كانت القاعدة الحاكمة للأسعار مرتبطة بفكرة العرض والطلب؛ فكلما زاد العرض قل الطلب؛ ومن ثم قل الثمن؛ والعكس صحيح؛ إلا أن أزمة السكر كشفت عددًا من الحقائق المرتبطة بزيادة الأسعار.
والحقيقة الأولى؛ بينت بشكل واضح أن ارتفاع الأسعار لا علاقة له بمنظومة العرض والطلب؛ فقد سرت في الأسواق بعض المعلومات الخاصة بشح كمية السكر في الأسواق؛ وبالتالي نشأت أزمة السكر حتى ارتفع سكر الكيلو لأرقام فلكية؛ وتباينت أسعاره من منطقة لأخرى؛ والأمر بين أن التسعير يرجع لهوى التجار.
الحقيقة الثانية أن كل تاجر له مطلق الحرية في تسعير السكر وفق رؤيته وحده؛ حتى بعد أن نزلت للأسواق كميات كبيرة جدًا جدًا؛ مئات من الأطنان؛ تكفي الناس لفترة تجاوز الـ 6 أشهر على الأقل؛ ومع ذلك بعض المناطق ما زال سعر الكيلو فيها يجاوز الـ 60 جنيهًا؛ وهو رقم مغال فيه بشكل غير مقبول؛ لاسيما أن وزارة التموين عرضت سعر الكيلو بـ 27 جنيهًا. بل إنها هددت إن لم تنضبط الأسواق ستُفٌعل التسعيرة الجبرية.
ويبدو أننا في حاجة ماسة لها؛ بعد أن جن جنون التجار؛ وباتوا يتعاملون مع المستهلكين باعتبارهم أسرى تقديراتهم؛ وعليهم السمع والطاعة.
الفرق بين سعر طرح وزارة التموين؛ والأسعار المعلنة والتي يتم البيع بها كبيرة جدًا؛ وذلك يعنى أنه لابد من تطبيق سياسة التسعير الجبري على الفور.
الأمر الآخر المحير؛ هو أسعار السجائر؛ فالأسعار الرسمية لأحد الأنواع على سبيل المثال 40 جنيهًا؛ ويتم بيعه بـ 80 جنيهًا؛ أي أن الفرق في السعر يصل لـ 100%؛ وبكل تأكيد هو مكسب ضخم جدًا.
فدورة رأس المال لكي تكسب هذا المبلغ قد تستمر لمدة تقترب من العام؛ إلا مع السجائر فدورة رأس المال تقدر بيوم!
نعم يوم واحد دورة رأس المال تحقق 100% مكسب وهو مكسب غير منطقي؛ ويتم تحقيقه على مدار أشهر مضت؛ وما زال؛ دون وجود تفسير منطقي لتلك الأسعار؛ أما الأكثر غرابة فهو استمرار ذلك الحال دون تفسير يهدئ من روع المستهلكين!
ما يحدث في سوق السكر والسجائر كفيل بتبيان ما وصلنا إليه حفنة من التجار؛ تتحكم بالأسواق دون رقيب؛ يحسم الأمور ليعيدها إلى نصابها الصحيح.
ودون شك المسئولية تقع على الحكومة؛ فهي التي تملك السلطة وكذلك أدوات وآليات الضبط والمحاسبة؛ ودون تفعيلها؛ سيستمر الحال هكذا؛ حفنة تنهش في المواطنين؛ وهم في حيرة من أمرهم ويتساءلون من يضبط الأسواق ويعيد الأوضاع لنصابها الصحيح؟
أضف لما سبق سوق السيارات؛ السعر الرسمي لأي سيارة قد يكون مثلًا مليون جنيه؛ يتم بيعها بأزيد من سعرها المعلن بـ40% زيادة؛ تحت مسمى "الأوفر برايس"؛ وكأن "الأوفر برايس" وضع سليم ومقبول يجب التعامل به.
كلها أوضاع غريبة وعجيبة، ولا يوجد من يحاسب هؤلاء المستغلين؛ الذين يحققون أرباحًا خرافية على حساب الناس؛ ويومًا بعد يوم؛ تزداد الأمور سوءًا.
حتى وصلت العدوى لكل الأسواق تقريبًا؛ الخضراوات والفاكهة؛ وغيرها من السلع اليومية التى يتعامل عليها الناس؛ كل يوم هناك زيادة قد تكون طفيفة؛ ولكن بعد عدة أيام يجد الناس أن الزيادة لا تتوقف وتحولت من طفيفة لأقصى درجات التطرف.
الأمر يمكن قياسه على كل السلع تقريبًا دون استثناء؛ وقدرات الناس على التحمل قد خارت تمامًا؛ ولم يعد هناك بدائل يمكن لهم الاختيار بينها؛ حتى فكرة تقليل الاستهلاك؛ لم تعد تجدي على الإطلاق.
ولا يخفى على كثير من الناس؛ أن مبدأ الاستغناء الذي فُرض عليهم؛ لم يعد مقبولًا؛ خاصة وأن البديل هو الصيام!!
السكر والسجائر والسيارات أسواق مكشوفة للجميع مواطنين ومسئولين؛ ما يحدث فيهم وفي غيرهم؛ غريب وغير مفهوم.
وأخيرًا؛ بات الوضع حرجًا؛ يتطلب تدخلاً فوريًا لضبط الإيقاع؛ حفاظًا على الأمن الاجتماعي؛ فالناس تئن؛ وأنينهم على حق؛ ويسهل معالجة أوجاعهم بقليل من الضبط والربط؛ فمتى يحدث؟ وماذا ننتظر؟
،،، والله من وراء القصد
[email protected]