Close ad
25-12-2023 | 11:57

يحق لكل إنسان اعتناق ما يناسبه من أفكار ومواقف بشأن القضايا العامة المطروحة على الرأي العام، طالما أنه يشعر باقتناع وارتياح كامل تجاهها، ولديه مبرراته وأسانيده الداعمة لها، ولا يستطيع أحد منازعته، أو حرمانه من هذا الحق الراسخ والمشروع، حتى لو كان على غير ما يهوى المحيطون به، لكن إن حاولت فرض موقفك على الآخرين بذريعة أنه الصواب فإنك تتجاوز الحد الآمن المكفول لك ولغيرك، وتتحول إلى معتد يتحتم ردعه.

فليس من حقك ولا من سلطتك أن تفرض قناعاتك، وأن تضع الرافضين تبنيها في مرمى التجريح والتشهير، وذلك ما يحدث حاليا مع النجم المتألق والموهوب "محمد صلاح"، الذى يواجه حملة انتقادات ظالمة ومرعبة، لأنه لم يبد ما يظهر تأثره بما يتعرض له الأشقاء الفلسطينيون من حرب إبادة في غزة، وإعلان دعمه وتعاطفه مع الآلاف من ضحاياها، ويحرص على جبر خواطر "الخواجات" وليس بني جلدته، ثم يُوضع في مقارنة غير عادلة مع فلان وعلان الذين كانوا أكثر شجاعة وجرأة بمؤازرتهم المقهورين في قطاع غزة وخارجه دون خشية من الانعكاسات السلبية الرهيبة على مسيرتهم المهنية.

هؤلاء يحملون صلاح فوق طاقته واستيعابه، ويؤثرون على معنوياته، لأنهم يظهرونه وكأنه شخص "جبان" يخاف من أن يفقد مكانته المرموقة السامقة في مجال كرة القدم العالمية إن ناصر المظلومين في فلسطين، ولذا فإنه يفضل إغلاق فمه وتجاهل الموضوع برمته، والأهم أن منتقديه لا ينظرون أبعد من أقدامهم، ويغيب عنهم جملة من الحقائق الدامغة ذات الدلالة، لو كانوا كلفوا أنفسهم عناء التفكير فيها لتغير موقفهم ١٨٠ درجة.

أولى هذه الحقائق الإجابة عن السؤال الآتي بنزاهة وتجرد: هل صدر رد فعل مبكر من قبل "محمد صلاح" مع بداية الحرب الجائرة على أهلنا في غزة أم لا؟

نعم، وقبل أن تكمل سوف تسمع صوتًا قادمًا من الخلف يصيح بعصبية، لكنه لم يكن بالقوة المطلوبة والمتناسبة مع الحدث الجلل الذي زلزل كيان المنطقة وحرك العالم كله، وأن الفيديو الذى ظهر فيه كان سيئًا ويحمل مضامين ملتبسة وغاب عنها الوضوح المنتظر من نجم ساطع مثله يحتل موقعًا فريدًا ومتميزًا في نفوس مواطنيه المصريين والعرب.

سأرد بأن "مو" تكلم وقال ما لديه وما يراه صائبًا، ويعكس قناعته الشخصية وما يؤمن به، أما كونه لم يعجبك ولم يدغدغ مشاعرك ويداعب أحاسيسك، مثلما يجيد بعضهم فتلك نقرة أخرى وفيها ما فيها من الجوانب الخلافية، لكن من الظلم اتهامه بالتقاعس وغض الطرف، لأنه بادر لتقديم تبرع سخي للهلال الأحمر المصري، لشراء مساعدات للمحتاجين والمحاصرين في غزة، ولم يفصح عن قيمته والذى أظنه كبيرًا، ولم يتاجر به من أجل الإشارة إليه ومدحه بصفته رجل خير وإحسان.

وربما يكون تقدم بمبادرات عملية أخرى مع الجهات المعنية دون الإفصاح عنها، وما أدراك أنه لم يفعلها دون تسليط الأضواء عليها وبعيدًا عن ماكينة الدعاية والتلميع الدائرة لأقرانه، وهو ما يتسق مع تركيبته المتحفظة والكتومة التي تميل إلى الصمت والتركيز في عملها، لكي لا يتشتت ذهنه، ويهدر وقتًا ثمينًا في الرد على كل كلمة سوء توجه له.

ثم لماذا ننسى هكذا فجأة، وعن قصد، تاريخ أمثال "صلاح" في العطاء الصامت الذي يتكفل المستفيدون منه بالكلام عنه دون طلب ولا إيعاز من ناحيته، وهل الرجل لا يعي مسئولياته والتزاماته كشخصية عامة ليست عادية، وأنه بات قدوة يسعى الملايين اقتفاء آثارها والاقتداء بها في أنحاء العالم، ومن بين مصادر إسعاد الجماهير العريضة وإدخال السرور لأنفسهم المتعبة والمنهكة من منغصات الحياة ومتاعبها الجمة، ويعلم متى عليه التحدث وتوقيت الامتناع عنه؟

ونأتي للتساؤل المؤلم والمفجع، وهو لماذا يصر كثيرون منا على أن يكونوا معول هدم وليس مساندة، وما الذي سيعود عليهم، لو، لا قدر الله، كانوا سببًا في تدمير "محمد صلاح" ومَن على شاكلته، وهل بالضرورة لابد أن نكون نسخة متطابقة في الأفعال والأقوال، وأين القاعدة الدينية الرائعة بالتماس سبعين عذرًا لأخيك المسلم وبقية القيم والأخلاقيات الإسلامية الراقية التي نرددها دون تطبيقها. 

استقيموا يرحمكم الله، ولا نملك سوى أن نقول ل"مو": "إحنا آسفين يا صلاح".
 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: