تقدم دولة إسرائيل جديدها بانتظام مثير للشفقة، فكان خيار إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة من أجل القضاء على حماس، والذي طرحه وزير التراث عميحاي إلياهو، وهو الخيار الاعترافي المتأخر بامتلاك قنابل نووية؛ لأن المنطقة كلها وعواصم نافذة في العالم، تعرف جيدًا أن إسرائيل تمتلك هذه الأسلحة منذ عقود.
وتلك العواصم الغربية بالذات هي التي مكنتها من امتلاك القدرة على إنتاج هذه الأسلحة النووية، لكن إسرائيل لا تعترف أبدًا، ويذكر الجميع عندما سئل شيمون بيريز عنها أحالنا إلى الحرب النفسية، وقال إنها ردع بالظن، ردع وإخافة لنا من الإقدام على عمل متهور ضد إسرائيل؛ لأنها جعلتنا نظن أن لديها أسلحة نووية.
وبيريز هو الشاب الذي كان مساعدًا سياسيًا لبن جوريون عندما بدأت إسرائيل في التفكير في صنع القنبلة النووية في منتصف الخمسينيات. وجملة "الردع بالظن" عند بيريز هي ترجمة لفكرة بن جوريون من أن مجرد معرفة العرب أو شكهم في أنها عندنا سوف يفرض عليهم أن يتعقلوا، ويلزموا الحذر.
لم يكن عميحاي إلياهو سوى أكثرهم حماقة، أو غير منشغل بردود أفعال العالم الغربي، لأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يقف معهم ويساندهم ويرفض حتى المطالبة بوقف الحرب، وقد يجاري عميحاي في تهديده.
وزير التراث تلقى لومًا أو عتابًا من نيتانياهو، واستبعاد مؤقت من حضور جلسات الحكومة، كما تلقى تبريرًا من رئيس حزبه الذي هو في الوقت نفسه وزير الأمن القومي إبتمار بن غفير؛ ولأن العبارة صريحة والتصريح الكارثي واضح، ولا يمكن أن يقال مثلًا إنه أسيء فهمه، أو انتزع من سياقه، برره بن غفير بالقول إن هذه "العبارة كانت على سبيل الاستعارة".
إن التعطش إلى الدماء لا يتوقف في إسرائيل، ونفس الوزير بن غفير لم يكفه ما يقوم به الجيش في غزة، فقد وزع السلاح على المستوطنين في الضفة، تحت بصر العالم، لكن لا يهم، فهذا العالم لم يهتز لقتل أكثر من 12 ألفًا معظمهم من النساء والأطفال، بينما يشاهد تحول غزة إلى حلبة ثيران تمارس فيها إسرائيل القتل من البحر والجو والبر، ولا ينقص إلا أن يصفق الغرب عند سقوط كل ضحية.
لم يكف هذا إسرائيل لتعيد إحياء المناقشة حول قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، وخصهم بعقوبة حصرية لهم وحدهم، في دولة لا تطبق عقوبة الإعدام.
ويأتي تفعيل مشروع القانون الذي ُطرح في شهر مارس الماضي، عن طريق حزب عوتسما يهوديت برئاسة بن غفير أيضًا، وسوف تناقشه هذا الأسبوع لجنة شئون الأمن القومي، والتي يترأسها المتطرف تسفيكا فوغل عضو حزب بن غفير، ومناقشة مشروع قانون مثل هذا، يعنى التمهيد لطرحه للقراءة الأولى أمام الهيئة العامة للكنيست.
وقد بدأ إعداد مشروع القانون داخل أروقة حزب بن غفير، والذي ضمن سلفًا طرحه أمام الكنيست، وهو يجري مشاورات الائتلاف مع زعيم الليكود نيتانياهو من أجل تشكيل الحكومة الحالية.
وأغلب الظن أن العالم المتحضر في الغرب لن يعترض، ربما يدلي ببعض العبارات، ويا ليته لا يفعل، لأنه سيكون تبريريًا وملتمسًا الأعذار وماسحًا على الرؤوس، ورابتًا على أكتافنا من أجل أو إلى حين تدمير حماس. وفي حومة الأرقام التي تقول إسرائيل إن سلطات الصحة في غزة تبالغ فيها، لم تقل لنا إسرائيل كم قتلت من أفراد حماس، لكن نطمئن على أن الحرب في ساعاتها الأخيرة..
والخطة ماضية في طريقها من قبل الحرب على غزة والتي اندلعت في أعقاب طوفان السابع من أكتوبر، هي بدأت كما تقول التقارير الخبرية من إسرائيل، بقراءة تمهيدية في الهيئة العامة للكنيست في مارس الماضي، بعد أن حظيت بمصادقة اللجنة الوزارية لشئون التشريع.. ومشروع القانون يتيح فرض عقوبة الإعدام بحق أسرى فلسطينيين مدانين بقتل إسرائيليين "عن قصد أو بسبب اللامبالاة" إذا ما أدى إلى "وفاة مواطن إسرائيلي"، وذلك "بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل".
ولا تسأل إسرائيل عما تفعله، ولا عن تفصيل القانون للفلسطينيين فقط، ولا تطبق القانون في حال إقراره على إسرائيلي واحد إذا ما قتل فلسطينيًا عن قصد أو بسبب اللامبالاة أو كنوع من التسرية عن النفس.
هذا تشريع جديد يدبج بليل وهو تشريع غير أخلاقي ومتطرف وحصري وضد حقوق الإنسان، ويؤكد حقيقة غياب العدالة عن السلطة القضائية في إسرائيل ويكرس نظام الفصل العنصري، ومشروع القانون يتنافي وأحكام القانون الدولي.
هذا المشروع يهدف إلى زرع الرعب في صفوف الشعب الفلسطيني، وربما لا يوافق عليه الكنيست في النهاية، لكنه مؤشر على تفكير إسرائيل ونواياها تجاه الفلسطينيين.
إن قتل الأسير محرم في الإسلام وإطعامه واجب ديني، كما أن العالم بعد ويلات الحروب وضع قوانين دولية وإنسانية ملزمة لمعاملة الأسرى، كاتفاقية حنيف بشأن معاملة أسرى الحرب لعام 1949، والمتضمنة لـ 71 مادة لم تترك شيئًا للمصادفة أو التأويل.