- نقطة ضوء للخروج من الأزمة الاقتصادية والحد من الآثار العالمية الراهنة
موضوعات مقترحة
- التجمع يعد من أهم التكتلات الاقتصادية في العالم ويساهم بثلث إنتاج العالم من الحبوب
- المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي ودعم قيمة الجنيه المصري زيادة الاستثمار الأجنبي الوارد لمصر وتبادل المعرفة والخبرات والكفاءات أهم المكاسب
بريكس هو تجمع اقتصادى عالمى تم إطلاقه فى عام 2009، وكان مكوناً من أربع دول هى البرازيل وروسيا والهند والصين، حتى انضمت إليه جنوب إفريقيا عام 2010، وبذلك يضم التجمع اقتصادت من أربع قارات هى (آسيا، أمريكا الجنوبية، أوروبا، إفريقيا) تتسم باقتصاداتها الضخمة، ومعدلات نموها السريعة، وتنوع هياكلها الإنتاجية، غير أنها متباينة من حيث الأداء الاقتصادى، والتراث الثقافى والتاريخى، والاتجاهات الجيوسياسية والديموغرافية، وحجم ونوعية الموارد المتاحة.
ويسعى تجمع "بريكس" إلى التخلص من سياسة القطب الأحادى، وتشكيل تعددية سياسية فى النظام الدولى، وتكوين آليات تمويل مستقلة، وذلك بجانب تعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى والاستثمارى بين الدول الأعضاء، وتنسيق المواقف فى القضايا الإقليمية والعالمية، وتعزيز دوره فى صنع القرار العالمى، وتحقيق التنمية المستدامة.
وقد قامت "الأهرم الزراعى" بإجراء هذا الحوار مع الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة – جامعة القاهرة، للوقوف على المكاسب المأمولة والتحديات المرتقبة، والاستعدادات الواجبة على الحكومة المصرية اتخاذها للحد من التحديات والمخاوف التى قد تقف عقبة أمام تحقيقها للمكاسب المنشودة من انضمامها لتجمع "بريكس"؟
- ماهى الأسباب التى أدت إلى إبداء مصر رغبتها فى الانضمام لمجموعة "بريكس"؟
تعرض الاقتصاد المصرى (على غرار غيره من دول العالم) لصدمات متتالية وأوضاع مضطربة بداية من جائحة كوفيد-19 وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية (والتى مازالت دول العالم تسعى للتغلب على تداعياتها)، وصولاً إلى تبعات الحرب الروسية ـ الأوكرانية بتداعياتها العنيفة على مختلف القطاعات الاقتصادية، والتى أثرت بالسلب على مكتسبات برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى انتهجته مصر على مدار السنوات الأخيرة.
وأشار لقد تسببت تلك الأوضاع فى حدوث تداعيات خطيرة على الاقتصاد المصرى، تمثل أهمها فى تقلبات ونقص الإمدادات من السلع الأساسية وأهمها القمح والوقود، وارتفاع أسعارها، وارتفاع معدلات التضخم، ونقص الاحتياطى من النقد الأجنبى، وتراجع قيمة الجنيه المصرى أمام العملات الأخرى، وارتفاع فاتورة الواردات، وارتفاع حجم الدين العام، وذلك بجانب تباطؤ النمو الاقتصادى.
وأضاف فى ظل وجود تلك التداعيات جاء إعلان المؤتمر الخامس عشر لتجمع "بريكس" (الذى عقد خلال الفترة 22 ـ 24 / 8 / 2023) عن قرار الموافقة على انضمام مصر كعضو كامل العضوية (بجانب كل من السعودية، والإمارات، وإيران، والأرجنتين، وإثيوبيا) فى التجمع اعتباراً من أول يناير 2024 بمثابة نقطة ضوء، تلقاها المصريون بترحيب وكثير من التفاؤل للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، والحد من الآثار والتقلبات الاقتصادية العالمية الراهنة والمرتقبة على مصر.
- ماذا يعنى تجمع "بريكس"؟
يعد تجمع "بريكس" من أهم التكتلات الاقتصادية فى العالم، نظراً للثقل الاقتصادى لأعضائه من الدول، فى ظل ما تتمتع به من إمكانات بشرية، وصناعية ، وزراعية، وتكنولوجية، وثروات طبيعية، مما أهلها لأن تستحوذ على حصة كبيرة من الاقتصاد العالمى، حيث ساهمت دول التجمع عام 2022 بنسبة % 42 من إجمالى سكان العالم، وبنسبة % 26 من إجمالى الناتج العالمى، ومن المتوقع أن ترتفع هذه المساهمة إلى % 46، % 29 من الإجمالى العالمى، وعلى الترتيب وفقاً لبيانات البنك الدولى، كما تستحوذ دول التجمع على قرابة 18% من إجمالى الاستثمارات الأجنبية عالمياً، وشكلت صادراتها عام 2021 نحو20 % من حجم الصادرات العالمية، بينما ساهمت وارداتها فى ذات العام بما يقرب من 17% من حجم الواردات العالمية، كما أنها تساهم بنحو ثلث إنتاج العالم من الحبوب.
- وماهى المكاسب المأمول تحقيقها لمصر نتيجة للانضمام لتجمع "بريكس"؟
يعد انضمام مصر لتجمع "بريكس" إشارة إلى متانة العلاقات الاقتصادية والسياسية الجيدة بين مصر ودول التجمع، واعتراف ضمنى بمكانتها الاقتصادية والجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فضلاً عن أنه بمثابة شهادة ثقة على قدرة الاقتصاد المصرى على تجاوز التداعيات العالمية الراهنة.
وتابع من المأمول أن تحقق مصر مكاسب ومزايا اقتصادية عديدة على المدى القصير والمتوسط من جراء عضويتها بالتجمع، وإن كان ذلك يتوقف على حجم ونوعية المزايا والفرص التى يمكن أن يقدمها التجمع لمصر، وعلى مدى قدرة مصر على الاستغلال الكفء لتلك الفرص، والتغلب على ما قد يواجهها من تحديات ومخاطر فى سبيل ذلك، ومن هذه المزايا:
• ارتفاع حجم التبادل التجارى بين مصر ودول التجمع
حيث إن تنوع الهيكل الإنتاجى السلعى لدول "بريكس" يتيح لمصر فرصاً كبيرة للتجارة البينية وتكامل سلاسل التوريد والإنتاج بينهم، موضحاً ومع كبر السوق الاستهلاكية لدول التجمع يسهل لمصر النفاذ والترويج لصادراتها (وخاصة الزراعية منها) لتلك الأسواق، حيث احتلت السوق الهندية الوجهة الأولى للسلع المصرية ضمن دول تجمع "بريكس" عام 2022، تليها الصين بقيم قدرها 1.9 ، 1.8 مليار دولار على التوالى، مضيفاً: ومن المزايا التجارية العديدة الأخرى التى يمكن أن يقدمها تجمع "بريكس" لمصر تطوير التجارة الإلكترونية بين الأعضاء، والوصول إلى أسواق جديدة عن طريق الروابط المؤسسية بين دول التجمع والتكتلات الدولية الأخرى، وفى المقابل فإن تجمع "بريكس" يمكنه الاستفادة من وجود مصر استغلالاً لموقعها الجغرافى، وما تمتلكه من مقومات عديدة بما يجعلها بوابة لإفريقيا لنفاذ السلع والخدمات من دول التجمع للأسواق الإفريقية والعكس، حيث تعد مصر السوق الثالثة إفريقياً لمنتجات دول التجمع، والتاسعة إفريقيا من حيث التصدير إليها.
• المساهمة فى تحقيق الأمن الغذائى
إن استحواذ دول تجمع "بريكس" على حصة كبيرة فى إنتاج وتجارة السلع الغذائية عالمياً من شأنه إتاحة المزيد من الفرص لتأمين احتياجات مصر من السلع الغذائية وأهمها الحبوب، نظراً لأن مصر تعتبر مستورداً صافياً للغذاء، وتعتمد على استيراد الجانب الأكبر منه من دول التجمع وخاصة روسيا.
• تخفيف الضغط على النقد الأجنبى ودعم قيمة الجنيه المصرى
إن استهداف تجمع "بريكس" تقليل المعاملات البينية بالدولار الأمريكى، والتوسع فى استخدام العملات الوطنية فى التبادل التجارى بين أعضائه (تمهيداً لإصدار عملة موحدة منافسة للدولار)، وفى ضوء ما تعانيه مصر من فجوة تمويلية، يمكن أن يعود بالنفع على مصر، حيث من الممكن أن تساعد تطبيق هذه الآلية فى الحد من أزمة النقد الأجنبى الحالية، وتقليل الفجوة التمويلية، ودعم قيمة الجنيه المصرى فى العلاقات التجارية، ومن ثم تخفيف الضغط على الموازنة العامة للدولة .
• زيادة الاستثمار الأجنبى الوارد لمصر
تشير التوقعات أن تشهد مصر مزيداً من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول التجمع، وذلك فى ظل ما شهدته تلك الاستثمارات -رغم محدوديتها - من زيادة خلال العامين الماضيين، حيث ارتفعت الاستثمارات بمقدار % 45.9 خلال عام 21 / 2022 مقارنة بالعام السابق له، وقد وصلت إلى 891.2 مقابل 610.9 مليون دولار )وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء)، وجاءت الصين فى المركز الأول، تليها الهند، ثم جنوب إفريقيا من حيث حجم الاستثمارات فى مصر، متابعاً: وقد يساعد الترويج للإصلاحات الاقتصادية والاستثمارية التى اتخذتها الحكومة المصرية فى الآونة الأخيرة فى جذب المزيد من الاستثمارات فى مجالات وقطاعات تنموية وحيوية هامة، وخاصة قطاعات الصناعة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات، وذلك بالتركيز على مشروعات الرقمنة، والمشروعات الخضراء، والطاقة المتجددة والتقنيات المتقدمة، وهى القطاعات ذات الأولوية فى المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الهيكلى الذى تتبناه الحكومة المصرية حالياً.
• توفير فرص تمويلية جديدة
إن عضوية مصر فى بنك التنمية التابع لتجمع "بريكس" (الذى تم تأسيسه عام 2015 وانضمت مصر إليه عام 2021) قد يتيح مزيداً من الفرص لحصولها على تمويلات ميسرة للمشروعات التنموية ومسارات التحول الأخضر (تجنباً للشروط المشددة لمؤسسات الإقراض الأخرى كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى) على نحو يدعم توجهها نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتسريع وتيرة التعافى الاقتصادى.
• تكريس تبادل المعرفة والخبرات والكفاءات
كما سيتيح وجود مصر بتجمع "بريكس" الاستفادة من الممارسات الرائدة لدول التجمع فى مجالات: التصنيع والطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات، وغيرها من المجالات الحيوية التى تحتل أولوية فى رؤية مصر 2030.
وتابع بجانب المكاسب الاقتصادية المأمولة سالفة الذكر يمكن أن يحقق انضمام مصر لتجمع "بريكس" العديد من المنافع الأخرى على كل من المستوى الجيوسياسى والإفريقى والعربى، مضيفاً: فعلى المستوى الجيوسياسى من المتوقع أن يؤدى انضمام مصر للتجمع إلى تعزيز دورها ونفوذها السياسى على الساحة الإقليمية والعالمية، حيث يمكنها المشاركة فى مناقشات ومفاوضات حول قضايا دولية مهمة، وكذا تعزيز قدرتها على تشكيل تحالفات إقليمية ودولية مما يعزز من مكانتها وتأثيرها فى المنطقة، وعلى المستوى الإفريقى قد يفتح انضمام كل من مصر وإثيوبيا - مع وجود جنوب إفريقيا - إلى تجمع "بريكس" الباب أمام حدوث تفاهمات وخلخلة للقضايا الخلافية فى قضية سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، وعلى المستوى العربى يمكن أن يشكل انضمام كل من مصر والسعودية والإمارات إلى التجمع دعماً كبيراً فى مجال التعاون الاقتصادى العربى – العربى.
- بعد ما تم ذكره من مكاسب اقتصادية وسياسية من انضمام مصر لتجمع "بريكس" هل هناك تحديات مرتقبة؟
نعم..رغم ما يبدو من أن انضمام مصر لتجمع "بريكس" سيفتح لها آفاقاً اقتصادية وسياسية عديدة، فإن تحقيق ذلك قد يواجه بالعديد من التحديات والمخاوف التى يتعلق بعضها بالتجمع ذاته، والبعض الآخر بمصر، وأهمها فيما يتعلق بتجمع "بريكس" هى صعوبة إصدار التجمع لعملة موحدة كبديل للدولار وللعملات المحلية فى التعاملات التجارية على غرار عملة اليورو (العملة الرسمية لنحو عشرين دولة من أصل 27 دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى(، نظراً للصعوبات والمتطلبات الاقتصادية العديدة التى يتطلبها إصدار مثل هذه العملة.
وتابع: هناك تخوف أيضاً من احتمالات تنامى مساحة التوتر والعداء الجيوسياسى بين دول "بريكس" والقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، الأمر الذى قد يحمل آثاراً سلبية على فرص تعزيز العوائد الاقتصادية المنشودة من تجمع "بريكس" على مستوى كل من العضوية والنشاط، وقد يقوض اتساع نطاق التناقضات الداخلية بين دول تجمع "بريكس" من طموحه وأهدافه وقدراته بشأن تكوين قوة اقتصادية دولية قادرة على المنافسة.
وأضاف أما فيما يتعلق بمصر فقد يكون من الصعب مواءمة مصر لسياساتها الاقتصادية والتجارية وهياكلها الإنتاجية، مع متطلبات مثيلتها بدول تجمع "بريكس" – وعلى سبيل المثال صعوبة التكيف بسهولة مع أنظمة وقواعد التجارة الخارجية والاستثمار المعتمدة بدول التجمع، متابعاً: كما قد تواجه مصر بعض أشكال المقاومة من أصحاب المصلحة من جراء ما قد ينشأ من تبعات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، إذا ما حاولت التوافق وتحقيق التوازن بين المتطلبات الاقتصادية للطرفين، كاشفاً عن جود مخاوف من تزايد الاقتراض من بنك التنمية التابع للتجمع، ومن ثم زيادة عبء الديون الخارجية التى يعانى منها الاقتصاد المصرى.
وأردف: إن الخلل الراهن فى ميزان مصر التجارى مع دول التجمع يجعل من التبادل التجارى بالعملات المحلية فيما بينهم أمراً غير واقعى، إذ أن مصر لا تصدر ما يضمن لها إيراداً كافياً من عملات دول "بريكس" لتغطية ما تحتاجه للاستيراد منهم، مفسراً حيث تصدر مصر لدول المجموعة بنحو 4.9 مليار دولار، وتستورد بنحو 26.4 مليار دولار (وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء)، ما يسجل عجزاً قدره 21.5 مليار دولار فى الميزان التجارى لمصر مع دول التجمع.
وتابع كذلك محدودية فرص مصر من الحصول على تمويل كافٍ من بنك التنمية التابع للتجمع للخروج من أزمة الديون التى تشهدها، نظراً لمحدودية رأسمال البنك مقارنة بالمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى، مضيفاً: كما قد يحول استمرار وجود الأزمات والمشاكل التى يعانى منها الاقتصاد المصرى (خاصة مايتعلق منها بتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد) دون القدرة على النهوض بالإنتاج والصادرات السلعية (وفقاً لمتطلبات التجمع)، مما يعرضها للمنافسة الحادة بأسواق تلك الدول، أو تعرض الأسواق المصرية للإغراق، وخاصة من منتجات الدول الصناعية فى التجمع، مما قد يؤثر بالسلب على الصناعة الوطنية، هذا إلى بالإضافة إلى أن تحويل مسار البوصلة المصرية شرقاً قد يسفر عن تداعيات سياسية واقتصادية يصعب التكهن بها، منها ضغط صندوق النقد الدولى على بعض المؤسسات المالية الدولية للامتناع عن منح تمويلات إضافية لمصر.
- وماهى الاستعدادات الواجب على مصر اتخاذها لمواجهة تلك التحديات؟
إن تحقيق مصر للمكاسب المأمولة من انضمامها إلى تجمع "بريكس"، ومواجهتها للتحديات المرتقبة فى سبيل تحقيقها لتلك المكاسب يتطلب من مصر الاستعداد الجيد والمسبق لذلك، موضحاً وقد بدأت الحكومة المصرية بالفعل أولى خطوات هذا الاستعداد، بإعلان مجلس الوزراء خلال أغسطس 2023عن إنشاء وحدة خاصة لـ "بريكس" بالمجلس، تعنى بملفات التعاون مع التجمع، وتضم فى عضويتها الوزراء والمسئولين المعنيين، الأمر الذى يتطلب من الجهات المعنية تحديد السُبل والآليات والسياسات الواجب اتخاذها استعداداً للانضمام الرسمى لهذا التجمع مع بداية عام 2024 .