شهدت القاهرة هذا الشهر ختام مشروع رائد لم تشهده مصر من قبل، وهو منحة الاتحاد الأوروبى الإيطالية ER2FOOD ( تشبيك نحو قطاع خبز فعال ومبتكر ومستدام)، بالاشتراك مع عدد من بيوت الخبرة الدولية، واتحاد الصناعات المصرى، وغرفة الصناعات الغذائية المصرية، والتى عنيت بتطوير واستدامة صناعة الخبز والمخبوزات المصرية بمختلف أنواعها، من مستوى المخابز البلدية وصولاً إلى مصانع الحلويات، تم تدشين المشروع فى سبتمبر 2021 الماضى، وعلى مدار 27 شهرا عمر المشروع كان الإنجاز الرائد فى إعادة تبويب وتنظيم الوحدات المستهدفة على عدة مسارات، كان نتيجتها بين 30 و 70 بالمائة توفيراً فى الطاقة والمستلزمات والمخرجات، بما عاد بالنفع المادى والوفر الاقتصادى لصالح الوحدات المستهدفة مع رفع نسب الاستدامة للمشروعات.
موضوعات مقترحة
تقدم للمنحة 28 مشروعاً خاصاً فى مجال المخابز وصناعة المخبوزات، حيث كان الإعلان عن طريق المعارف الشخصية بالنسبة للمشروعات متناهية الصغر، مروراً بوسائل التواصل الرسمية والرسائل الإلكترونية للمشروعات المتوسطة والكبيرة، وقد انطبقت الشروط على ثمانية مشروعات، فاز منها سبعة من محافظة الفيوم وواحد من القاهرة، وعلى مدار 27 شهراً كان التطبيق الناجح الذى وصلت نتائجه إلى تغيير جذرى فى الإدارة وتنظيم المشروعات، بالإضافة إلى النجاح فى الحد من إهدار الطاقة الداخلة فى مكونات المشروع حتى استغلال الطاقة الحرارية الناتجة من أفران الخبيز ووحدات التصنيع، مما حدا بالجانب المصرى لتجهيز ملف جديد للتفاهمات للتوسع بعمل مرحلة ثانية للمشروع.
سر النجاح
يكمن سر نجاح الفكرة فى الوصول لتفاصيل المشروعات الداخلية خاصة مع المخابز البلدية، والتى يبلغ تعدادها نحو 18 ألف فرن بلدى للخبز المدعم والسياحى فى طول مصر وعرضها، وعلى بساطة فكر معظم أصحاب المخابز البلدية كانت صعوبة إقناع المستهدفين بجدوى الفكرة، خاصة أن ظن معظم أصحاب هذه المشروعات يميل نحو الخوف من الملاحقة الضريبية والحسد، وكأن ما يفعلونه سر حربى، إلى أن وصل الأمر إلى التنفيذ مع منحة وصلت إلى 16 ألف يورو لكل مشروع بنسبة تعادل 70 بالمائة من قيمة الأعمال، على أن يقوم صاحب المشروع بتمويل نسبة الثلاثين بالمائة من التعديلات المقترحة، وكانت النتائج النهائية التى فاقت التوقعات.
بيت النار
أصحاب المخابز البلدية تم معهم وفر تراوح بين 30 بالمائة إلى 50 بالمائة، حيث تم تغيير بيت النار الخاص بالتسوية بأصغر مع تبطين الداخل بالطوب الحرارى العازل – الذى حسّن من طعم الخبز بنكهته التقليدية المعروفة من المخابز القديمة قبل الميكنة - بالإضافة إلى الجسم المعدنى الخارجى، الذى تم تعديله بأبواب معدنية لداخل وخارج بيت النار للسيطرة على التسريب الحرارى للخارج، والذى يؤثر على العامل المشرف، مع تركيز الحرارة بالداخل، مما أدى إلى نزول زمن تسخين الفرن للخبيز من 3 ساعات إلى ساعة وثلث، مع تغيير ولاعة الفرن بوحدة أضيق وأكثر تركيزاً وفرتا فى استهلاك السولار بقيمة الثلث، مع عزل المدخنة الخاصة ببيت النار من بدايتها لنهايتها، مما ساعد أيضاً على تقليل الفاقد الحرارى، وقد تم تعديل آخر بإضافة مواسير نحاسية تمر من خلال بيت النار لتسخين المياه المطلوبة لعملية العجين، مع إضافة خزان ستانلس ضخم يسع الماء الساخن المطلوب للمعاملات اليومية، تم معه التخلص من السخان الكهربى وفاتورة كهرباء ناتجة عنه، و بتغيير العجانة بواحدة ذات حلة أكبر بمرة ونصف إلى مرتين، تم اختصار زمن تجهيز العجين لما يقارب نصف الوقت، و بتغيير موتور سير الفرن بآخر متعدد السرعات، ساعد على تعديد أصناف الخبز المختلفة من نفس بيت النار حسب السرعة والتعرض للحرارة بالتسوية.
صوانى وصيجان
أما عن المخابز الإفرنجية التى تنتج الخبز الفينو وباقى المخبوزات المتعارف عليها من نواشف إلى حلويات شرقية وغربية، والتى تعمل بأفران غاز رأسية من غرفة واحدة سواء بأرفف ثابتة ذات صوانى وصيجان، أو ذات الوحدة الدوارة بالكهرباء، فقد تم التعامل مع الوحدات بنفس الفعالية، من حيث تغيير الأفران بأخرى حديثة اختزلت زمن التسخين للخبيز من ساعة وثلث إلى نحو نصف الساعة، وبحسب التعامل مع أصناف أعلى من الفرن الرأسى قام بعض المستهدفين بتركيب أفران تحتوى على وحدات للتخلص من بخار الماء الناتج من الخبيز وتبريده وتكثيفه لاستخدامه مرة أخرى بداخل غرفة الفرن فى التنظيف الذاتى أو ضخ بخار لبعض أصناف المخبوزات أثناء عملية الخبيز، بما وفر نحو ثلث الطاقة المستخدمة من الغاز الطبيعى والكهرباء بالتبعية، مع تغيير العجانة بأكبر وماكينة التقطيع للعجين، ليصل الوفر لأكثر من 50 بالمائة.
الحظ الأوفر
نموذج مصانع المخبوزات كان له الحظ الأوفر من الوفر فى المشروع، حيث وصلت نسبة الوفر لسبعين بالمائة من المصروفات وإجراءات التشغيل، حيث تم التعامل مع برنامج حاسوبى دقيق حسن من نسب التصنيع والكميات المطلوبة للسوق، مع تقليص الفاقد من الخامات الأولية لنسبة تكاد تكون صفرية، مع تغيير وحدات الإضاءة بالمصنع لنظام الليد، مما وفر 60 بالمائة من فاتورة الكهرباء، و بإضافة أنظمة الذكاء الإصطناعى على الخدمات اللوجيستية كنظام الجى.بى.إس. للنقل فى توزيع المنتج النهائى للعملاء، و نقل العمال و الخامات الأولية، تم تقليص نسب الفاقد فى الوقت والطاقة والإنتاج.
إن فريق العمل القائم على هذا المشروع بخبراته السابقة الغزيرة فى مجال التخصص كان له بالغ الأثر فى الوصول لهذه النتائج المبهرة والواعدة فى حالة التوسع فى التطبيق لكل قطاع، كان على رأس فريق العمل من مصر ا.د. كمال غلاب الأستاذ المتفرغ بجامعة الفيوم منسق عام منحة ومشروع ER2FOOD ومدير نادى جامعة الفيوم لريادة الأعمال، والذى قام بجهد كبير لإرساء قواعد الفكرة والإقناع بها لدى المستهدفين من أصحاب الأعمال ورائدى الأعمال الجدد من الشباب الواعد، بمساهمة داعمة جادة من اتحاد الصناعات المصرى ممثلاً فى الدكتور شريف الجبلى والسيد أحمد كمال المسئول عن مكتب الالتزام البيئى، بمعاونة شديدة الالتزام من غرفة الصناعات الغذائية المصرية ممثلة فى د. ريهام غازى مدير إدارة التدريب وإدارة الأعمال بالغرفة، بالإضافة إلى عدد من المكاتب الدولية التى قامت بتفعيل الاتفاقية والإشراف على تنفيذها، وعلى رأسهم د. دينا منصور استشارى المشروع للتنمية الاقتصادية عن الجانب المصرى، ود. سحر عبد الله الاستشارى البيئى عن المكتب الإيطالى.
التجربة الرائدة التى تحققت لصالح مصر بجهد مخلص وآليات محترمة، أدى إلى نتائج مهمة سيكون لها عظيم الأثر فى تعظيم الناتج القومى فى قطاع حيوى لا ينضب، بالإضافة إلى النتائج الرئيسية الأخرى بدءاً من ترشيد استخدام الطاقة المستخدمة فى هذا القطاع من كهرباء وغاز وسولار، مروراً بخفض درجات الحرارة بالسيطرة على التسرب الناتج من الأفران من خلال هذه الصناعة، وأيضاً ترويض الطاقة الناتجة بإعادة تدويرها فى أنشطة أخرى مثل تسخين المياه أو تحلية مياه البحر حسب الحالة أو المحافظة، وأخيراً وليس آخراً الحد من الفاقد من الخامات الأولية وعلى رأسها الدقيق، والحد من الهالك من الخبز والمخبوزات عن طريق إحكام الرقابة على المنتج النهائى وجودته فى ظل الشكل العام العالمى الجديد، نأمل أن تحوز الفكرة على اهتمام وزارة التموين للسيطرة بشكل عملى على سوق الخبز المصرية.