الحرب النفسية هي حرب العصر الحديث، وهي خطط مدروسة بدقة تستهدف التأثير على عواطف ومشاعر البشر؛ لتغيير اتجاهاتهم وسلوكياتهم وقناعاتهم؛ بهدف تفتيت الأمم، ونشر اليأس، وتحطيم الروح المعنوية.
وتمر الحرب النفسية بعدة مراحل تراتبية، ولا تنتقل من مرحلة إلى أخرى حتى يتم التأكد من نجاح المرحلة السابقة، وهي تتضمن أربع مراحل أساسية؛ المرحلة الأولى هي مرحلة بلبلة الأفكار، ثم تليها مرحلة الإخلال بالأمن، ثم تأتي مرحلة خلق عدم التماسك في الجسد القومي، وانتهاء بمرحلة تفتيت الوحدة الوطنية.
والحرب النفسية لا تستهدف قتل الأرواح، ولكنها تعمل على تحطيمها من الداخل، وهي لا تقل عن العمليات العسكرية الميدانية، وتأثيرها كان حاسمًا، في بعض الحروب والمعارك على مر التاريخ، بما لها من أثر كبير في بث الرعب في القلوب والعقول، وبالتالي قيادة الخصوم نحو الهزيمة والاستسلام بعد القضاء على روح المواجهة والمقاومة لديها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لما أوشكت أمريكا على الهزيمة في الحرب العالمية الثانية في أغسطس 1945، ألقت بقنبلتين نوويتين على هيروشيما وناجازاكي، ولما رأت الإمبراطورية اليابانية حجم الدمار الذي نتج عن تلك القنبلتين تحطمت نفسيًا واستسلمت.
وتمارس الصهيونية العالمية، وإسرائيل بالتحديد، الحرب النفسية بجميع أشكالها على فلسطين المحتلة والقدس الشريف، وخاصة نساء وأطفال غزة الحبيبة، لتجعلهم يعانون من الصدمات النفسية، التي من أعراضها الخوف، والعصبية، والتشنجات، والعدوانية، والتبول اللاإرادي، ولكن تفضل الله على أهل غزة الصامدين بالإيمان الراسخ والسكينة والمقاومة وعدم الاستسلام.
فمشاهد القتل والدماء والدمار تترك ذكريات صعبة لا يمكن أن تمحى بسهولة من ذاكرة الأجيال، وعلى مدار الزمن.
الحرب النفسية هي جزء رئيسي في الحروب، وإن اختلفت أشكالها بمرور الزمن والعصور.
وننتقل إلى تأثير تلك الحرب على المتابعين للأحداث الدامية والإبادة الجماعية والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني الهمجي، وانشغال المتابعين الدائم بمتابعة كل جديد تأتي به الكاميرات عبر القنوات الفضائية أو مقاطع الفيديو، فكل ذلك يهدف إلى انهيار قواهم النفسية، وشعورهم بالمعاناة، وتنتابهم حالة من البكاء والحزن والألم والحسرة والذعر، ويصابون بالقلق والتوتر وعدم النوم، ثم ينتابهم الشعور بالعجز وقلة الحيلة والكآبة.
وأقول لكل متابع لتلك المأساة: عليك سيدي أن تعمل وقفة مع نفسك، وتحاول أن تكون إيجابيًا وتقدم لأشقائنا الفلسطينيين الدعم المادي أو المعنوي أو النفسي أو المساعدات، وذلك عن طريق المؤسسات الشرعية المعلنة، وإن لم تستطع فعليك بالتقرب إلى الله بالدعاء لهم.
ولكن سيدي القارئ إذا واصلت المتابعة السلبية لتلك الأحداث لحظة بلحظة، فستجد نفسك دون أن تشعر قد أصبت بالاحتراق النفسي؛ لأن مشاهدتك لمظاهر العنف والقتل والتدمير ستدمر جهازك العصبي، وتولد لديك الأفكار السلبية، والحساسية المفرطة، والبكاء المستمر، والنوم المضطرب التي تدمرك داخليًا.
سيدي القارئ دعم نفسك بالإيمان، فالحرب النفسية لا تؤثر في المؤمن الحق، فالمؤمن إيمانًا كاملًا لا يخاف التهديد والوعيد والموت، وتذكر قول الله تعالى:
(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل)، صدق الله العظيم.
* استشاري علم النفس والإرشاد الأسري والتربية الخاصة