من قال إن زمن المعجزات قد انقضى، ها هي المعجزات نراها مجسدة أمامنا، بل تكاد تتكرر كل يوم في فلسطين، في حرب المقاومة ضد عدوها دفاعا عن المقدسات والوطن والأرض والعرض.
وإذا قلنا أن هذه المعجزات تترجم على يد بشر وهم المقاومون هناك، فإن هؤلاء البشر ينشأون ويخرجون ينطلقون من حاضنة، هي المرأة الفلسطينية التي تقف وراء وأمام وبجانب ومع كل معجزة تنبت هناك.
لا تمتلك الإمكانات، ولكن لديها اليقين والإرادة التي تتحقق بها معجزة هذا الزمن، فهذه المرأة قتل الصهاينة اسرتها فاحتسبت، وهدموا بيتها فامتثلت، وسلبوا حريتها فصبرت.. هي المرأة الفلسطينية، وهن "نسوة فلسطين" الطاقة الروحية والوجدانية للمقاومة الفلسطينية وروحها، واجهت حروبًا عدة، وانكسارات وشدة، على مدى يزيد على 70 عامًا، ولم تنكسر المقاومة، وحاضنتها المرأة، مازالت قوية.
لا تعلم شيئًا عن قذائف الياسين أو (الآر بي جيه)، لكن كلماتها قبل أن تنطلق هذه القذائف، كانت دائمًا الملهمة والدافعة، فقد ربت أولادها وأنشأت أبناءها على المقاومة.
العقائد السماوية وقفت معها، حيث الاسلام رحم المرأة فأسقط عنها الشهادة في الدماء والجنايات تقديرًا لرقة قلبها، ورعايةً لمشاعرها عند رؤية هذه الحوادث، كما أسقط عنها فريضة الجهاد، رأفة بها، كما رحم المرأة فجعل كفنها أكثر من كفن الرجل فتكفن في خمسة أثواب رعاية لحرمتها.
وخلال المواجهات والقصف لبيوت تلك النسوة، انفعالاتهن وإحاسيسهن، وكأنها واحدة، فقد ترجمت كلماتهن التالية ما يفوق الوصف والشرح والتفسير، كما رصدت ذلك عدسات الكاميرا..
قالت إحدى نساء غزة:
"ابني ليس أفضل من الشباب الفلسطيني الذي استشهد، الحمد لله الذي أكرمنا بهذه الشهادة، أطلق العدو على ابني الصاروخ فلقي ربه، لم يقدروا عليه أو على رفاقه، لم يواجهوهم وجهًا لوجه، ولم يقدروا عليهم بالمواجهة، غدروا بهم بالصاروخ.. الحمد لله الذي أكرمنا بارتقائه إلى السماء، فهو عريس في الجنة بإذن الله، باركولى كلكم بأنني والدة الشهيد، وابني ليس أفضل من أهل غزة، وهو قطعة واحدة وجسد واحد، لأنني أعزي من استشهد ابنها وجسده أجزاء وأشلاء".
طفلة "امرأة فلسطينية صغيرة"، مصابة تبحث عن شهيد، فبالرغم من إصابتها، بعد قصف منزل عائلتها في مخيم البريج وسط قطاع غزة تسأل: "وين أخويا"؟ ثم تقول: "أحمد يا حبيبي"..
وتحدثت امرأة سبعينية من بلدة "عزون" شمالي قلقيلية بالضفة الغربية، عندما سألها أحدهم، وهي تلملم نفسها وتنفض عنها غبار الركام، فقالت: "شو بدنا نقول.. دخلوا القوات ليلا في أعماق الليل داخل مخيم جنين، وأرهبوا الأطفال والشيوخ والنساء، المخيم أصبح ركامًا من الحجارة والأطفال، نحن أصحاب قضية ومشروع وطني، لايهمنا ما حدث، لو قطعوا شجرة سنزرع أخرى، ولو قتلوا طفلا سيولد ألف طفل، ولو هدموا منزلا سنبني عمارة، هؤلاء رجال سيبنون المستقبل.. بل تردد أشعار من بين الركام قائلة:
"ياظلام الليل خيم إنما السجن ظلاما... ليس بعد الظلام ليل إلا بدر يتسامى
رددي يا غزة لحنا عن شهيد في رباكي... واكتبي عن شهيد قد راح يحمي حماك
الى غزة وقد شدوا الرحال.. ولم يخشوا البنادق والنصال
إنا هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون".
أما والدة الأسيرة الفلسطينية شروق دويات، فقد أمسكت بصورة ابنتها داخل منزلها بالقدس، وسط المعركة بين الكيان الصهيوني وحركة المقاومة، تفخر بابنتها الأسيرة، كما سرد المستخدمون عبر الهاشتاج قصص شهيدات، وكانت من بينها قصة بيسان حلاسة، التي شاركتها صديقتها الفلسطينية نور نعيم، المحاضرة بجامعة جبزي التقنية التركية، وكتبت على صورتها "الدكتورة بيسان"، 19 عامًا، طالبة في السنة الثالثة من كلية الطب، وقالت: "كانت متميزة في جميع المجالات، تجيد اللغة الإنجليزية جيدًا، كانت تقول لى إنها الشخص الأكثر موهبة في إضاعة الوقت، ولكنها تغلبت على ذلك بسرعة، كانت تتخلص من التوتر من خلال الطبخ، وكانت تحب الخيول وتحب قراءة الكتب".
استكملت حكايتها عن صديقتها قائلة: "كانت تحلم بأن تمتلك منزلًا صغيرًا في مكان هادئ، محاط بالطبيعة والأشجار، تستيقظ كل يوم في وقت مبكر، تشرب الشاي، تخبز كعكة، تسقي الورود وتنظر إلى النجوم في الليل، مختتمة: "لذا، أهنئك أنك تمتلك هذا المنزل الآن في الجنة".. تم قتل بيسان بواسطة صاروخ صهيوني، أطفأ حياتها وحلمها".
وتضامنًا مع نسوة فلسطين، تعاطف العديد من نساء الغرب والولايات المتحدة، معهن، كالممثلة أنجيلينا جولي، وسوزان سارانون، فقد أوقفت وكالة المواهب في هوليوود، العمل مع الأخيرة بسبب تصريحات طالبت فيها بدعم الفلسطينيين في حرب غزة، وانتقدت الكيان، ونشرت اتهامات له بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب، بسبب القصف العنيف للقطاع.
وبالرغم من انتشار القتل والتدمير والفقد والموت وأشلاء الضحايا من الأطفال والنساء والكبار والصغار في كل مكان، لم تغضب من هن امرأة واحدة، ولم تنطق بكلمة ضد المقاومة، بل على العكس، كانت توجه لهذه المقاومة التحية والتأييد بالاستمرار حتى النصر، وكان قولهن: إن الاحتلال، وليس المقاومة، هو وراء كل هذا الخراب والتدمير..
تحية إلى نسوة فلسطين، بمناسبة "اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة"، الذي وافق أمس 25 نوفمبر..
[email protected]