في معرض احتفاء المهرجانات السينمائية بالسينما الفلسطينية، ومنها ما يقوم به حاليًا مهرجان الجونة السينمائي فى دورته السادسة "الاستثنائية"، عرض فيلم "الأستاذ"، روائي طويل للمخرجة الفلسطينية فرح النابلسي.
سبق أن حصل الفيلم على جائزتين في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدورة الثالثة، ويأتي عرضه فى مهرجان الجونة ضمن برنامج "نافذة على السينما الفلسطينية".
معظم الأفلام التي قدمت خلال السنوات القليلة الماضية، وأخرجها فلسطينيون عن المقاومة، لم تكن الرؤية خاصة مع أن النوايا صادقة، المخرجون فيها عادة ما تكون لهم توجهات تفرضها ظروف عملهم خارج الوطن، ومن ثم جهات الإنتاج الممولة لتلك الأفلام، فتخرج التجارب منقوصة، أو إن شئت قلت غير واضحة المعالم، نحن نتعاطف مع تلك الأفلام ونصفق لها ونحتفي بها؛ لأننا نحتاجها وتسعدنا مشاهدتها، لكن في أحيان كثيرة وهو ما حدث على سبيل المثال مع فيلم "صالون هدى" للمخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد، عرض منذ عامين في مهرجان البحر الأحمر، وانتقد مخرجه لتركيزه على فكرة الخيانة، وسبق أن طرحها أيضًا في فيلمه المهم "عمر".
فى فيلم "الأستاذ"، تقفز فلسطين إلى صدارة المشهد من أول لقطة يظهر فيها الممثل صالح بكري، وهو يقوم بدور مدرس لغة إنجليزية، له تاريخ مشرف مع المقاومة، لكنه عاد ليقف على الحياد حتى أدخله هدم منزل وقتل أحد جيرانه، ثم موت أبنه في السجن، لتبدأ الصورة أكثر قتامة عندما تستغله المقاومة لإيواء أحد جنود الاحتلال كاسير وتخبئته فى المدرسة ليتم التفاوض عليه للإفراج عن ألف أسير.
حكاية قد نلمس خيوطها في الواقع الفلسطيني، ونقرأ سطورها في الصحف، أو نسمعها في نشرات الأخبار، تناولتها المخرجة فرح النابلسي بشياكة، وبرعت في نقل الصورة وكأننا أمام حالة حقيقية، لكنها عانت الارتباك في غلق الخطوط، وكأنها كانت تحاول أن تجعل المشاهد يعيش أكبر فترة ممكنة أمام فيلمها لتصل مدته قرابة الساعتين مع أنه كان بإمكانها أن تختصر الكثير من المشاهد المربكة والتي لا طائل منها كمشاهد الممثلة البريطانية إيموجن بوتس، صديقة الأستاذ "صالح بكري"، وقد استعانت في فيلمها بأكثر من ممثل أجنبي حتى أننا لم نشاهد أدوارًا رئيسية مؤثرة غير البطل، ومحمد عبدالرحمن، ونبيل الراعي، ويبدو أنها ظاهرة متكررة في الأفلام الفلسطينية التي قدمت خلال السنوات القليلة الماضية أن يتم الاستعانة بممثلين أجانب.
من أجمل ما قدمته المخرجة فرح النابلسي في فيلمها الجانب الإنساني، وبعدها عن الكلاشيهات التي تفسد دائمًا ما يقدم في مثل تلك النوعية من مشاهد الحرب، وظهور جنود الاحتلال المتكرر، هي اكتفت بالتركيز على فقدان العدل الإنساني من جانبه، والكيل بمكيالين، لتبرير نهاية فيلمها بأنه لا حل سوى المقاومة، والعين بالعين والسن بالسن طالما أنه لا حلول أخلاقية، ولا عدل إنساني مع الاحتلال، وهو ما قام به صالح بكرى بالثأر من المستوطن الذي سعى إلى حرق أشجار الزيتون، وقتل أحد شباب القرية عند محاولة منعه من جريمته.
فيلم به روح المقاومة، أضفى الوضع الحالي عليه قيمًا أخرى جعلته أحد أهم أفلام المهرجانات، ويحتفي به فى مهرجان الجونة بشكل خاص، وشهد عرضه حضور كبير.