم أيضًا بجيل الإنترنت، فهو جيل ظهر بعد جيل الألفية ليتميزوا بقدرتهم الخاصة في استخدام التكنولوجيا، وهو الجيل الأول الذي ولد بعد الاستخدام الجماعي للإنترنت.
وقد عاصر ظهور الحاسبات من شركة مايكروسوفت عام 95، وبالتالي فإن ملامح هذا الجيل واضحة ومميزة للغاية، فهم يتمتعون بقدر من المرونة في التفاعلات والاستجابة للرسائل أو السلع المتنوعة، والغالبية العظمى منهم تتشابه في السلوكيات الحياتية وأسلوب المعيشة، وكأنهم في دولة واحدة مهما اختلفت جنسياتهم، دولة لها سمات خاصة، وتتحدث بلغة خاصة، وغالبًا ما تكون الفرانكواراب أو الإنجليزية، تجذبهم المنشورات المرئية أكثر من النصية؛ لذا فهم أكثر ميولا لمواقع تواصل اجتماعي مثل إنستجرام وتيك توك ويوتيوب، ويبدو أن الفيس بوك للأجيال الكلاسيكية الأكبر سنًا وربما المبتدئين في استخدام التكنولوجيا على كبر!
وتجذبهم جدًا المنشورات الكوميدية أو الساخرة بشكل يتماشى مع شكل حيواتهم السريعة، ولكن هذا الجيل تشكل وجدانه ووعيه رقميًا، فهم يتبادلون التهاني والتبريكات رقميًا، وكذلك المشاطرة في الأحزان من خلال إعادة نشر جمل كلاشيه معينة يأخذونها قص ولصق مع بعض الأدعية المنقولة، دون أن يعرفوا معنى ما ينقلونه حرفيًا!
حتى الحب والمشاعر صارت مجففة منزوعة الدسم من خلال المنشورات الجاهزة أو فيديوهات "الريلز"، والصور الرومانسية وبعض الأغاني، ولهذا فهم لا يمتلكون في معجمهم الذهني الخاص مفردات لائقة للتعبير عن المشاعر، ثم يأتي الكبار ويسخرون منهم دون تحمل أدنى مسئولية تجاههم، فقد تربينا على أصوات عباقرة الطرب والفن والثقافة، ولكنهم لم يتلقوا أبدًا ما يساعدهم على تكوين المشاعر والمساعدة على نضجها بشكل صحي، ومن هنا فأجدهم يتعرضون لمعاناة ضخمة إثر التشويش الذي يحاصرهم ما بين نصائح الكبار أو الجيل السابق الذي يحمل عبق الماضي والزمن الجميل، وبين الصراع التكنولوجي الراهن الذي يتطور بين عشية وضحاها بشكل مربك.. فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوهم.
وبالتدريج تحول هذا الجيل ذاته إلى مجرد "سلعة" تتربح منها الشركات التجارية، لأنهم مستهلكون للتكنولوجيا، فتزداد المشاركات والمشاهدات ثم تضخ الأموال على من يضع منشوره أيًا كان المحتوى المقدم، ومن ثم يرتفع التريند وتزداد العوائد الترويجية والمادية بشكل لافت، فنجد بعض الفيديوهات الأكثر تفاعلية في منتهى السطحية والفجاجة على طريقة "رزق الهبل على المشاهدين"!
وفي ضوء الإحصاءات التي يصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء جاءت مؤشرات الشباب (18-29 سنة) طبقًا لبيانات السكان 1-1-2023، وبلغ عددها في الفئة العمرية (18 ـ 29 سنة) 21،9 مليون نسمة بنسبة 21% من إجمالي السكان (50،5% ذكور ـ 49،5% إناث).
ووصل عدد مستخدمي الإنترنت في مصر ما يقرب من 81 مليون نسمة لهذا العام، وجميعها أرقام تستوجب الالتفات بل والوقوف عليها، لأننا أصبحنا في أمس الحاجة لدراسات أكاديمية متخصصة بشأن الجمهور المستهدف، وفقًا للعمليات الاتصالية، وبعد تغير سيرورة الدورة الاتصالية من مرسل ومستقبل وبيئة اتصالية ورسالة وجمهور ورجع الصدى، فلابد أن نعيد الدراسات بشأن هذا الجيل الذي تغير كثيرًا عن ذي قبل، حتى باتت الدراسات الأكاديمية التي تتكدس بها أرفف الجامعات ومراكز البحوث قديمة جدًا ولا تتسق مع التطورات الرقمية الراهنة، وهذا الأمر أصبح مقلقًا للغاية لو اعتبرنا أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي من الأجيال الراهنة بمثابة جنود على الجبهة الإلكترونية، يداهمهم الخطر من جميع الاتجاهات، ويتم اقتناصهم من قبل العدو بشكل سهل وبأسلحة رقمية مدمرة للعقول وتشويه الوعي..
وكما قال دكتور مصطفى محمود – رحمه الله - إن لم يشترك الشباب في صنع الحياة فهنالك آخرون سوف يجبرونهم على الحياة التي يصنعونها.