الأسطورة هي حكاية من الخيال "تفوق" الواقع؛ وتحدى أطفال فلسطين كل خيال وبرعوا في تقديم أسطورة نابضة "بالحياة"، لم نسمع عنها في الحكايات بل رأيناها بأعيننا عبر الشاشات والفيديوهات على وسائل التواصل، وجسدوا بطولة من نوع فريد تجعل القلب "يطمئن" لمستقبل فلسطين وبقدر ما يبكي على ما تعرضوا له من اغتيال متعمد وممنهج لطفولتهم ولحقوقهم التي "يستحقونها" في حياة أفضل تليق بهم؛ فإن القلوب تفرح بهم "وتوقن" بأن الغد سيكون لهم "ويزيل" كل الأذى الذي تعرضوا له..
"تعلمت أن الشجاعة ليست انعدام الخوف؛ بل هي الانتصار عليه؛ الإنسان الشجاع ليس من لا يشعر بالخوف بل من يقهره"؛ هذا ما قاله نيلسون مانديلا، ويفعله أطفال فلسطين ليلًا ونهارًا، فيتحدون الخوف من القصف ومن التشريد ومن تحطيم بيوتهم فوق رؤوسهم وهم نيام أو وهم مستيقظون ويتحدون نقص الطعام والشراب والوقود والنوم في الخيام مع اشتداد البرد وقلوبهم وعقولهم "قبل" ألسنتهم تردد بقوة: لن نترك أرضنا؛ وكيف يفعلون وقد أرضعتهم أمهاتهم حب الوطن والتصدي للمحتلين بكل ما استطاعوا بدءًا من الحجر وحتى صاروخ "الياسين" نسبة إلى الشهيد أحمد ياسين الذي قالت ابنته السيدة فاطمة إنه كان يحب الأطفال ويحب قضاء أوقات معهم، ويقول إنهم الجيل الذي سيكبر ويشهد النصر.
وصدق؛ فأطفال الحجارة كبروا وكانت فلسطين دومًا في عقولهم وقلوبهم، وكذلك كل الشهداء صغارًا وكبارًا رجالًا ونساءً رافقوهم في أعمارهم وتفوقوا على أنفسهم وحفروا الأنفاق وصنعوا الصواريخ والأسلحة بإمكانات متواضعة وأطلقوا عليها أسماء القادة الشهداء.
رأينا طفلة تبكي شقيقها الذي استشهد وتواسي شقيقها الآخر الذي يبكي وتقول له "بثبات" مذهل وهي تحتضنه: لا تبك لقد ذهب لوالدنا الشهيد وتطالبه بالدعاء له، وطفل من غزة يفرح بالمطر ويجمع المياه في وعاء بلاستيك ويقول: الله يعرف أننا نحتاج للمياه فأرسل لنا المطر.
يكتب أطفال غزة أسماءهم على أيديهم، حتى يسهل التعرف عليهم إذا قتلوا في الغارات الإسرائيلية، ويحتضن طفل مصاب أخته المصابة ويخفف عنها بعد قصف منزلهم في خانيونس في قطاع غزة.
شاهدنا طفلًا فلسطينيًا نزع علم "إسرائيل" من يد مستوطن في القدس وألقى به على الأرض في شجاعة رائعة، ورأينا الأطفال ينامون في الملاجئ ويتعرضون للأخطار خاصة مع البرد والأمطار وقلة الغذاء وتناقص مياه الشرب وكل مقومات الحياة، ومع ذلك يتحدون ذلك بالصمود.
نتوقف مع طفل من طولكرم في التاسعة من العمر تحدث كرجل في الثلاثين وقال للعدو الصهيوني: "شو بدك تطلعنا من دارنا؛ موش ح تاخدها منا أبدًا، موش ح تطلعنا عمرنا ما ح نطلع، هادي أرضنا وعرضنا ودارنا، شو ما بدك تعمل اعمل، ح تجيب جرافات وماكينات شو ما بدك اعمل ربنا معنا ما دام ربنا حامينا معانا مفيش شيء بيهزمنا.
قالت له المذيعة: الجيش يهدد بدخول المخيم؛ رد: "عادي يدخل ويدخل؛ إذا خسرنا شهداء بييجي بعدهم، سنظل نقاوم ونكسر خشمهم، فجروا السيارات قلبوا السيارات قلبوا الدنيا صغار استشهدوا شباب استشهدوا كله فداء لأرضنا، قصفوا الدار عادي كله فدا فلسطين".
احتفل أطفال العالم باليوم العالمي للطفل في 20 نوفمبر، بينما كان أطفال غزة يعرضون إلى حملة إبادة، فنجدهم ما بين شهيد وجريح ومعتقل ومفقود ومعتقل ووصل القتل حتى للأطفال الخدج.
في ساحة مستشفى الشفاء التي تعرضت للقصف العنيف المتواصل؛ رسم الأطفال علم فلسطين والمسجد الأقصى، وقالت طفلة وهي تنظر "بيقين": نرسم علمنا في وجه الاحتلال وسوف تتحرر فلسطين رغما عنهم.
"هيا" طفلة فلسطينية عثروا على وصيتها التي أوصت فيها بتوزيع نقودها وألعابها وملابسها وأحذيتها، وطفل فلسطيني يلقن شقيقه الصغير الشهادة وهو يحتضر بمستشفى، لأنه يعرف أهمية الشهادة رغم صغر عمره "وعظيم" إيمانه.
الله أكبر ظل يرددها بيقين صادق طفل كان يرقد بمستفى وجسمه متصل بأجهزة طبية، كان متعبًا جدًا ولم ينس الدعاء لأهله بغزة بالنصر على عدوهم، وحمل طفل في حقيبة مدرسته أشلاء شقيقه بعد مجزرة صهيونية!!
في اليوم العالمي للطفل أذاعت الإذاعة الصهيونية أغنية لأطفال الصهاينة يتراوح أعمارهم بين السادسة والثانية عشرة يغنون: "سنبيدهم جميعًا في غزة ونعود آمنين" احتفالًا بمجازر العدو في غزة وأذاعته عبر منصة إكس، واضطر العدو لحذفه للغضب الشديد منه في وسائل التواصل الاجتماعي في كل العالم.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن القصف الإسرائيلي أكثر الحملات كثافة في القرن العشرين وحذرت الأمم المتحدة من تحول غزة إلى مقبرة لآلاف الأطفال، وأن عدد الأطفال الذين قتلوا خلال أسابيع ستة أكبر بكثير من عدد الأطفال الذين قتلوا في مناطق الصراع التي تبلغ 22 في أربع سنوات في العالم كله.
أجرى برنامج كاميرا خفية لقاءات مع أطفال غزة يسألهم مقدم البرنامج عدة أسئلة عادية وكأنه سيقبلهم في مخيم جديد، ثم يسأل فجأة هل توجد مواقع عسكرية بجوارك أم لا؟! جاءت الإجابات كلها مستنكرة السؤال بقوة، وبعضها كان مصحوبا بنظرات غاضبة، وأخرى تفيض بالاحتقار وهتف طفل: هل تريد أن أصبح عميلًا؟
وأخر اتهم المذيع أنه "أهبل" أو يعتقد أن الطفل كذلك، المثير للإعجاب الوعي واليقظة والرفض التام لكل الأطفال بالإفصاح عن أي موقع عسكري، ولو حتى من باب "التباهي" بمعرفته ونظرات الشك ومقاطعة المذيع بكلمات "قاطعة" وحاسمة ترفض السؤال وتراه مرفوضًا لا يقبل النقاش حوله.
وصدق القائل: لا يمكنك هزيمة شعب يعلم أن الموت ليس النهاية، ونضيف يوقن بالنصر ويخطط لصناعته بعد الاستعانة بالرحمن بالطبع.