في الحياة لا هناك شيء مهم في حد ذاته، بل أهميته تُقاس بمدى احتياجك له! كذلك الأمر بالنسبة للأشخاص فأهمية الشخص تكمُن في مدى الاحتياج له وليس لشخصه، حتى وظيفته تكمُن أهميتها عند احتياجك لها، فكل المناصب وكل الأشخاص وكل الأشياء مهمة فقط إذا احتجت لها، والله سبحانه وتعالى تَحَدَثَ عن ذلك في مُحكم كتابه فقال: "وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ"، "وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ"، فالله سبحانه وتعالى وزع الأرزاق وقسّم النعم على عباده لينفع بعضنا البعض ولخدمة بعضنا البعض وليس لجلب المشقة والذُل لبعضنا البعض!
فكل المهن يحتاجها المُجتمع ولا يستطيع أحد أن يُجزم أن مهنة شخص أهم من مهنة شخص آخر! فأهمية المهنة ترتبط باحتياجك لها، فإن شعرت بتعب تحتاج لدكتور وقتها يصبح الدكتور أهم شخص لديك، إن كان لك قضية في المحكمة وقتها سيصبح القاضي مهمًا لاحتياجك له، أيضًا المهن البسيطة المُرتبطة بالحِرف كالنجار والسباك وعامل النظافة فقد تحتاجه أكثر من أي شخص آخر، بل قد تجد شخصًا صاحب جاه في حاجة لهم، فقد احتاج ملك مصر لسيدنا يوسف لتفسير رؤياه وهو سجين، فلا يستصغر أحد مهنة شخص في يومٍ ما، فالكل سواء، الله خلق جميع الناس ليعبدوه ولتعمير الأرض.
والتعمير ليس فقط كما يظُن البعض بالزواج والإنجاب للحفاظ على البشرية من الانقراض! بل التعمير يأتي بأن يُكمّل بعضنا البعض، ولا يدري البعض بأنه في يوم ما قد يكون كل منا في مكان الآخر، أي لا يظن أحد أنه في يوم ما قد لا يحتاج لأحد، ولا يعتقد أحد بأنه مجرد انتهاء مصلحته مع أحد يركله زعمًا منه بأنه لن يحتاجه مرة أخرى! مصداقًا لقوله تعالى: "كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى"، فقد يكون الدكتور في يومٍ ما المريض والعكس، وقد يكون الجاني المجني عليه والعكس، كلٌ منّا يحتاج لجميع المهن إلى جانب مهنته! فالمهندس يحتاج لمن يبني له منزلًا! الدكتور قد يحتاج لمن يُعالجه، القاضي قد يحتاج لمن يُدافع عنه، وقد يقف أمام قاضٍ آخر ليس لتُهمة شخصية بل قد يكون في موقف المجني عليه.
فإذا كنت أنت صاحب منصب أو تمتلك موهبة فاعرف أنها في خدمة الغير، فالله لم يمنحها لشخصك، بل هي رزق ونعمة لك لاستغلالها في نفع البشرية، فإذا لم تُحسن استخدام تلك النعمة أصبحت نِقمة عليك وينزعها الله منك.