حقق باسم يوسف نجاحًا كبيرًا، وانتشارًا واسعًا في عرض القضية الفلسطينية بلغة ومفاهيم مختلفة عندما استضافه المذيع البريطاني بيرس مورجان في حلقة ببرنامجه، بدون رقابة Uncensored، تخطي عدد مشاهديها العشرين مليونًا، مما دعا مورجان للسفر إلى أمريكا وتسجيل حلقة أخرى وجهًا لوجه، حققت أيضًا أكثر من أحد عشر مليون مشاهدة.
على صعيد موازٍ، قدم أحمد الغندور، ومن خلال برنامجه واسع الانتشار "الدحيح" حلقة متميزة بعنوان "فلسطين.. حكاية أرض"، حققت خلال ستة أيام، وقت كتابة المقال، أكثر من اثنى عشر مليون مشاهدة.
المتميز في النموذجين أنهما خاطبا العقل الغربي؛ حيث تحدث باسم وبطلاقة بلغة إنجليزية يغلب عليها لكنة أمريكية مع مسحة سخرية لاذعة لا تفارقه، وعرض إحصاءات عن عدد الضحايا منذ بدء الصراع بين الجانبين؛ الإسرائيلي والفلسطيني، من مصادر أجنبية، توضح بما لا يدع مجالاً للشك، الفارق الهائل في آلة القتل والتدمير الإسرائيلية، وأبسط مثال على ذلك ما تقوم به حاليًا في كل فلسطين، وتخطي عدد الضحايا –حتى الآن- أكثر من خمسة عشر ألف قتيل، 40% منهم أطفال.
على جانب آخر، رافق حلقة أحمد الغندور ترجمة باللغة الإنجليزية، وكعادته استقى معلوماته من مصادر موثقة يحرص على ذكرها أسفل رابط كل حلقة لمن يرغب في المراجعة والتحقق. الفارق أنه في هذه الحلقة اعتمد مراجع إسرائيلية، وكأنه يقول (وشهد شاهد من أهلها)، شرح فيها بأسلوب بسيط شيق ممزوج بالسخرية خطة عَبرَنة (نسبة إلى العبرية) وتهويد المناطق الفلسطينية، بداية من طرد السكان الفلسطينيين من قراهم ومدنهم ثم استيطانها بيهود يجري استقدامهم من كافة بقاع الأرض.
يلي ذلك طمس الهوية العربية بتغيير أسماء المدن والقرى والشوارع، فصارت القدس "أورشليم"، وتل الربيع "تل أبيب"، وباتت عسقلان "أشكلون" والخليل "حيفرون"، كما ذكر عبدالحليم غزالي، في مقاله بجريدة الأهرام (حتى لا تصبح "لغتنا الدخيلة"). لتصبح الخرائط غير الخرائط، والتاريخ غير التاريخ.
في مشهد دال ومعبر في فيلم "هانا ك. Hana K."، للمخرج اليوناني"كوستا جافراس"، تسأل المحامية الإسرائيلية "هانا"، والتي قامت بدورها الممثلة الأمريكية "جيل كلايبورج"، جنديًا إسرائيليًا يقف عند نقطة عبور على الطريق، "أي طريق يؤدي إلى قرية كفر الرمان؟"، يهز الجندي كتفيه، ويعقب مشككًا في وجود قرية بهذا الاسم، فتعرض عليه خريطة قديمة دون عليها اسم القرية، فيعلق (لا توجد قرية بهذا الاسم، لكن هناك قرية تُدعى "كِفار ريمون").
من هذه النقطة تبدأ هانا رحلة بحث لا تكتشف فيها أحقية الشاب الفلسطيني سليم بكري -الذي قام بدوره الممثل محمد بكري، والذي اعتقلته القوات الإسرائيلية بتهمة الإرهاب بينما كان يحاول زيارة بيته المغتصب في القرية - بل تكتشف أن القرية بأكملها تمت سرقتها من سكانها الأصليين وطُمس اسمها العربي بآخر عبري، وأمام إيمان هانا بحق موكلها الفلسطيني تستمر في الدفاع عنه حتى مع تعرضها للعديد من التهديدات والضغوط كي تتراجع عن موقفها أو تتنحى عن الدفاع.
تُذكرني "هانا" بالشاب وينستون سميث الموظف بوزارة الحقيقة في رواية 1984 للكاتب الأيرلندي جورج أورويل (1903 – 1950)، حيث كان يتولى مراجعة التاريخ وإعادة كتابة الوثائق وتغيير الصور وذلك حسب ما يعلن عنه الحزب على أنَّه حقيقة، وخلال عمله يفاجَأ وينستون باكتشاف الماضي الحقيقي للدولة، وأمام شغفه بمعرفة الحقيقة يقرر كتابة مذكراته الشخصية وانتقاد الحزب الحاكم في الدولة والزعيم الأوحد، "الأخ الأكبر"، مُعرضًا نفسه لعقوبة الإعدام.
حفظ الله الوطن.