هل تتخلص واشنطن من «حارس المزرعة»؟

19-11-2023 | 12:59
الأهرام العربي نقلاً عن

أحيانا يحدث المستحيل، وتقع المعجزة، والمستحيل هو انفصال التوءم الأمريكى - الإسرائيلى فى المدى المنظور.

هكذا تبدو الصورة الظاهرة، بينما حركة التاريخ الجوانية تحفر مجرى آخر، وتختفى ظاهرة التوءم هذه، وتتشكل حالة عالمية أخرى.

 دعنا نفحص الصورة بعناية.

لنفترض، كما هو واقع الحال، أن إسرائيل هي «حارس المزرعة الأمريكية» فى الشرق الأوسط، والحارس يقوم بدوره المرسوم، يرعى المصالح الأمريكية، يحافظ عليها، يؤدب الخارجين عن الطاعة الأمريكية.

تعترف المؤسسة الأمريكية بهذا الدور، والرئيس الأمريكى جو بايدن يقول: لو لم توجد إسرائيل لأوجدناها، ويتساءل: كيف ستكون حال الولايات المتحدة إذا لم تكن إسرائيل موجودة؟

فى الحرب الوحشية على غزة، يتجاوز «حارس المزرعة» كل المعايير القانونية فى مسرح العمليات، ينتهك الشرعية الدولية، والأعراف الإنسانية، تسانده أمريكا بلا خطوط حمراء، فالاختباء وراء اللغة الدبلوماسية لم يعد مفيدًا بعد الآن.

 ذروة الاندماج بين التوءم وصلت إلى حد الانشطار عن بقية المجتمع الدولي، والدخول فى حال وجد سياسية غير مسبوقة.

 ترجمة حال الوجد هذه تجلت فى دعم أمريكا للآلة الإسرائيلية الوحشية بالسلاح والإعلام، ومنع إدانتها دبلوماسيًا وشجعتها على استمرار الحرب التى تحصد الأطفال والنساء والشيوخ بلا رحمة، وتمحو البشر والحجر، وكأنها تستدعى تجربة إبادة الهنود الحمر على أيدى المستوطنين الأوروبيين.

والإقليم العربى ليس أرض الهنود الحمر، والفلسطينيون ليسوا قبائل المايا، أو الأزتيك الهندية.

فما العمل أمام التوءم النادر؟

عليه استدعاء الماضي، وقراءته بإمعان، فإذا ما استدعينا زمن الحملات الغربية على مدى ألف عام، ثم الهجمة الاستعمارية على مدى قرنين، فسوف نكتشف الإجابة بوضوح، وهى أن الكبش الأمريكي - الإسرائيلى سيكسر قرنيه دون أن يسقط الجدار.

 فما العمل؟

سيسأل التوءم، سؤال فلاديمير لينين الخالد هذا، ولن يجد إجابة واضحة.

سيسأل أيضا كيف سنتجاوز فى  «مخزن التفكير» الأمريكى هذه المعضلة؟ معضلة فشل «حارس المزرعة الإسرائيلي» فى مهمته؟

وهل يمكن استبداله فى لحظة تاريخية فارقة؟

نعم، يمكن أن يحدث المستحيل فى سياق معين.

 والشاهد أن أمريكا تفكر وتقوم ببناء نظام أمريكى عالمى خال من المؤسسات الدولية، تصبح فيه المايسترو الوحيد، على جوقة عازفين دون آلات.

افتتح جو بايدن خط إنتاج هذا النظام فى خطاب قصير إلى الأمة الأمريكية يوم الخميس 19 أكتوبر 2023، قائلا بصراحة إن الدعم لأوكرانيا وإسرائيل فى الحرب هو «مسألة أمن قومى أمريكي»، وحسب رؤيته فهو يعمل على بناء نظام أمريكى عالمى من أجل الأجيال المقبلة.

الخطوط الأمريكية واضحة، لكن الواقع  هو الغامض، فأوكرانيا تعانى فى مسرح العمليات، وحارس المزرعة الإسرائيلى  يفشل فى حماية نفسه أولا، ويكتشف العالم أنه قابل للهزيمة، ويتخبط كقبيلة فاجأتها قبيلة أخرى، واستلبت منها المرعى، ولهذا يريد أن يفتح جبهات أخرى حتى تتوه الحقيقة فى أدخنة الحرب الواسعة، وتتداخل قوى من داخل وخارج الإقليم، وقد تتسع الرقعة وصولا إلى حرب عالمية لا تشبه أيا من الحروب السابقة.

فى البداية كان النسر الأمريكى مندفعا، محلقا إلى أعلى الذرى، ثم اكتشف أنه وحيد فى سماوات بعيدة.

بعض الدبلوماسيين الأمريكيين، يقال أكثر من مائة، احتجوا على سياسة الدعم المفتوح لحارس المزرعة الإسرائيلي، وهو احتجاج وجد صداه  فى وسائل الإعلام الأمريكية، وإذا ما اتسع نطاق الاحتجاج قد تنشق معه المؤسسة الطامحة لبناء النظام المنشود، وفى حال كهذه سوف يقوم  صاحب المزرعة الأصلى بتغيير الحارس الحالى، والبحث عن آخر، فأحيانا للتاريخ أفعال لا نراها بالعين المجردة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة