على الرغم مما تبديه حكومة الكيان الصهيوني المتطرفة بقيادة نتنياهو بأن هدف استمرار الحرب في غزة هو استئصال منظمة حماس من جذورها وتصفيتها نهائيًا في القطاع، لكنه وقادة جيشه وعلى رأسهم وزير دفاع الكيان المحتل، يعلمون تمامًا أن استمرار الحرب بات مكلفًا جدًا دون جدوى أو تحقيق الأهداف المعلنة، ومع هذا لا تتوقف آلة القتل والتدمير وقصف البنايات والمؤسسات العلاجية والمدارس في غزة التي كانت ولم تزل أكبر سجن مفتوح في العالم، حيث عمد الكيان المحتل إلى عزلها تمامًا وصولا إلى أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها.
ولعل أبرز العناوين التي يمكن تصديرها في قراءة المشهد من نافذة الاحتلال وقواته الغاشمة هو التخبط والارتباك، خصوصًا بعد أن بدا على الموقف الأمريكي من الحرب تأثير الحرج الذي تواجهه الآن الإدارة الأمريكية بعد تبين كذب رواية الاحتلال بوجود أفراد وقادة حماس والمقاومة الفلسطينية في خنادق وأنفاق أسفل المستشفيات التي تم تدميرها، باستهداف جيش الاحتلال لأكثر من 100 مستشفى ومركز طبي، وإخراجهم لنحو 16 مستشفى عن الخدمة من شمال قطاع غزة إلى جنوبه حتى الحدود المصرية، ومنها مستشفى الشفاء والمستشفى الإندونيسي ومن قبلهما المستشفى المعمداني، وارتكابهم للمجازر التي ارتكبها سلاح الطيران بقذائف أمريكية، ما يشير بشكل واضح إلى نهج الاحتلال في استهداف القطاع الطبي والنازحين والجرحى بذرائع واهية، خصوصًا أن المستشفيات مفتوحة للصحفيين والمؤسسات الدولية على مدار الساعة، وبعد أكثر من أربعين يومًا متصلة من الهجوم الوحشي والبربري على قطاع غزة، فضلا عن عمليات القتل والتصفية في الضفة الغربية، وكذا استهداف المستوطنين الإسرائيليين لفلسطينيين في مناطق متفرقة، فقد بلغ عدد الشهداء جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل أكثر من ثلاثة عشر ألف شهيد، بينهم أكثر من خمسة آلاف وخمسمائة طفل، وثلاثة آلاف وخمسمائة امرأة، كما بلغ شهداء الكوادر الطبية نحو مائتي طبيب وممرض ومسعف، وكذلك استشهد نحو اثنين وعشرين من رجال الدفاع المدني، فضلا عن استشهاد ستين صحفيًا، وتم تدمير نحو مئة مقر حكومي، ومائتي وستين مدرسة وأكثر من ثمانين مسجدًا، وثلاث كنائس.
كل هذا الدمار بات واضحًا وضوح الشمس أمام العالم أجمع، سواء على المستوى الرسمي أو بالنسبة للرأي العام العالمي، الذي شهد خروج المظاهرات في القارات الخمس، تندد بجرائم الاحتلال الذي لم يعد أمامه مساحة للتفكير أو التراجع، مع المماطلات في اتفاقيات وقف إطلاق النار، والادعاء بالهدن، مع التلويح باحترام البعد الإنساني في تنبيه مواطني قطاع غزة بإخلاء أماكنهم والتحرك جنوبًا قبل القصف، لكنهم مع ذلك يستهدفونهم في الحالتين، حتى بعد تحركهم، وفي خضم البربرية الإسرائيلية وهمجية الاحتلال، لا تزال المقاومة بأسلحة بسيطة تكبده الكثير وتنصب لقواته الشراك، حتى تكبدت إسرائيل عشرات القتلى والمصابين، مع وجود حالة من الهلع يعيشها المجتمع الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر، بشكل لم يحدث له مثيل في تاريخ إسرائيل منذ نشأتها عام ١٩٤٧، وفي الوقت الذي يضغط فيه كبار المسئولين في إدارة بايدن على إسرائيل لبذل المزيد من الجهود لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين، قال الجنرال تشارلز براون جونيور، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إنه يشعر بالقلق من أن كل مدني يُقتل في غزة يمكن أن يولد أفرادًا في المستقبل ينضمون لحماس، ومن قراءة الواقع يمكن إدراك وقوع نتنياهو في مستنقع لن يخرج منه سالمًا، لأن أفراد المقاومة يختفون كالأشباح، ليتأكد ملاحقة الفشل للكيان المحتل فى حرب غزة، وتشاركه في الفشل الولايات المتحدة التي لم تكن تتوقع هجوم السابع من أكتوبر، أو تنتبه إلى قوة الفصائل الفلسطينية، التي يبدو أنها كانت تستعد لتلك المواجهة وتخطط لها، فاضطرت أمريكا إلى دعم الكيان بإرسال قوات المارينز وخبراء عسكريين قدموا خبراتهم القتالية مع الجماعات المسلحة غير النظامية في معارك العراق وأفغانستان، فضلا عن جسر جوى للأسلحة وحاملات الطائرات وغواصة نووية وبوارج، لكن ما حدث في النهاية هو الثأر من المدنيين في قطاع معزول عن العالم ولا حول له ولا قوة، لمحاولة غسل هزيمة 7 أكتوبر النكراء غير المتوقعة والموجعة، ولكن بحمامات من الدماء، وإزالة أحياء بكامل مبانيها وسكانها، وقطع الكهرباء والوقود ومنع دخول الغذاء والدواء عن المدنيين والمرضى.
وأمام اتساع الحرب التي بدا تماما انها السبيل الأوحد للكيان الذي بات مثل ثور أعمى، ودخول قوات حزب الله، واشتعال جبهة الشمال من لبنان إلى سوريا والعراق، والتداعيات الخطيرة على المنطقة والعالم، من كل ذلك يمكن اكتشاف توقع فشل أسلحة التجويع والدمار الشامل في تحقيق نصر مرجو للجانب الإسرائيلي وحليفه الأمريكي، حيث يزيد كل يوم حجم الخسائر التي يتكبدها الاحتلال، أولا في قواته، حيث يتم الكشف عن مقتل جنوده من القوات المشاركة في العملية البرية داخل قطاع غزة، وقد ارتفع عدد قتلاه من الجنود والضباط إلى 390 جنديًا وضابطًا وفيهم قادة كبار، منذ بدء عملية طوفان الأقصى حتى الآن، وقد كشف مدير مقبرة جبل هيرتسيل العسكرية عن الأعداد الكبيرة التي يتم دفنها من جنود جيش الاحتلال جراء المعارك التي يخوضها في قطاع غزة، إذ تم دفن 50 جنديًا خلال 48 ساعة، وعلى المستوى الاقتصادي، انخفضت الإيرادات الإسرائيلية بـنسبة 15% على أساس سنوي الشهر الماضي بسبب التأجيلات الضريبية، وتراجع الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي الإسرائيلي بأكثر من 7 مليارات دولار في أكتوبر لدعم الشيكل، وباع البنك المركزي، 8.2 مليار دولار من النقد الأجنبي في أكتوبر، مما أدى إلى تراجع الاحتياطي إلى 191.235 مليار دولار.
وهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يبيع فيها بنك إسرائيل النقد الأجنبي، في غمار محاولات للبحث عن حلول لإنقاذ الكيان الذي بات على وشك الانهيار الاقتصادي.