بات الدمار وقتل الأطفال وقصف المنازل والمستشفيات هو المشهد اليومي لقطاع غزة لليوم الـ46 على التوالي منذ أن شن الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني الأعزل، وكثف الاحتلال القصف خلال هذه الأيام لإخافة السكان وإجبارهم على النزوح للجنوب الذي لم يسلم من القصف أيضا، فإسرائيل تصر على إخراج السكان بحجة القضاء على حماس، ولكن هدفها هو تصفية الأراضي الفلسطينية المحتلة من أصحاب الأرض وسكانها، وإجبارهم على تركها بتخييرهم بين الموت تحت القصف أو النزوح للخارج.
موضوعات مقترحة
ويهدف الكيان الإسرائيلي، إلى تحقيق مخطط التهجير القسري للفلسطينيين، والذي نادت به في أعقاب العدوان الغاشم على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، بدعوة سكان غزة إلى التوجه نحو الأراضي المصرية وتوطينهم في سيناء، ورغم التصريحات الإسرائيلية التي تراجعت عن الدعوة للمخطط، إلا أن تصريحات هذا الكيان لا يمكن أن يتم التعويل عليها، فخطر تمرير السيناريو لا يزال قائما، فالقصف العنيف وهدم المنازل وتهجير الآلاف إلى الجنوب،وإخلاء القطاع من سكانه يمثل جزءا من مخطط إسرائيلي لإزاحة سكان القطاع نحو الأراضي المصرية.
وأعلنت مصر أكثر من مرة رفض فكرة تهجير الفلسطينيين وأبلغتها بشكل علني لكافة الدول، وأكد أساتذة القانون الدولي، أن مطالبة الاحتلال سكان القطاع بالنزوح جنوبا يفضح إسرائيل حيث يعد مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وسيعرض حياة أكثر من مليون مواطن فلسطيني وأسرهم لمخاطر البقاء في العراء دون مأوى في مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة وقاسية.
التهجير القسري وسيلة للإبادة الجماعية
والتهجير القسري، هو جريمة تتباين في كثير من الأحيان في الأسباب والدواعي، وكذلك النشأة والأهداف قديما وحديثا بين أن تعتمد على الحروب، والصراعات مهما كانت مسوغاتها وأهدافها، فقد تكون توسعية واقتصادية أو دينية عقائدية، والأولى تنحصر في الأطماع والسطوات، وتعتمد على سلوكيات القسوة والقدرة الغاشمة، وميل الذين يديرونها إلى الوحشية والهمجية.
وتعد هذه الجريمة بحسب القانون الدولي، وسيلة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، ومن الممارسات التي كانت جزءا من أعراف الحرب، إذ لازمت النزاعات المسلحة الدولية والداخلية، وكذلك الاضطرابات والتوترات الداخلي، وقد مر التهجير القسري بتطور قانوني من خلال تشريعات قانونية دولية وداخلية مختلفة، وكذلك من خلا أحكام المحاكم وآراء الفقهاء، خلال العصور الماضية وصولا إلى التشريعات القانونية الحالية.
ومر هذا التطور في القرن العشرين ما بين اعتباره وسيلة مقبولة من الوسائل المعتمدة في حل المنازعات القومية إلى الرفض التام له بوصفه جريمة دولية، إذا بدء رفض هذه الجريمة دوليًا وتجريمها بوصفها جريمة، تمس حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
موقف مصر بشأن التهجير ثابت غير قابل للتغيير
ويؤكد اللواء سمير فرج، مدير إدارة الشئون المعنوية الأسبق والخبير الإستراتيجي، أن موقف مصر بشأن فكرة التهجير القسري للفلسطينيين ثابت وغير قابل للتغيير تحت أي ضغوط، وما سيناقشه مجلس النواب اليوم، بشأن الإجراءات المتبعة لمنع محاولات التهجير من قطاع غزة إلى سيناء، إنما يؤكد على الموقف الثابت لمصر في هذا الشأن.
وترفض مصر شعبا وحكومة مبدأ تهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية منذ سنوات طويلة، فبحسب الخبير الإستراتيجي، أن قبول الفكرة يعتبر بمثابة قضاء على القضية الفلسطينية وتفريغها، فضلا عن اعتبارنا مشاركين في ضياع القضية الفلسطينية، ورفض التهجير إلى سيناء هو قرار سيادي لمصر، وذلك ليس معناهأننا نرفض وجود الشعب الفلسطيني على الأراضي المصرية، والدليل على ذلك تواجد 10 ملايين ضيف لدينا من 5 دول عربية.
وبشأن الإجراءات المتبعة في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، يقول "فرج" أن هناك خطة عسكرية مُحكمة لا يمكن الإفصاح عنها في الوقت الحالي، ولم يحدث هجوم أو إطلاق نيران على ثمة جهة، ومصر لن تقبل أو تسمح بدخول أي فرد غير مصري الحدود المصرية إلا طبقا للضوابط المقررة، ولن تخوض مصر ثمة حروب، وسيتم التعامل بطريقة عسكرية للحفاظ على أرضنا.
انتهاكات إسرائيلية للقانون الدولي
وتندرج محاولات الاحتلال الإسرائيلي تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة المحاصر إلى سيناء، عبر الضغط والترويع والقتل العشوائي، بحسب الدكتور محمد مهران المتخصص في القانون الدولي العام، والخبير في النزاعات الدولية، ضمن جرائم الحرب المنصوص عليها صراحة في القانون الدولي.
ويمثل قيام طائرات الاحتلال بقصف المنازل والمستشفيات والبنية التحتية وكافة المرافق الحيوية في غزة، بهدف إرغام أصحابها على النزوح قسرا نحو سيناء، انتهاكا صارخا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل الجماعي أو الفردي للمدنيين خارج الأرض المحتلة، والمادة 147 من الاتفاقية ذاتها تجرم صراحة "نقل أفراد السكان المدنيين بالقوة".
القانون الدولي يجرم التهجير القسري
ويؤكد الخبير في النزاعات الدولية، أنه لا توجد أي حالة استثنائية تبرر قيام إسرائيل بتهجير المدنيين من أراضيهم سوى إطار محاولة ارتكاب جريمة إبادة جماعية، وتهجير السكان بالقوة لا يعد فقط انتهاكا لاتفاقيات جنيف، بل إنه يرتقي أيضا إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وفقا للقانون الدولي، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينص صراحة في المادة 7(1)(د)، على أن الترحيل أو النقل القسري للسكان، من الجرائم ضد الإنسانية التي تخضع للاختصاص المحكمة.
كما أن المادة 8(2) (ب) (viii)، من النظام ذاته تعتبر "إكراه المدنيين على النزوح من مناطق إقامتهم المشروعة"، جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي، ويؤكد "مهران"، أن محاولات إسرائيل تفريغ غزة من سكانها عبر الإكراه والتخويف وتدمير مقومات الحياة، تندرج تمامًا ضمن هذه التعريفات القانونية لجرائم الحرب والإبادة.
مطالب بتدخل المجتمع الدولي العاجل لوقف سياسة التهجير
وشدد أستاذ القانون الدولي العام، على رفض مصر التام لمخطط التهجير بأي شكل، وأي نية إسرائيلية لتوطينهم على الأراضي المصرية أو غيرها، داعيا المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل والضغط على إسرائيل لوقف سياسة التهجير القسري، لأن الصمت على ما يحدث في غزة يجعل الجميع شركاء في الجريمة بحق شعب بأكمله، والشعب الفلسطيني لن يتنازل أبدا عن حقه في وطنه واستقلاله التام، ومصر ستبقى داعمة لحقوقهم حتى استرداد كامل مطالبهم المشروعة على تراب وطنهم فلسطين.
والتهجير القسري للسكان، يمثل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية لعدة أسباب أبرزها، انتهاك الحق الأساسي للسكان في العيش الكريم على أراضيهم دون أي تدخل أو إكراه خارجي، ولأنه يهدف إلي تفريغ الأرض من سكانها الأصليين وتغيير تركيبته الديموغرافية، بالإضافة إلي إلحاق المعاناة البدنية والنفسية بالسكان المهجرين والقضاء على أي أمل في العودة، وإضعاف الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد وتمزيق نسيجه.
ويؤدي التهجير القسري، إلى تشتيت المجموعات السكانية وفقدان الهوية الوطنية والانتماء للأرض، كما يهدف غالبًا لتعميم معاناة السكان وإلحاق أذى بدني ونفسي بهم مما يشكل انتهاكًا لكرامتهم، ويفتح الباب أمام ارتكاب المزيد من الجرائم بحق هؤلاء السكان من قتل وتعذيب واغتصاب، ولهذا يعتبر شكل من أشكال الإبادة الجماعية وفقاً لأحكام القانون الدولي، لأن الهدف منه هو إنهاء وجود مجموعة عرقية أو دينية محددة من خلال نزوحها القسري خارج أراضيها وإحلال سكان آخرين مكانها.
إجراءات مصر للتصدي للمخططات الإسرائيلية
ويؤكد الدكتور محمد مهران، أن هناك عدة إجراءات وتدابير يمكن لمصر اتخاذها للتصدي لمحاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، منها التنسيق مع السلطة الفلسطينية لتوفير الحماية المدنية للسكان على الحدود، وتقديم الدعم اللوجستي لإدخال المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، بالإضافة إلي التنسيق مع دول عربية أخرى لتقديم مساعدات عاجلة لإعادة إعمار وترميم البنية التحتية في القطاع.
كما يشدد على ضرورة التواصل السياسي والدبلوماسي مع الدول ذات النفوذ على إسرائيل لممارسة الضغوط لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ورفع الحصار عن غزة فوراً، وتوفير الرعاية الصحية والإمدادات الطبية العاجلة للسكان وتقديم العلاج اللازم للجرحى والمصابين، فضلاً عن فضح المخطط الصهيوني للعالم، ومطالبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن باتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حد لمحاولات التهجير الإسرائيلية غير المشروعة، وتتبع مصر حاليا أغلب هذه الإجراءات.