أخيرًا، وبعد سنوات من العمل المستمر للنهوض بمنظومة صادراتنا الزراعية، أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى عن الإطلاق التجريبى لأول منصة رقمية متطورة مسئولة عن تقديم خدمات الإدارة المركزية للحجر الزراعى بشكل مميكن، وإتاحة الفرصة أمام المصدرين والمنتجين للحاصلات الزراعية فى مصر لإنهاء الإجراءات المطلوبة الخاصة بالمنظومة، سواء المتعلقة بإصدار الموافقات أو فحص ومراجعة الشحنات ورسائل الحاصلات الزراعية الواردة من الخارج، إضافة إلى إصدار الشهادات، ومراجعة ملف تكويد المزارع الكترونيا دون الإخلال بخطوات المعاينة الفعلية التى تجريها فرق المعاينة على الأراضي.
المنظومة الرقمية الجديدة يراها الكثير من المعنيين والمختصين بملف تصدير الحاصلات الزراعية فى مصر، خطوة مهمة نحو الطريق الصحيح للارتقاء بجودة وسمعة المنتج الزراعى المصرى بالأسواق العالمية، وإن كانت هذه الخطوة قد تأخرت كثيرًا فى ظل الثورة الرقمية الكبيرة التى اندلعت فى جميع دول العالم، فإن تطبيقها يساهم وبشكل كبير فى إحداث تطور ملموس فى المنظومة، ويحقق عنصر السرعة فى إنهاء مراجعة ومراقبة الحاصلات التى يتم تصديرها إلى أسواق العالم، إضافة إلى أهمية هذه المنصة فى تحقيق المنافسة المطلوبة بين المنتج الزراعى المصرى وبين نظيره فى جميع دول العالم.
ولعل أبرز أهداف إطلاق منصة رقمية لتقديم خدمات جهاز الحجر الزراعي، تسهيل إجراءات القائمين على المنظومة من المهندسين والفنيين وفرق المعاينة المسئولة عن المراجعة والفحص، وهو ما أتاح التعامل مع كل الواردات المصرية من الخارج بشكل رقمى وسريع، كما تضم هذه المنظومة خدمات الفحص وكتابة النتائج المطلوبة والتقارير الخاصة بالموافقات والإفراج، إضافة إلى دورها فى إتاحة خدمة «التكويد» للمزارع بشكل رقمي، وتقضى على أى شكل من أشكال المجاملات أو التلاعب فى نتائج الرسائل والشحنات كما كان يحدث السنوات الماضية، كما أن المنظومة الجديدة تتيح خدمة تشكيل لجان الفحص والتنقل لأماكن المزارع والمحطات ومراحل تحرك الشحنات وفق منظومة محكمة ودقيقة، وذلك بهدف الوصول إلى منتج زراعى آمن وصحى وعالى الجودة.
«الرقابة والحوكمة»
تفاصيل المنصة الجديدة كشف عنها السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، والذى أكد أن تفعيل المنظومة الرقمية الجديدة وتدشينها يتم بين الوزارة ممثلة فى الإدارة المركزية للحجر الزراعى والمسئولين بشركة الإنتاج الحربى لنظم المعلومات، حيث يستهدف هذا التعاون الانتهاء من تأمين المنظومة الجديدة، وإتاحة الخدمات المطلوبة المقدمة للمستهدفين منها سواء المنتجين أو المصدرين وكذلك أصحاب المشروعات الزراعية ومحطات تعبئة وتصدير الحاصلات، كما يتضمن هذا التنسيق الانتهاء من ميكنة أعمال الوارد والصادر والشهادة النباتية، وتأمين المعلومات وضمان جودة الخدمة بشكل مستمر، مؤكدا أن المنظومة الجديدة تتميز بالرقابة والحوكمة الشديدة والربط مع الجهات الخارجية والداخلية، بما يسهم فى تسهيل الخدمات الخاصة بأطراف المنظومة المعنيين، وتقديم الخدمات لهم بشكل سريع وآمن وتحت إشراف كامل من الجهات المعنية.
وأضاف القصير، أنه على الناحية الأخرى تبنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى برنامجًا متكاملا لتأهيل وتدريب فريق عمل المنظومة من الفنيين والمهندسين والعاملين بالإدارة المركزية للحجر الزراعى على أنظمة التحول الرقمى وإدارة الشبكات والتعامل مع الخدمات الميكنة، باعتبار أن العنصر البشرى هو المشغل الفعلى لهذه التقنية المتطورة، بما يضمن تحقيق أهدافها المطلوبة، كما أن المنصة ستتيح تدريجيا كافة الخدمات التى يحتاجها المستفيدين، وتوفر الإرشادات والسياسات الزراعية المهمة للمزارعين والمنتجين بالتنسيق مع الباحثين التابعين لمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة، موضحًا أن ميكنة خدمات الحجر الزراعى يتزامن مع خطة الحكومة ممثلة فى وزارة الزراعة للنهوض بقطاع الصادرات الزراعية فى مصر، وزيادة الثقة العالمية فى المنتج الزراعى المصري.
«رفض الشحنات»
من جانبه قال الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمى لوزارة الزراعة، أن الهدف من الإطلاق التجريبى للمنظومة الرقمية للحجر الزراعي، هو إعداد قاعدة بيانات قوية ودقيقة بأعداد المصدرين وأصحاب المشروعات الزراعية والمزارع المكودة والمستوردين حول العالم لتحقيق التكامل بين أطراف المنظومة، وربط بيئة الاتصال المباشر بين أطراف المنظومة لتحقيق الأهداف المطلوبة من المنصة، كما أنها تتيح خدمات إصدار شهادات «الصحة النباتية» التى بموجبها يتم اعتماد المصدّر الملتزم بكافة الضوابط والاشتراطات المحددة لمنظومة تصدير الحاصلات الزراعية، مضيفا أن الدولة المصرية لديها إصرار كبير على الارتقاء بجودة المنتج المصرى بأسواق العالم، وتحقيق المنافسة القوية بينه وبين المنتجات العالمية، وكذلك والقضاء على ظاهرة «رفض الشحنات» التى كانت تحدث خلال العقود الماضية.
وأضاف الدكتور القرش، أن مصر حققت زيادة فى صادراتها الزراعية هذا العام بحوالى 760 ألف طن، كما تستهدف بنهاية هذا العام الوصول بحجم الصادرات الزراعية المصرية حولى 7 ملايين طن، وهى زيادة غير مسبوقة نجحت مصر فى تحقيقها السنوات الأخيرة وذلك لأسباب عديدة، منها تشديد مراجعة وتطبيق الضوابط والاشتراطات التى حددتها الدول المستوردة، وضع ضوابط صارمة على المخالفين والتى تصل لحد رفض الشحنات وحرمان المصّدر من التصدير أو التعامل مع أسواق العالم، إضافة إلى تشديد الرقابة على سياسة زراعة المحاصيل بدءا من زراعتها على الأرض وحتى مرحلة التعبئة والتجهيز، ورقمنة الخدمات المقدمة من الإدارة المركزية للحجر الزراعى للمستفيدين بالمنظومة، وخلق حوافز للمصدرين الملتزمين بالمعايير والضوابط المحددة.
وأشار المتحدث الرسمى لوزارة الزراعة، أن ملف الصادرات الزراعية يحظى باهتمام كبير من القيادة السياسية باعتباره أحد الركائز الأساسية لدعم الاقتصاد الوطنى فى مصر، وتعظيم العائد من الإنتاج الزراعي، والمسؤول أيضًا عن جذب المزيد من العملة الصعبة إلى السوق المحلى فى مصر خاصة فى ظل الظروف التحديات الاقتصادية الصعبة التى تواجه العالم، ومن هنا كان لازمًا على الحكومة المصرية أن تقدم كافة الإمكانيات والدعم للارتقاء وتطوير منظومة الحجر الزراعي، وتسهيل مهمة وصول الحاصلات الزراعية المصرية إلى الأسواق العالمية، وقد جاء من بين هذا التطوير إطلاق منظومة رقمية تقدم خدمات التكويد والتسجيل للمعنيين بملف التصدير على رأسهم أصحاب المزارع والمشروعات الزراعية وكذلك المصدرين المعتمدين، بهدف رفع القدرة التنافسية للمنتج الزراعى المصري.
«وجود منظومة رقمية فى جهاز الحجر الزراعى يساهم فى خلق أسواق جديدة حول العالم أمام المنتجات والحاصلات الزراعية المصرية، ويدعم خطة التوسع فى قطاع التصنيع الزراعى فى مصر».. استكمل الدكتور القرش كلامه حيث أكد أن ذلك يساهم فى خلق المزيد من فرص العمل للشباب، ويعزز من قيمة المنتج الزراعى فى مصر بدلًا من تصديره خامًا، كما يرفع من القيمة الخاصة بأسعار المنتجات المصرية فى الأسواق العالمية، كما تقدم المنظومة الجديدة خدمات الإرشاد الزراعى السليم لإنتاج وزراعة المحاصيل الزراعية المصرية، وتتيح لأصحاب المزارع والمشروعات الزراعية حزمة من الممارسات الجيدة لإنتاج محصول صحى وآمن وخالى من متبقيات المبيدات، والأهم لا يعارض الاشتراطات والضوابط التى حددتها الدول المستوردة للمنتج الزراعى المصري.
«استخراج الشهادات»
وعلى الناحية الأخرى، قال مصطفى السيد صاحب محطة تعبئة وتصدير حاصلات زراعية فى منطقة طريق مصر إسكندرية الصحراوي، إن المصدرين وأصحاب المزارع ومحطات التصدير والتعبئة والمستوردين هم الفئات المستهدفة من المنظومة الجديدة، وبالتالى فإن توافر جميع الخدمات المطلوبة فى نافذة واحدة يساهم فى توفير الوقت والجهد، ويحقق السرعة فى إنهاء الإجراءات اللازمة، سواء فيما يتعلق بإجراءات استخراج الشهادات والتقديم على طلبات المراجعة والفحص، وكذلك الاستعلام عن الأسعار والأسواق المتاحة والكميات المطلوبة من السلع والمنتجات، وأيضا معرفة مواعيد اللجان.
وأضاف أن منظومة الحجر الزراعى تشهد خلال السنوات الأخيرة تطورا كبيرا فى كافة القطاعات، على رأسها سرعة الانتهاء من شهادات تحليل عينات الحاصلات الزراعية، حيث كانت تستغرق فى مراكز التحليل التابعة لوزارة الزراعة أكثر من ٣ أيام، فى حين أنها أصبحت لا تزيد عن ٤٨ ساعة للحصول على نتائج التحاليل بنسب المبيدات وصلاحية الشحنات المعدة للتصدير، قائلا: «المصدرون وأصحاب المزارع والمشروعات الزراعية يطالبون بإعادة النظر فى الرسوم المقررة على استخراج الأوراق والشهادات المطلوبة».
وأوضح، أن المزارع فى مصر أصبح ملما بكافة السياسات والممارسات الزراعية التى تحقق الجودة العالمية للمنتج، بل وأصبح يعى تماما أن عدم اهتمامه بجودة المحصول يعنى عدم القدرة على تصديره وتحقيق الربح المناسب له، وهذا يؤكد أن المنتج حريص على تطبيق كافة الممارسات الجديدة للارتقاء بجودة المحصول، والالتزام بالسياسة الزراعية.
«خدمة التتبع»
وأشار مصطفى السيد إلى أن، المنظومة الجديدة تتيح خدمة «التتبع» وهى المسئولة عن متابعة الشحنات المصرية وتاريخها بدءًا من خروجها من الأرض وحتى وصولها إلى البلاد المستوردة، ومعرفة مصدر إنتاجها داخل مصر، ومكان المزرعة التى أنتجت هذه الرسالة، ومن ثم تحديد الحوض والشجرة التى تم اقتطاف الثمرة منها، كما تحدد هذه الخدمة الشركة المسئولة عن استلام وتصدير الشحنات، وفريق العمل المعنى بمراجعة الشحنات، حيث تساهم هذه الخدمة فى تحقيق الانضباط برحلة الشحنات، وتقضى على ظاهرة إدخال شحنات مصابة إلى الأسواق العالمية، مؤكدًا أن الهدف الرئيسى من إتاحة خدمة التتبع بالمنظومة الجديدة هو إحكام المراقبة المتكاملة على الشحنات الزراعية المصرية الجاهزة للتصدير.
المهندس يحيى عبد الغفار عضو الاتحاد العام لمنتجى ومصدرى الحاصلات البستانية، قال إن إطلاق المنظومة الرقمية الجديدة للحجر الزراعة بداية حقيقية للنهوض بملف استيراد وتصدير الحاصلات الزراعية، وتنفيذا لتوجيهات القيادة السياسية بدعم هذا القطاع وزيادة القيمة المضافة للمنتج الزراعى المصري، وسيكون ذلك واضحا فى ملف الحاصلات البستانية المعنى بها الاتحاد، حيث تخضع شحنات الحاصلات التى يتم استيرادها من الخارج لإجراءات دقيقة وفقا لمنظومة الحجر الزراعى المتطورة، مما يساهم فى سرعة تسجيل واعتماد الشحنات الواردة من الخارج، وابداء الموافقات المطلوبة دون الحاجة إلى الخوض فى رحلة شاقة وطويلة فى البحث عن الموظف المسؤول، مؤكدا أن توفير خدمات الحجر الزراعى بشكل رقمى على منصة واحدة يحقق الشفافية المطلوبة فى عمليات المراجعة والفحص، ويوقف ظاهرة إهدار النفقات.
وأضاف أن وزارة الزراعة تقدم كافة سبل الدعم للاتحاد لتوفير كافة احتياجات المزارعين من تقاوى البطاطس التى يتم استيرادها من هولندا وبلجيكا وفرنسا، والتى بلغ حجمها هذا العام حوالى ١٤٠ ألف طن، حيث وجه السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضى إدارة البنك الزراعى المصرى بتوفير كافة الاعتمادات الدولارية للشحنات المطلوب استيرادها من الخارج، وتوفير بأسعار مناسبة للمزارعين فى مصر، كما وفرت وزارة الزراعة الدعم لمنظومة استيراد شحنات أنسجة النخيل من معامل إنجلترا، مضيفا أن مصر تشهد خلال السنوات الأخيرة طفرة كبيرة فى زراعة النخيل بعد التغيير الكبير الذى طرأ على الخريطة الزراعية تنفيذا لتوجيهات القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس عبد الفتاح السيسي، مما جعلها تتربع على قائمة الدول المصدرة للتمور فى العالم.
واستكمل عضو الاتحاد العام لمنتجى ومصدرى الحاصلات البستانية قائلا: «مصر حققت نموا كبيرا فى سوق التمور، ولاقى هذا النمو إشادات كبيرة عالمية ومحلية»، حيث أكد أن رئيس جمعية التمور الأردنية قال فى لقاءات عديدة إن المجدول المصرى أصبح يتربع على قائمة التمور العالمية، ويحظى بطلب كبير فى الأسواق العربية.
«اقتصاد معرفة»
وأشار يحيى عبد الغفار، إلى أن منظومة الحجر الزراعى فى مصر أصبحت خلال الفترة الأخيرة تحت رقابة صارمة، ويشارك فيها العديد من الجهات على رأسها معهد أمراض النبات بالمركز القومى للبحوث الزراعية، والإدارة المركزية لبحوث البساتين بالوزارة، والإدارة المركزية للحجر الزراعي، وجميعها جهات متخصصة مسؤولة على تأمين عملية دخول أو خروج المنتج الزراعى من المنافذ الجمركية بشكل علمى وآمن، ومن هنا فإن وجود منصة رقمية لدعم هذه العملية هو بمثابة «اقتصاد معرفة»، يوفر على الدولة وأطراف المنظومة تكاليف باهظة، مشيرا أن جميع دول العالم قادت ثورة رقمية فى إدارة الحجر الزراعى، وطبقت أحدث التقنيات والأنظمة المتطورة لإنجاز مهام هذا الجهاز الرقابى الهام، وإن تطويره فى مصر أمر هام وطبيعى فى دولة رائدة فى تصدير الحاصلات الزراعية لأسواق العالم، ويقترب حجم صادراتها حوالى ٧ ملايين طن سنويا.
واختتم قائلا، إن المنظومة الجديدة تستهدف أيضًا تحديث خدمة «التكويد» وتوفيرها بشكل رقمى ومتطور، وهى تعنى إصدار رقم صادر للشحنة والشركة والمزرعة المنتجة للمحاصيل والشحنات الزراعية الجاهزة للتصدير، ومن ثم يتم بموجب هذا الرقم إصدار الشهادة النباتية بضمان جودة المنتج وعلى أساساها السماح بالتصدير، وقد تم الانتهاء من تطبيق المنظومة الجديدة بشكل تدريجى على بعض المحاصيل الزراعية على رأسها الرومان، كما تستهدف خلال الفترة المقبلة إدراج محاصيل الجوافة والموالح والفلفل والفراولة وغيرها من المحاصيل الزراعية الهامة التى يتم تصديرها إلى أسواق العالم، مشيرًا أن خلال العشر سنوات الماضية مصر حققت طفرة كبيرة فى ملف الصادرات الزراعية ونجحت فى أن زيادة فاتورتها لنحو 6 ملايين و500 ألف طن هذا العام.