خطوة البرلمان الدانمركي "مشكورة ومقدرة"

12-12-2023 | 11:58

أقمنا الدنيا وبالتأكيد أقعدناها بعد أيام قليلة، عندما حدثت عملية حرق نسخ من المصحف الشريف علانيةً في السويد والدانمرك وهولندا، واتجهت الردود الساخنة إلى محاولة تفعيل سلاح المقاطعة لمنتجات تلك البلدان، بينما اشتعلت المظاهرات في أرجاء العالم العربي والإسلامي، وصدرت بيانات التنديد من كل مكان، بينما طورت المؤسسات المسئولة في العواصم المختلفة خطابها ليتضمن طلبات واضحة بتجريم هذا الفعل البغيض تجاه القرآن الكريم أو أي كتاب سماوي آخر، ذلك الأمر الذي بدا صعبًا للغاية ولا أمل من ورائه، بسبب دعاوى حرية التعبير. 

وأخيرًا جاءت خطوة مهمة من كوبنهاجن ـ يوم الخميس الماضي ـ بإصدار البرلمان الدانمركي قانونًا يجرم حرق المصحف الشريف، وسيطبق أيضًا على تدنيس الكتاب المقدس أو التوراة والرموز الدينية مثل الصليب، وسيعاقب الجاني بغرامة وبالسجن مدة عامين، ولاقت الخطوة الدانمركية تشجيعًا من الأزهر الشريف، ومجلس حكماء المسلمين برئاسة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، ومن الخارجية المصرية، وهما مؤسستان طالما قاما بتوظيف إمكانياتهما وقدراتهما واتصالاتهما لدفع العالم الغربي نحو إظهار التقدير والاحترام للثوابت الأساسية لدى الشعوب العربية والإسلامية.  

ورحب الأزهر بما أعلنه البرلمان الدنماركي، وأكد في بيان أن هذه الخطوة المشكورة والمقدرة من شأنها وضع حد لمحاولات المساس والتطاول على مقدسات المسلمين وترسيخ المواطنة الإيجابية والسلم المجتمعي والسلام العالمي، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح لتخفيض حدة خطاب الكراهية المعادي للمسلمين، كما عبر البيان، لكن الأهم أن تكون الخطوة حافزًا للبلدان الأوروبية الأخرى التي شهدت حوادث مماثلة لسن مثل تلك التشريعات.
 
كما سارعت الخارجية إلى الترحيب ببيان البرلمان الدنماركي لتشريع يجرم التعامل غير اللائق، علنًا أو بقصد النشر على نطاق واسع، مع النصوص ذات الأهمية الدينية الكبيرة للمجتمعات الدينية، بما في ذلك إهانة وتدنيس وحرق المقدسات، ودعت الخارجية الدول الأوروبية التي تكررت فيها مثل تلك الأحداث إلى أن تحذو حذو الدنمارك.

كان صيفًا ساخنًا هذا العام تأججت حرارته في أنحاء العالم العربي والإسلامي احتجاجًا على حرق نسخة من القرآن الكريم أمام مسجد في السويد، وكان اختيار التوقيت في أول أيام عيد الأضحى المبارك يمثل إهانة بالغة، واستشاط العراقيون غضبًا؛ لأن من قام بذلك مسيحي من أصل عراقي، وطلبت الحكومة العراقية استلامه لمحاكمته؛ ولأن الغرب لا يفهم إلا لغة المصالح فقد دعا الأزهر الشريف إلى مقاطعة المنتجات السويدية.  

وحادث السويد تكرر في أكثر من مدينة هناك، مثل مالمو ولينشوبينج والعاصمة استكهولم، والخارجية السويدية قدمت باعتذارات وبعميق الأسف للدول الإسلامية، وكانت مجموعة متطرفة في الدنمارك قد قامت في شهر رمضان الماضي بحرق المصحف أمام مقار سفارات عربية وإسلامية في العاصمة كوبنهاجن، وفي نفس الصيف الساخن وفي نهاية شهر يوليو الماضي جرت عملية إحراق أخرى أمام السفارتين المصرية والتركية.  

لقد تحركت الدانمرك، وتشير تقارير إعلامية إلى تحرك سويدي ربما يسفر عن تطور مشابه، وأتمنى أن يحدث ذلك، لإغلاق هذا الملف البغيض الآن وإلى الأبد، ومن الجيد أن يكون ذلك عن طريق البرلمانات؛ لأن الحكومات دائمًا كما فعلت السويد والدانمرك مرارًا، تستنكر وأحيانًا تشجب وترفض، لكنها ترتد دائمًا خلف جدار ممارسة حرية التعبير التي يكفلها القانون.
  
ونعرف أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اعتمد في شهر يوليو الماضي قرارًا أدان ورفض بشدة أي دعوة أو إظهار للكراهية الدينية، بما في ذلك أعمال التدنيس العلنية والمتعلقة بالقرآن الكريم، وأيد 28 صوتًا القرار مقابل 12 ضده، والأمر المحزن أن دولا غربية تتشدق بحقوق الإنسان جاءت في مقدمة الدول الرافضة للقرار؛ مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وفنلندا وألمانيا.

هذا الشد والجذب والادعاء يكرس لخطاب كراهية الإسلام على الرغم من أن خطوة حرق نسخ من المصحف أو الرسومات المسيئة لرموز دينية أخرى، لا يمكن أن تجد لها مثيلًا في العالم العربي والإسلامي. 

ويتمثل النفاق الغربي في المعايير الديمقراطية والأخلاقية المزدوجة والتي تسمح بإهانة مقدسات ورموز إسلامية، بينما لا يمكنها التسامح مع أي إشارة إلى اليهود أو إسرائيل تحت قوانين وأعراف "معاداة السامية" التي لا تقبل النقض والإبرام، وإذا كانت الشعوب العربية والإسلامية قد أعلنت عدم التسامح مع الدول التي لا تحترم مقدساتنا ورموزنا، فإنه من الضروري الآن تشجيع الدانمرك.

وهي قضية مغلوطة بالتأكيد أن تسعى وتجتهد في إرضاء مجتمعات أخرى لمجرد أنهم قرروا التوقف عن إهانتك، ولكن هذا هو الواقع الذي نعيشه، والأفضل دائمًا وجود خطة مثلا أو خريطة لدى منظمة التعاون الإسلامي (57 دولة) أو مرصد لتفعيل التعاون أو الامتناع وفقًا لمواقف العواصم المختلفة، حتى لا نكتفي فحسب بالجهود الفردية.

ولا تعني المتابعة الدائمة تقسيم العالم إلى أصدقاء وأعداء، وإنما لتنبيه كل الأطراف إلى خطورة إحياء النعرات الدينية وروح الكراهية بين الجميع؛ لأنها لن تؤدي إلى السلام والأمن في سائر أنحاء العالم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة