يومك أصبح زحامًا شديدًا، عمرك ماضٍ كقطار لايرى أمامه سوى قضبان عنيدة يمر عليها في رحلته اليومية بقلب أسير خلف سياج من حديد، الأقدار فوق القمة تلوح لك لتهوي بك نحو الأسفل، إنك تعلم أنها ستنجح في جرفك معها، إنك تدرك أنها قادرة على تهدئة من رضي واستعان عليها بدعاء دؤوب لرب ودود مجيد، ولكل من وقف في وجهها معاندًا ومعارضًا فالحكم العادل آت، وحكم الله رشيد.
تتغزل الأحزان في تفاصيلها المرهقة وتدعوك للمشاركة في تجرع المزيد من ماء ملحها الأجاج ومالك في أمرك من حيلة سوى الخضوع، فالأيام غير الأيام والأعوام غير الأعوام، الفتن النائمة استيقظت على صراعات وحروب. الظلم أقام دولته هناك منذ زمن بعيد والحق في معركة كبرى يسعى لإحراز المزيد والمزيد من النصر، الحق يقاوم ويقاوم محاولًا نشر دعوته متسائلًا: "هل من مجيب؟".
الصورة تحكي قصتها والأرض تسرد أحداثًا عن ماضٍ كان يتلألأ من قبل نكبة عظمى خلفها ثورة بركان يلقي بحممه، حمم ونيران اختلطت في بوتقة الظلم لسنوات فانصهرت ودفعت بنا نحو طوفان حقيقي قادم يسير بأقدام واثقة الخطوات، ويعلن نهاية القصة التي توقفت لأجلها كل القصص والروايات.
هناك على البعد القريب مشهد جديد تتجدد فيه الآلام، وتعبر من وسطها في خلسة ومضات أمل تبعث بالنور الممتزج بإيمان راسخ بأن حكمة الله لا تقبل التعليل، علمنا بخفايا الأمور يتوقف، يتحطم وتتناثر بقاياه لتنشر ذراتها في عيون من اعتاد الجدال وتعمد طمس الحقائق منذ آلاف السنين.
فلنتذكر رحلة نبي الله "موسى عليه السلام" مع العبد الصالح حين كان الصبر يصارع الإيمان بالقدر في ساحة علم أكبر من أن يستوعب أحكامها وتفاصيلها إنسان، لابد أن الأمر بداخله حكمة عظمى تضيق بها وأمامها عقولنا المحدودة ويعجز عن احتوائها كل إدراك، ولهذا فقد تناسى البعض منا أن الإيمان مشروط بالرضا، وأن الأقدار لا تمنح فرصًا للتصنيف أو الاختيار.
امتطى الهدوء صهوة جواده، وأخذ يبتعد عابرًا بخطواته كل الموانع، وقدمت السكينة قرارها بالاعتزال، خرجت موجات الشكوى في ثورات من فوضى وضجيج يلاحقه ضجيج، وكأن الصمت قد هاجر أرضًا لم تعد تتحمل من يعيشون عليها، وبدأت في رحلة نحو مخاضها العسير والأخير، تتدافع حوله الأجساد باحثة عن موطئ قدم ينجيها من معركة دائرة في فلك عالم جائر، عالم يغشاه موج من ضباب كثيف.
العودة إلى الله هي طريقنا الآمن والوحيد، والرضا بقضائه ينجينا من هذا الصخب، ومن كل هذا التشويش، الاعتراف بجهلنا وعجزنا أمام حكمته المطلقة يعزز موقفنا ويمنحنا مساحات أخرى لاستراحة مؤقتة كلما جد علينا جديد.