لا تزال حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني لليوم الـ80 على التوالي ضد الشعب الفلسطيني في أرجاء الدولة الفلسطينية المحتلة، وبالأخص في قطاع غزة، وتلك المجازر الجماعية بحق المدنيين من شمال القطاع إلى جنوبه، لا تزال مستمرة، مع تدمير المشافي والمراكز الصحية تدميرًا كاملا، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا والقنابل الضخمة التي تقتل العدد الأكبر من "المدنيين"، وتهجير ما تبقى من سكان الشمال إلى الجنوب، وكل ذلك بحجة القضاء على حماس "الإرهابية"، وكل ذلك أمام أنظار المجتمع الدولي البائس الذي انتفض إزاء أزمة تتحرك باتجاه الأسوأ في العمليات التي نفذها الحوثيون ضد السفن الإسرائيلية، وتلك التي تحمل شحنات متجهة إلى إسرائيل، ليعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الثلاثاء الماضي ومن إسرائيل عن إطلاق ما يُسمى بتحالف "حارس الازدهار"، الذي يمثل قوة حماية بحرية "متعددة الجنسيات"، والذي ضم عشرة بلدان للتصدي لهجمات الحوثيين، وضم دولة عربية واحدة هي البحرين، وذلك لترسيخ ما أسموه المبدأ الأساسي لحرية الملاحة في البحر الأحمر، ثم يخرج الحرس الثوري الإيراني ليؤكد أن البحر المتوسط قد يُغلق إذا واصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها ارتكاب الجرائم في قطاع غزة، وكان خامنئي قد أشار إلى الوقاحة الأمريكية في استخدامها الفيتو لمنع إصدار قرار بوقف هذا العدوان الذي أظهر واشنطن على حقيقتها وكشفت زيف ادعاءاتها بشأن حقوق الإنسان.
وهنا لا أحدَ عاقلًا، يشجع تلك الهجمات التي يقدم عليها الحوثيون أو يصفق لها، على الرغم من تأثيرها الموجع اقتصاديا للعدو والكيان الصهيوني في هذه الظروف التي يخوض فيها حربه الوحشية على المدنيين العزل في غزة، فقد دفعت تلك الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، عددًا ليس قليلا من شركات الشحن إلى تحويل مسار السفن، وتجنب المسار المتجه لقناة السويس في الشمال والمربوطة بالبحر الأبيض المتوسط، لتعلق أكثر من 4 شركات شحن عالمية مرور سفنها عبر باب المندب، منها مثلا شركة ميرسيك الدنماركية العملاقة للشحن البحري، ومن ثم فإن هناك تأثيرًا بالسلب على جميع الأطراف المعنية بمرور السفن سواء منها أو إليها أو عبرها، لكن الملفت هنا هو التأهب بتكوين تحالف عسكري لحل هذه الأزمة المؤثرة على بعض الاقتصاديات، في وقت اكتفى فيه المجتمع الدولي بالإدانات الفضفاضة دون أي تأثير يُذكر على الكيان الصهيوني المحتل لإغلاق بحر الدماء الذي حفره في غزة وأسفر عن أكثر من 30 ألف شهيد أغلبهم من الأطفال الأبرياء والنساء، غير المفقودين تحت الأنقاض.
وبمرور الأيام يرتقي عدد أكبر من الشهداء وتزداد مساحة الخراب، وتسوء أحوال الطقس بالصقيع الذي يطارد النازحين من ديارهم المنكوبة في الشمال، وبالمقابل تنكشف أكثر وقاحة الموقف الأمريكي التاريخي من الوجود الإسرائيلي بفلسطين وبأي صورة ممكنة وعلى أي حساب حتى لو كان مزيدا من الدماء البريئة، ومهما بدا على بايدن من حرج والتصريح بمحاولات المتطرف نتنياهو وحكومته بالحفاظ على أرواح مدنيين، لا يزال البنتاجون يمد الكيان واليمين المتطرف والجيش الإسرائيلي بالقنابل والأسلحة الفتاكة الممنوعة بموجب القانون الدولي والذي أيضا يمنع منعا باتًا توجيه الرصاص إلى صدور الأطفال، وعدم التعرض لمنشآت خدمية كالمستشفيات والمدارس، لكن الكيان يضرب بكل ذلك عرض الحائط، وفي الوقت ذاته لم تهدأ الفصائل المقاومة عن تأريق مضجعه وتكبيده الخسائر اليومية سواء في صفوف جنوده الذين بلغوا نحو 500 من القتلى منهم نحو 125 ضابطا، وحيث إن جيش الاحتلال قد فشل في تحقيق الأهداف المعلن عنها وهي تدمير حركة المقاومة الفلسطينية لكن قوات الاحتلال أعلنت عن بدء المرحلة الثالثة للحرب الغاشمة على غزة بعد عدة أسابيع، متضمنة إقامة منطقة عازلة في القطاع، وتسريح آلاف من جنود الاحتياط في جيش الاحتلال، وكذلك استمرار العمليات الموسعة في خان يونس.
ما يستدعي الانتباه إلى أن هذا الإعلان يأتي توازيا مع وجود تمرد ظاهر بين ضباط وجنود المحتل، برفض القتال، وأيضا الوضع الاقتصادي المتأزم والانتخابات الأمريكية، وتراجع الدعم الدولي لإسرائيل بنسبة تزداد كل يوم، فضلا عن شعور واشنطن بالعزلة، حتى من سكانها والجاليات الذين يطوفون الولايات منددين بالانتهاك الصارخ في حق الإنسانية والذي لم يشهده التاريخ البشري من قبل، وإن كان الحديث عن هدن لالتقاط الأنفاس أو تكرار تبادل للأسرى، فإن هناك لا شك هدفًا خبيثا لم يعد خافيا يسعى الكيان "وتابعه قفة" لتحقيقه رغم كل تلك الظروف غير المواتية وكل تلك الضغوط، فهل تحين الفرصة لقطع الطريق عليهما، وتشهد الأيام المقبلة حديثا عن وقف كامل لإطلاق النار، وكذا ضمان الحصول على مكاسب أكبر بتعلية سقف المطالب بتحرير كامل الأرض.