د. فتوح هيكل: مطلب متكرر يتجدد مع كل أزمة عالمية كبرى أو تطور مهم يشهده العالم
موضوعات مقترحة
د.أحمد دهشان: المقترح الأمريكي يثير خلافًا مع روسيا بشأن التوسعة ونطاقها وعدد الدول
د. محمد عاشور: ضرورة حشد المجتمع الدولي وإبراز جهود المؤسسات المصرية في إفريقيا
د.محمود خليفة: «مصر» لديها المقومات والإمكانات التي ترشحها للعضوية الدائمة
حبيبة ضياء الدين: النزاعات الإفريقية شغلت نحو 50% من اجتماعاته و70% من قراراته
بعد فشل مجلس الأمن أكثر من مرة، فى تبنى قرار بوقف إطلاق النار فى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وبعد تحدى «الفيتو الأمريكى» للإجماع الدولى، وفشل مجلس الأمن فى مهمته الرئيسية القائمة على حفظ الأمن والسلم الدوليين.
يتجدد النقاش بشأن إصلاح مجلس الأمن الدولي، وفتح الباب أمام أعضاء جدد، بعد أن عطلت الخلافات توسيع المجلس حتى هذه اللحظة، فكرة الإصلاح التى نوقشت لسنوات طويلة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا تقتصر على التوسعة العددية، بل تشمل معالجة قضية ممارسة الدول الخمس دائمة العضوية، لحق النقض (الفيتو) وكيفية تقييده، والتمثيل الجغرافى للإصلاح، وحجم التوسعة المقترحة، وآليات العمل.
فى هذا التحقيق نستطلع آراء الخبراء حول دوافع توسعة مجلس الأمن الدولى وعدد الدول المرشحة للعضوية الدائمة، وهل يمكن أن تتغير صيغة الدول غير الدائمة من عامين إلى 4 أعوام؟ وكذلك العدد المتوقع فى ضوء الخلافات بين روسيا وأمريكا؟ بالإضافة إلى كيفية حصول إفريقيا على مقاعد دائمة فى مجلس الأمن، والاستفادة من الدعوات الأمريكية وغير الأمريكية للعضوية الدائمة وما الآليات التى تستطيع من خلالها القارة حشد الرأى العام الدولي، حول مطالبها والتعويض عن الظلم التاريخى التى تعرضت له؟ وفرصة الدولة المصرية للحصول على عضوية دائمة.
بداية قال، الدكتور فتوح هيكل، المستشار العلمى لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، إن مطلب إصلاح الأمم المتحدة، وفى القلب منها مجلس الأمن الدولي، ليس بالجديد، بل هو مطلب متكرر يتجدد مع كل أزمة عالمية كبرى، أو تطور مهم يشهده العالم، لكن هذا المطلب بدأ يتواتر بصورة كبيرة فى السنوات الأخيرة، ولاسيما الدعوات المطالبة بتوسيع مجلس الأمن الدولي، الجهاز الإدارى الأهم فى المنظمة الدولية الذى يُناط به المسئولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين، والأمر يمكن رده إلى عاملين مهمين؛ الأول هو التغير الكبير الذى شهدته بنية النظام الدولى، مع صعود العديد من القوى الدولية الفاعلة والمهمة، التى أصبحت تمتلك من عوامل القوة والنفوذ فى النظام الدولي، ما يفوق ما لدى دول أعضاء دائمين فى مجلس الأمن، فالواقع اليوم يختلف بصور كبيرة، عما كان عليه عام 1945، عند تأسيس المنظمة الدولية، وهذا يجعل هذه القوى الدولية الصاعدة، غير راضية عن التركيبة الحالية لمجلس الأمن الدولي، وتدعو إلى توسعته، ليمثل بشكل عادل موازين القوى الدولية والإقليمية الحالية.
وأضاف الدكتور فتوح هيكل، أن العامل الثانى يتمثل فى حقيقة أن امتلاك بعض القوى الدولية لحق النقض، الفيتو، يجعلها تمتلك ميزة إستراتيجية أكبر مقارنة بباقى الدول، ويضعها فى وضع أفضل فى الدفاع عن مصالحها الإستراتيجية والحيوية، بما فى ذلك الحيلولة دون اتخاذ أية إجراءات بحقها أو بحق حلفائها أو مصالحها، لأنها ستستخدم فى هذه الحالة الفيتو لمنع مثل هذه الإجراءات، وما من شك فى أن إساءة بعض الدول دائمة العضوية استخدام الفيتو الممنوح لها، وسعيها إلى تطويع القرارات الدولية لخدمة مصالحها، بصرف النظر عن القواعد القانونية الدولية، يدفع كثيرا من دول العالم إلى المطالبة، بتغيير هذه القواعد أو توسيع دائرة الدول التى تمتلك حق النقض.
وفيما يتعلق بماهية الدول المرشحة للعضوية الدائمة لمجلس الأمن، أوضح المستشار العلمى لمركز تريندز للبحوث، أن الأمر يختلف وفق تصورات الدول الكبرى، فعلى سبيل المثال تسعى الولايات المتحدة، إلى إضافة نحو 6 مقاعد دائمة إلى المجلس، دون منح تلك الدول حق النقض، ومن بين هذه الدول ألمانيا واليابان والهند، فيما ترى عواصم أخرى ضرورة ضم البرازيل وجنوب إفريقيا، كما أن هناك العديد من الدول التى ترى نفسها مؤهلة لعضوية المجلس مثل مصر ونيجيريا والجزائر وإندونيسيا، وتركيا والسعودية وكوريا الجنوبية وغيرها، مشيراً إلى أن تصورات الدول بشأن العدد الذى ينبغى ضمه إلى عضوية مجلس الأمن الدولي، لاسيما الأعضاء الدائمين، تذهب إلى توسيع العضوية من 15 عضوا حالياً إلى 25 عضوا.
وتابع: لكن الجدل الأهم يدور حول كيفية اختيار الأعضاء الجدد، والصلاحيات الممنوحة لهم، وأعنى تحديداً حق النقض- الفيتو، إلى جانب مسألة التمثيل الإقليمي، مؤكداً أن حالة الاستقطاب الدولى الراهنة، واشتداد الصراع الروسى - الأمريكى، ستضيق دائرة الدول التى يمكن أن يحدث توافق بشأنها، فعلى سبيل المثال، وبرغم أهمية الهند ومكانتها الدولية، لا يتوقع أن توافق الصين على منحها العضوية الدائمة فى حال التنافس والصراع بين البلدين، وكذلك الحال بالنسبة لليابان، فى حين أن دولا مثل البرازيل وجنوب إفريقيا ومصر والسعودية قد يسهل التوافق عليها.
وأكد الدكتور فتوح هيكل، أن مصر من بين الدول الإفريقية المرشحة بقوة، لنيل عضوية دائمة فى مجلس الأمن الدولى كممثل عن إفريقيا، فمصر لديها ثانى أكبر اقتصاد فى إفريقيا وأكبر جيش فى القارة، وكانت واحدة من الأعضاء المؤسسين للأمم المتحدة، وتتمتع بنفوذ كبير فى إفريقيا والعالم العربي، وتستضيف مقر جامعة الدول العربية، وهذه كلها مزايا تمنحها أفضلية فى تمثيل القارة، مشدداً على أن نجاح مصر فى الحصول على عضوية مجلس الأمن الدائمة، يحتاج إلى تكثيف التحركات الدبلوماسية المصرية على مستويين، الأول مستوى الدول الكبرى دائمة العضوية فى مجلس الأمن، لضمان الحصول على موافقتها. والثانى على مستوى القارة الإفريقية، لضمان الحصول على دعمها وترشيحها لمصر، لتمثيل القارة فى عضوية مجلس الأمن الدائمة.
صدام أمريكى - روسي
من جانب آخر، قال أحمد دهشان الباحث فى التاريخ والعلاقات الدولية والنظام الدولي، الخبير فى الشئون الروسية والأوراسية: إن مجلس الأمن الدولى بصيغته الحالية، يمثل تجسيدًا لموازين القوى الدولية التى أفرزتها نتائج الحرب العالمية الثانية، وكان إلى حد كبير معبرًا عنها، موضحاً أن نهاية الحرب الباردة، وما أعقبها من متغيرات، بدا المجلس وكأنه شيء من الماضي، ولهذا السبب فقد قدرته على القيام بدوره إلى حد كبير، وعلى سبيل المثال، ليس من المنطقى أن تكون بلدان مثل ألمانيا، والهند، واليابان، غير ممثلة، بجانب قارة بأكملها، مثل إفريقيا بعدد سكانها ومواردها وتزايد أهميتها.
وأضاف الخبير فى الشئون الروسية والأوراسية، أن الدعوة لتوسعة عضوية مجلس الأمن، لم تكن وليدة اللحظة، بل انطلقت منذ أكثر من عقد، وظهرت عدة مبادرات حول هذا الأمر، منها على سبيل المثال مبادرة “العالم أكبر من خمسة” لتركيا، موضحاً أن إدراكًا منها لهذه المتغيرات، ولضمان عدم فقدان مجلس الأمن لدوره لصالح المنظمات متعددة الأطراف الأخرى، أو نشوء نظام جديد أمنى خارج عن سيطرتها، بادرت الولايات المتحدة بهذه الدعوة، وأرادت إحراج خصميها الرئيسيين الصين وروسيا، واستباق أى محاولة منهما لاجتذاب القوى العالمية الصاعدة.
وأوضح أحمد دهشان، أنه حتى الآن لم تصدر قائمة محددة بالدول المرشحة لنيل العضوية الدائمة، حيث اكتفى الرئيس بايدن بالتقدم بهذا المقترح، وإعلان دعمه له فى جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن التسريبات الأمريكية ترجح أن يشمل المقترح الأمريكى الهند، والبرازيل، واليابان، وألمانيا، وربما جنوب إفريقيا، مضيفاً أن تغير صيغة الدول غير الدائمة من عامين إلى 4 أعوام، لم يتم طرح هذا الأمر حتى الآن، ويتوقع أن تتم مناقشته حال تم التوافق بين الأعضاء الخمسة الكبار على توسيع العضوية، ولابد ألا ننسى أن هذه الدعوة حتى الآن أمريكية، ولم يصدر بشأنها تصور واضح من بقية الأعضاء دائمى العضوية.
وأشار الخبير فى الشئون الروسية والأوراسية، إلى أن روسيا، سبق أن أعلنت على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلى نيبينزيا، رفضها لأى توسعة لمجلس الأمن تضم دولاً غربية، وعدم حاجة المجلس للتوسعة، إلا فى حال ضم بلدان من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، مؤكداً أن المقترح الأمريكى يثير خلافًا مع روسيا بشأن التوسعة ونطاقها، وعدد الدول وخلفياتها، ويبدو أن الطرف الأمريكى قد تحسب لهذا الأمر، فوضع فى القائمة بلدانا لا يمكن لروسيا أن ترفض عضويتها مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وهى أعضاء معها فى تجمع بريكس، وقد ينشأ حل توافقى بين البلدين، عبر قبول روسيا منح ألمانيا واليابان العضوية، بجانب الدول السابقة، شريطة ألا تتمتع بحق النقد “الفيتو” واقتصاره على الخمسة الكبار مؤسسى المجلس.
وأكد دهشان، أنه حال تم التوافق على التوسعة، يصعب للغاية استثناء إفريقيا منها، وإلا ستفقد هذه التوسعة المقترحة معناها وجدواها فى الوقت نفسه، أما حصول إفريقيا على المقعد الدائم فيعود إلى حد كبير للتوافق الإفريقى على اختيار دولة ممثلة عن القارة، لضمان عدم تحول عضويتها المفترضة، لنزاع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، مشيراً إلى أنه سيكون لكل بلد مرشحه الإفريقى المفضل، لتحقيق استفادة حقيقية للقارة، وصنع توافق بين دولها، قد يكون فى طرح صيغة مرنة وخلاقة، حلاً لمعضلة “من الأجدر بتمثيل القارة”، وذلك عبر مداورة المقعد بين الدول العشر الإفريقية الأكبر، والمؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقى حاليًا) أو أن يشغل هذا المقعد الاتحاد نفسه كهيئة ممثلة للقارة ومصالحها، وإن كان هذا السيناريو، قد يكون غير واقعى فى ظل صعوبة إرضاء ممثل الاتحاد لكل دول القارة.
وحول الآليات التى تستطيع إفريقيا من خلالها حشد الرأى العام الدولى حول مطالبها والتعويض عن الظلم التاريخى التى تعرضت له القارة، يرى الخبير فى الشئون الروسية والأوراسية، أن مشكلة الحديث عن الظلم التاريخي، وطلب تعويضات، يرجع لعدم وجود سياسة واضحة وقرار داخل الاتحاد الإفريقى تجاه هذه القضية، وآليات عمل لتحقيقها، كما أن الاستقطاب الحاد بين الدول الكبرى حول هذا الموضوع هو مزايدة هدفها الإثارة، على سبيل المثال، روسيا بدأت تتبنى خطابا شبيها بالاتحاد السوفيتى تجاه الغرب وإمبرياليته، وحقوق إفريقيا المهدرة، فقط من باب المكايدة نتيجة موقف الغرب من حربها على أوكرانيا، قد يكون التحرك الأكثر واقعية، دعوة الدول الغربية للاستثمار فى القارة، بدلاً من الاكتفاء بالاستحواذ على الخامات وتصدير المنتجات الاستهلاكية، لتوفير فرص عمل للأفارقة، وهناك فرصة جيدة للغاية، لتحقيق هذا الهدف فى ظل انتباه الغرب للتوسع الاقتصادى الصينى والعسكرى الروسي، بجانب وجود مصلحة أوروبية مباشرة، لوقف موجات الهجرة غير الشرعية، والحصول على مصادر نظيفة للطاقة، وأعتقد أن هذا الجهد هو الأولى بالعمل والنضال لأجله، واستغلال الماضى لتحقيق مصلحة فى الحاضر والمستقبل للشعوب.
حشد المجتمع الدولي
يرى الدكتور محمد عاشور، أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الإفريقية العليا جامعة القاهرة، أن القوى المتحفظة على تعديل ميثاق الأمم المتحدة وغيرها، لديها إدارك أن استمرار وضع المنظمة العالمية على ما هو عليه - من عدم عدالة فى تمثيل دول وقارات العالم- ضرره أكثر من نفعه، لما يؤدى إليه من عدم تمثيل قرارات المجلس للإرادة الدولية، وبالتالى عدم فاعليتها فى أرض الواقع وعدم تجاوب بعض الدول معها، موضحاً أن الدول الكبرى الأعضاء فى مجلس الأمن، أعربت عن تفهمها مطالب إفريقيا بمقعد دائم فى مجلس الأمن، حيث أعربت إدارة «بايدن» عن دعمها مطالب توسعة عضوية مجلس الأمن، وحق إفريقيا فى مقعد دائم بالمجلس، وهو الأمر ذاته الذى أعربت عنه بريطانيا على لسان وزير خارجيتها، وكانت الحكومة الفرنسية قد سبقت الجميع عام 2010، بإعلان دعمها للمطلب فى سياق أعمال القمة الفرنسية - الإفريقية، ولا يختلف الحال بالنسبة لكل من الصين وروسيا، اللتين أعربتا كل على حدة عن تفهمهما لرغبة إفريقيا فى مقعد دائم فى مجلس الأمن.
وأوضح الدكتور عاشور، أنه بصرف النظر ما إذا كانت تصريحات القوى الكبرى نابعة من إرادة حقيقية أو لأغراض تكتيكية، فإن إفريقيا عليها أن تغتنم تلك الفرصة للحصول على وضعها المستحق، فى تمثيل دائم فى مجلس الأمن، حيث إنها القارة الأكثر عددا من حيث عدد الدول، وفى ذات الوقت فإنها القارة الوحيدة، التى تفتقر لممثل دائم لها فى “مجلس إدراة العالم”، فلا يجوز تجاهل التطورات التى شهدها العالم على الساحتين الدولية والإقليمية منذ عام 1963 الذى شهد إقرار تعديل المادة 23 من الميثاق ليصبح عدد الأعضاء 15 عضوا، بدلا من 11 عضوا، وهو التعديل الذى دخل حيز النفاذ عام 1965، أى منذ ما يقرب من 60 عاما، شهدت العديد من التغيرات الجذرية التى تبرر إعادة النظر فى الميثاق وفى تشكيل مجلس الأمن.
وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن التطورات الجارية، تتطلب من القوى الإفريقية الساعية للفوز بمقعد دائم فى مجلس الأمن وفى مقدمتها مصر، أن تعمل على مضاعفة الجهود الرامية إلى زيادة حظوظها فى الحصول على ذلك المقعد، من خلال العمل مع الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقى، على طمأنة القوى الدولية الكبرى، بشأن تعديلات الميثاق وهيكل العضوية، والتأكيد على أن التعديل لصالح المجتمع الدولى واستقراره ككل وليس إفريقيا وحدها، مؤكداً أن مصر قلبا وقالبا مع إفريقيا ككل، فمصر قيادة وشعبا تعمل لصالح شعوب القارة الإفريقية، على أساس المصلحة والفوز المشترك لجميع الأطراف، وإن لم يمنع ذلك من خصوصية العلاقة مع بعض المناطق والأقاليم، وهو أمر تعرفه كل البلدان والقارات.
وطالب الدكتور محمد عاشور، بضرورة إبراز جهود مصر على الساحة الإفريقية، ممثلة فى المبادرات والبرامج المميزة التى تقدمها كل المؤسسات المدنية والعسكرية فى مصر، وفى مقدمتها الجامعات ووزارة الخارجية المصرية عبر صندوق التنمية الإفريقية، وأكاديمية ناصر العسكرية ومعهد الإذاعة والتليفزيون وأكاديمية الشرطة ووزارة الرى، وغيرها من المؤسسات العامة والخاصة، إضافة إلى مشاركات مصر فى مشروعات التنمية، وبناء السدود وحفر الآبار فى القارة ومشاركاتها فى مهام وبعثات حفظ السلام، وكذلك التنسيق مع الدول المرشحة للعضوية الدائمة فى مجلس الأمن مثل الهند، ألمانيا، البرازيل لتبادل الدعم بما يحقق صالح مصر وتلك الدول.
وأكد الدكتور عاشور، أهمية توظيف الطبيعة المصرية الفريدة كدولة أفرى-آسيوية، عربية متوسطية فى اجتذاب دعم وتأييد تلك البلدان والمناطق، لحق مصر المشروع فى تمثيل القارة، باعتبار ما تحمله تلك الطبيعة المصرية الفريدة من إمكانات وصل بين مصالح تلك القوى الدولية، وهو ما يسهم فى تحقيق الأمن والسلم العالميين، الذى هو جوهر وظيفة مجلس الأمن، على أن كل ما سبق يجب أن يكون نتاج حوار شامل بين كل المؤسسات المعنية بالشأن الإفريقى فى مصر، وصولا إلى الخطة المثلى للفوز بشرف تمثيل القارة، وهو ما يتطلب - من وجهة نظرة- إعادة الاعتبار إلى ما سبق أن طالب به كثير من رواد العمل الإفريقى بوجود مجلس أعلى للشئون الإفريقية، يضم كل القطاعات العاملة والمعنية بالشأن الإفريقي، ويتبع رئاسة الجمهورية مباشرة، بما يضمن التنسيق الجاد بين تلك المؤسسات والتطبيق الفاعل للخطط، على نحو يحول دون التضارب بين الجهود أو تكرارها، بما يهدر الموارد ويضيع الوقت والفرص.
إفريقيا والتمثيل العادل
وفى السياق، أكد الدكتور محمود خليفة مدرس العلوم السياسية، الكاتب المتخصص فى العلاقات الدولية، أن التغيرات التى طالت بنية النظام الدولي، وهيراركية القوى فيه تبرز الحاجة المُلحة لتكيف الأمم المتحدة ومجلس الأمن معها، حيث إن العالم اليوم مغاير بشكل شبه كامل، لما كان عليه الوضع أبان نشأة الأمم المتحدة عام 1945، فالقوى العظمى والكبرى، التى أرست دعائم النظام العالمى فى ذلك الوقت، بما يضمن لها الهيمنة والتأثير على الساحة العالمية، شهد بعضها تراجعًا نسبيًّا من حيث معايير القوى الشاملة، وظهرت قوى أخرى مؤثرة وفاعلة على الساحة العالمية، لا تحظى بالعضوية الدائمة لمجلس الأمن كألمانيا أكبر اقتصاد أوروبى، والهند القوى الكبرى الصاعدة بقوة على الساحة العالمية، واليابان ثالث أكبر اقتصاد فى العالم.
وأضاف الدكتور خليفة، أن الوضع تغير بشكل جذرى بالنسبة لقارتنا الإفريقية، فعند نشأة الأمم المتحدة، كان كثير من الدول الإفريقية خاضعة للاستعمار ولم تحصل على استقلالها بعد، لكن اليوم فى ظل التغيرات التى شهدها العالم، أصبحت القارة الإفريقية ودولها ذات تأثير فى مسار التفاعلات العالمية، وأصبحت دول القارة تتمتع بثقل وتأثير بارز فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفى المنظمات الدولية مثل منظمة التجارة الدولية ومنظمة الصحة العالمية، فضلًا عن عضوية بعض دول القارة فى التكتلات الدولية البارزة مثل البريكس ومجموعة العشرين.
وأشار مدرس العلوم السياسية، إلى أن كلا من اليابان وألمانيا والبرازيل والهند، تسعى معًا لمحاولة إصلاح مجلس الأمن الدولى والحصول على مقاعد دائمة، وأن وزراء خارجية الدول الأربع، اجتمعوا فى نيويورك على هامش اجتماعات الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة فى سبتمبر الماضى، للتباحث والنقاش حول هذا الأمر، وفى هذا الشأن لفت الدكتور محمود خليفة الانتباه إلى دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الدورة 75 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة فى سبتمبر 2020، إلى ضرورة معالجة مسألة التمثيل الجغرافى العادل فى مجلس الأمن، ليكون أكثر تعبيرًا عن واقع العالم اليوم، وعن موازين القوى الراهنة والتى تختلف كثيرًا عما كانت عليه، إبان وقت صياغة المنظومة الدولية، وأن هذا الواقع يبرز أهمية توسيع المجلس فى فئتيه الدائمة وغير الدائمة، بما يعزز من مصداقيته ويحقق التمثيل العادل للقارة الإفريقى، لتصحيح الظلم التاريخى الواقع عليها، والاستجابة لمطالبها المشروعة المنصوص عليها، فى توافق «أوزلوينى» وإعلان «سرت».
وارتباطًا بذلك، أوضح الدكتور محمود خليفة، أن مصر لديها الكثير من المقومات والإمكانات الشاملة التى ترشحها بقوة، لأن تكون عضوًا دائمًا بمجلس الأمن الدولي، حيث تحتل مصر أيضًا المرتبة الأولى عربيًّا وإفريقيًّا فى مؤشر أقوى دول العالم الصادر عن مجلة «إيكو وورلد»، والذى يقيس القوة والتأثير المتصورين، فيما يتعلق بدور وأثر الدول فى السياسات الاقتصادية العالمية والثقل على الساحة العالمية، الذى يأخذ فى عين الاعتبار الاستقرار السياسي، والتأثير الاقتصادي، والتحالفات العالمية، والقوة الناعمة، والقوة العسكرية، مشيراً إلى أن مصر هى القوة البشرية الأولى على مستوى المنطقة العربية، والثالثة على مستوى القارة الإفريقية، ومن المتوقع أن تزداد القوة البشرية المصرية خلال السنوات المقبلة، فبحسب الأمم المتحدة فإن 8 دول ستكون وراء 50% من النمو السكانى على مستوى العالم خلال الثلاثين عامًا المقبلة من بينها مصر، أما على المستوى الاقتصادى فمصر استطاعت خلال السنوات الماضية برغم تداعيات جائحة فيروس كورونا والأزمة الروسية - الأوكرانية تحقيق معدلات نمو مرتفعة وصلت إلى 6.6% عام 2022، مما جعل الاقتصاد المصري، يحتل المرتبة الثانية إفريقيًّا والثالثة عربيًّا، من حيث حجم الناتج المحلى الإجمالى ومن المرشح أن تصعد مصر بقوة، لتصبح ضمن أقوى 10 اقتصادات فى العالم خلال العقود الأربعة المقبلة.
وفى ضوء ما سبق، يرى الكاتب المتخصص فى العلاقات الدولية، أن مصر مرشحة بقوة بحكم تاريخها وموقعها وانتمائها الإفريقى والعربى والإسلامى والمتوسطى، وعناصر القوة الشاملة للدولة، لنيل العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولى حال توسعه المجلس، مؤكداً أن إصلاح مجلس الأمن يواجه مقاومة شديدة من بعض الدول الكبرى على الساحة العالمية، التى تعمل على ترسيخ الوضع الراهن لسلطتها داخل مجلس الأمن الدولى (التمتع بحق النقض الفيتو – العضوية الدائمة)، وحماية مصالحها الخاصة التى تتعارض، فى كثير من الأحيان مع قواعد القانون الدولي، حيث لم تسفر المبادرات والمساعى العديدة لإصلاح مجلس الأمن على مدار العقود الثلاثة الماضية عن تقدم ملموس. ومع ذلك فإن الأزمات المتلاحقة التى شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية وعدم فاعلية مجلس الأمن فى معالجة تلك الأزمات، قد زادت وعززت من المطالب من قبِل الكثير من الدول المؤثرة على الساحة الدولية، لتوسيع نطاق العضوية الدائمة فى مجلس الأمن، ليضم دولا من بينها مصر.
تحديات مجلس الأمن
وفى المقابل، أوضحت حبيبة ضياء الدين، الباحثة بوحدة الدراسات السياسية بمركز الحبتور للأبحاث، أن مطالب التوسع تدور وفقًا لحجتين أساسيتين، أولاهما أن مجلس الأمن لا يُمثّل شعوب العالم بشكل كاف، فدول الجنوب تمثل أكثر من ثلثى عضوية الأمم المتحدة، فى حين يمثل مجلس الأمن فقط 8 % من الدول الأعضاء، وثانيا طبيعة التهديدات العالمية وتعريف الأمن الدولى، قد تغيرا بشكل جذرى منذ عام 1945، وهو ما يعنى ضرورة أن يتكيف مجلس الأمن للتصدى للتحديات الجديدة والمتطورة، مثل تغير المناخ والأوبئة الجديدة والإرهاب العالمي.
وأوضحت الباحثة بوحدة الدراسات السياسية بمركز الحبتور للأبحاث، أن النزاعات الإفريقية شغلت أكثر من 50% من اجتماعات المجلس و70% من قراراته، مضيفة أنه لا يوجد أى دولة إفريقية تمتلك مقعدا دائما، وقد اتخذ الاتحاد الإفريقى فى عام 2005 موقفًا مشتركًا يعرف بـ “اتفاق إيزولويني”، دعا إلى تُمثيل القارة بالكامل فى جميع هيئات اتخاذ القرار فى الأمم المتحدة، ولا سيما فى مجلس الأمن، حيث يجب أن يكون لإفريقيا مقعدان دائمان “بجميع اختصاصات وامتيازات العضوية الدائمة، بما فى ذلك حق الفيتو”، بالإضافة إلى 5 مقاعد غير دائمة، كما أصدر الاتحاد الإفريقى فى يونيو 2005 “إعلان سرت”، مع إعادة التأكيد على أنه يجب منح إفريقيا مقعدين دائمين مع حق الاعتراض، ومقعدين غير دائمين، مؤكدة أهمية أن توحد إفريقيا صوتها وتتفق على الدولة التى ستمثل القارة بأكملها للحصول على المقعد الدائم، وعلى الرغم أن إعلان الرئيس الأمريكى جو بايدن الأخير، بدعم توسيع مجلس الأمن ليتضمن أعضاء دائمين من إفريقيا، فإن ذلك فرصة سانحة للقارة لاقتناصها.
وحول فرصة مصر فى الحصول على أحد المقاعد الدائمة فى حالة التوسع، أشادت الباحثة بالدور الدبلوماسى الذى تلعبه مصر، لما لها من ثقل إفريقي، عربي، إسلامي، وعالمي، كما تُعتبر من أكبر اقتصادات إفريقيا، وتمتلك ثانى أكبر كتلة سكانية فى القارة، هذا بالإضافة إلى كونها إحدى الدول المؤسسة للأمم المتحدة، ولها تأثير ومشاركة واضحة فى كل عمليات المنظمة الدولية، وهنا تكمن نقطة الارتكاز الدبلوماسى التى من خلالها يمكن لمصر أن تنطلق، لتصبح جزءًا لا يتجزأ من مجلس الأمن.