خمسة وسبعون يومًا من الحرب في غزة هي الأكبر وحشية وإجرامًا في خمسة وسبعين عامًا من الاحتلال الجبان للدولة الفلسطينية، بل الأكثر وحشية في التاريخ، مدارس ومستشفيات ومساجد ومؤسسات دُمرت تدميرًا بمن فيها.
مدنيون أكثر من نصفهم أطفال، استشهدوا، وقد بلغ عدد ضحايا عدوان الكيان الإسرائيلى المحتل على غزة من الشهداء نحو أكثر من 19000 شهيد، غير المفقودين بالآلاف تحت الركام، وأكثر من 50 ألف جريح ومصاب، غير ما خلفته القذائف من عاهات مستديمة وعجز للآلاف، وفوق كل ذلك حصار وتجويع وقطع مصادر الماء والكهرباء، ومن ثم انتشار الأمراض والأوبئة بين الأحياء من الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن العالم كله تقريبًا الآن، بات رافضًا لهذه الحرب الوحشية التي لا يحترم فيها الجانب الإسرائيلي أي صوت مهما كان، سواء رأي عام عالمي، او قرارات في مجلس الأمن والأمم المتحدة، أو المنتفضون في شوارع عواصم العالم ينددون بإسرائيل ويغنون ويهتفون لحرية فلسطين.
فإن الكيان وحكومته المتطرفة المأزومة، يقولون للجميع لا نرى أحدًا، لا نسمع أحدًا، والسلاح والقتل فقط يتكلم، غير أن هذا الكلام هو الشر المطلق الذي تستقبله صدور الشهداء لا كل يوم فحسب، بل ربما كل ساعة، حتى إن الكيان يتكابر على أن يلقي بالا لآلاف المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب بعد الإعلان عن مقتل محتجزين في غزة بنيران إسرائيلية نتيجة للقصف المستمر، وهو ما أكده المتحدث باسم المقاومة، التي ما زالت أيادي عناصرها على الزناد ويتربصون بالعدو في كل مكان وحكومة نتنياهو المتطرفة وجيش الاحتلال لا يهمه محتجزون ورهائن؛ سواء أكانوا إسرائيليين أو من جنسيات أخرى، لا يهمه سوى الدفاع عن كرامته الضائعة ومستقبله الأسود وعجرفته الكاذبة، مهما كبدته المقاومة من خسائر لا يتجاسر على الاعتراف بها، فنحو 1000 جندي من الكيان المحتل قد قتلوا في هذه المعارك، ونحو أكثر من 5000 مصاب بينهم إصابات بالغة، غير استهداف عشرات المئات من الآليات، ففي الأيام الخمس الأخيرة فقط دُمرت أكثر من 100 آلية عسكرية، بل إن الناطق باسم المقاومة دعا إلى تصعيد الفعل الميداني ضد العدو في كل جبهة، ومقاطعة الاحتلال بكل أشكال المقاومة.
يأتي ذلك بالتوازي مع انتفاض شعوب العالم في الأرجاء كافة، ومع مؤشر جديد وخطير يضاف لأسباب هدم أسطورة خيال المآتة التي تُدعى إسرائيل، فمع تزايد آلاف المحتجين من اليهود في العالم الذين يرفضون الصهيونية فكرة ومشروعًا، ويقرون بحق الفلسطينيين التاريخي في دولتهم، فبالتزامن مع تصاعد حدة الحرب، تزداد طلبات الهجرة من جانب مستوطني الكيان المحتل، تزايدًا كبيرًا من الإسرائيليين الذين يبحثون بشكل متزايد عن اللجوء في الخارج، وخاصة في أوروبا، والاهتمام بشراء العقارات في العديد من البلدان الأوروبية، وهذا ليس حديث غرباء عنهم، بل ما أبرزته صحيفة ذا ماركر الاقتصادية الإسرائيلية، بأن العائلات الإسرائيلية أبدت اهتمامًا كبيرًا بشراء العقارات والمنازل في الخارج منذ 7 أكتوبر، وبحلول نهاية أكتوبر، هاجر أكثر من ربع مليون إسرائيلي، وفي نوفمبر أكثر من نصف هذا الرقم ايضا غادروا، كذلك أشارت تقديرات نشرت في قناة الـ 12 الإسرائيلية، أن عدد المهاجرين بلغ نحو نصف مليون إسرائيلي غادروا البلاد، وهو ما يتجاوز العائدين والمهاجرين الجدد مع توقع زيادة كبيرة محتملة في عدد المغادرين، خصوصًا بين الإسرائيليين الذين كانوا يقيمون بالفعل في الخارج أو يسافرون خلال الأعياد اليهودية، كما لوحظ عودة الاهتمام الإسرائيلي بشراء العقارات في الخارج، وأعرب ما يقرب من 20% من العائلات الإسرائيلية، في استطلاع، عن رغبتهم في شراء عقارات خارج البلاد، في اليونان والولايات المتحدة وقبرص، والبرتغال التي تقدم الإسرائيليون بطلبات للحصول على جنسيتها بأعداد أكثر من أي مجموعة أجنبية أخرى، حيث وصل عدد طلبات الهجرة، بحسب السلطات البرتغالية، إلى 21 ألفًا، وكانت هجرة الإسرائيليين إلى البرتغال، قد بدأت بعد أن أقرت البرتغال قانون العودة في 2015.
كذلك أصبح نتنياهو منبوذًا من قوات الاحتياط في جيش الاحتلال، حيث كتب زعيم المعارضة الإسرائيلية، لابيد عبر تويتر: بينما يموت الجنود في غزة، اختلق نتنياهو نزاعات، اخترع نزاعًا مع الولايات المتحدة، اخترع نزاعا معي، اخترع نزاعًا معي وآخرين، لا أحد يفهم ما الذي يتحدث عنه، نتنياهو يفعل ما كان يفعله طوال حياته: التحريض والكذب وخلق الكراهية، الآن هو يفعل ذلك في وسط حرب مريرة، عندما يقتل الجنود كل يوم، لم يتعلم أي شيء منذ 7 أكتوبر، المأساة لم تغيره، فهو غير قادر على الاعتراف بذنبه، لا يمكن لهذا الرجل أن يستمر في رئاسة البلاد، الأمر خطير للغاية.
في الجانب الآخر من المحيط، وفى الوقت الذى يزداد فيه تعلق الكيان بالإدارة الأمريكية، من حيث المساعدات العسكرية والمادية، وردع التدخلات الإيرانية المحتملة، والمساعدة في القضاء على حماس، كما يصورون، فإن الكيان يخشى نفاد صبر الأمريكان، على الرغم من استمرار البنتاجون في إرسال أسلحته المدمرة بتصدير من واشنطن عنوانه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وعلى الرغم من الحوار الشكلي من قبل حول عمليات الجيش فى خان يونس، فى ظل انتقال مليون لاجئ فلسطينى تقريبًا من الشمال نحو الجنوب، وقد تمركز كثيرون منهم فى هذه المدينة، وطلب إدارة بايدن من إسرائيل أن تتفهم الوضع وتمتنع عن قصف الأهداف جوًا، وضمان عمل الممرات الإنسانية بهدف نقل المساعدات، لكن بالطبع فإن حكومة الكيان الموتور فاقدة الاتزان تصورت وهما، أن تكثيف العمليات فى جنوب القطاع سيضغط على حماس التي لا تزال عناصرها تقاتل بشراسة، وتستمر المعارك فى شمال القطاع وأحياء الشجاعية والزيتون وجباليا، وغيرها من المناطق التى لا تزال تحت سيطرة المقاومة، كما توجد جيوب لها فى أحياء أخرى، ليصبح نتنياهو وحكومته في مرمى المقاومة ومرمى عائلات المحتجزين.
وفى ظل تزايد الانتقادات الدولية الموجهة إلى وشنطن لدعمها غير المشروط لإسرائيل، بالإضافة إلى غياب وضوح الهدف عن العمليات، وعدم القدرة على تحديد كيفية تحقيق نصر يُذكر فى المعارك الدائرة، إلا إذا كانوا يعدون إبادة المدنيين والاطفال نصرًا، أكد بايدن أن نتنياهو بحاجة إلى تغيير أسلوبه وحكومته، مؤكدًا أن الدعم العالمي للحملة العسكرية الإسرائيلية يتضاءل وسط القصف العنيف على غزة.
وأخيرًا ففي الجمعية العامة للأمم المتحدة، صوّت أكثر من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء لصالح قرار وقف إطلاق نار فوري إنساني في غزة، بتأييد 153 عضواً من أصل 193 عضواً، وعلى الرغم من انه قرار غير ملزم، لكنه ذو ثقل سياسي كبير، حيث يعكس وجهة النظر العالمية للحرب، مع تزايد مساحة المطالبات الدولية بفكرة حل الدولتين والاعتراف الدولي شعبيًا وسياسيًا بحقوق الفلسطينيين في دولتهم، بما في ذلك أصوات من داخل الإدارة الأمريكية ترى أن حل الازمة الحالية يكمن في حل الدولتين كتسوية، ومسار مستقبلي مقترح للمفاوضات، ولنكمل من بعدهم، فإذا ما وصلنا لنقطة تالية وبعد كل هذا التأييد بعد كل هذا الدمار والقتل، قد يكون التفاوض على مكاسب أكبر باسترداد أجزاء كبيرة من المستوطنات وصولا لكامل الأراضي الفلسطينية.