مع الرصاصة الأولى للحرب، التي تدور رحاها حالياً في قطاع غزة، كانت السياسة المصرية الراسخة والثابتة، تنظر لما هو أبعد من حرب تكررت مرات ومرات، بصرف النظر عن درجة العنف من جانب الاحتلال الإسرائيلي هذه المرة، وسبقت مصر كل الدول الغربية في رؤيتها الثاقبة، التي تقوم على أن وقف إطلاق النار سيحدث يوماً ما، طالت الفترة أم قصرت، ومن هنا كانت الدعوة السريعة إلى قمة القاهرة للسلام، التى تقوم أول ما تقوم على وقف فورى لإطلاق النار، والبدء في سيناريو مستقبل القطاع، بعد أن تتلاشى أدخنة البارود، التي لم تهدأ منذ هجوم "حماس" على بعض مستوطنات غلاف غزة ، في السابع من أكتوبر الماضي.
ولأن مصر فاعل أساسي وضروري وطرف أصيل في القضية الفلسطينية، فإنها ترى - في إطار سياستها التاريخية وقناعتها السياسية وهويتها العربية - ضرورة التفكير السريع في مستقبل القطاع، وحل القضية الفلسطينية على أسس السلام العادل والشامل، ومقررات الشرعية الدولية.
العالم كله سار في اتجاه وقف الحرب، أو على الأقل الوصول إلى هدنة إنسانية مؤقتة لالتقاط الأنفاس، وإنقاذ أرواح المدنيين، وإمدادهم بالغذاء والعلاج، في الوقت الذي نادت فيه مصر بتصورات مختلفة، أو ما يمكن أن نطلق عليه "اليوم التالي"، بعد توقف إطلاق النار في قطاع غزة، لأن مصر تدرك تماماً من منطلق مسئولياتها، أن هناك أمراً مختلفاً بعد السابع من أكتوبر، لذا طرحتْ رؤية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، يقبلها الفلسطينيون في ظل الانحياز الغربي الكامل إلى إسرائيل.
وبعد أن تجاوزت الحرب الشهر، إذا بالعالم الغربي يستوعب الدرس، ويطرح الآن رؤى لا ترى غير مصلحة إسرائيل، حول مستقبل القطاع بعد انتهاء الحرب.
المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، أصدر ورقة تفكير، تحت عنوان: "استشراف اليوم التالي.. مستقبل قطاع غزة"، طرح فيها التصورات الفكرية الغربية حول مستقبل غزة، وملامح الأوضاع المتوقعة فيما بعد العملية العسكرية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وتأسست تلك التصورات - في مجملها - على ثلاث فرضيات؛ الأولى: أن إسرائيل ستنجح في تحقيق هدفها في القضاء على حماس، والثانية: إعفاء إسرائيل من المسئولية عن القطاع بعد وقف إطلاق النار، والثالثة: أن ثمة إدارة لمرحلة انتقالية لملء الفراغ في غزة بعد الحرب قبل تولِّي السلطة الفلسطينية فيما بعد مسئولية القطاع.
وتباينت تلك التصورات في الأفكار المطروحة بشأن الإدارة المقترحة خلال العملية الانتقالية، ومن أبرزها: تولِّي شخصيات تكنوقراط؛ غير سياسية، إدارة قطاع غزة، وتولِّي الأمم المتحدة إدارة قطاع غزة مع تواجد قوات أممية، وتولِّي قوات متعددة الجنسيات مسئولية الحفاظ على الأمن في غزة، وتولِّي مجموعة من الدول العربية مهمة الحفاظ على الأمن في غزة، وكلها تصورات تستهدف إخراج إسرائيل منتصرة تماماً في تلك الحرب.
وطرحت ورقة المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية الرؤية المصرية التى تقوم على سيناريو "الحل الفلسطيني"، التي تستهدف حلاً عادلاً وشاملاً، يضمن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، من خلال إقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967، عاصمتها القدس الشرقية.. ولكن كل ذلك يرتبط بالأساس بعودة السلطة الوطنية الفلسطينية لإدارة غزة، في محاولة لاستعادة "الوضع الطبيعي" لما قبل عام 2007، بشرط توافر مساندة عربية من الدول السابق انخراطها في تفاصيل القضية الفلسطينية وأعبائها.
وترى مصر أنه لا سبيل إلى حل القضية الفلسطينية، سوى من خلال حل الدولتين، وأن تصورات البعض، بشأن جدوى الحسم العسكري لهذا الصراع، هي خارج إطار الواقع، ولا يمكن القبول بها، ومن هنا كان التفكير المسبق، والرؤية التي تجد صدًى لدى الفلسطينيين، ومن هنا جاءت الدعوة إلى قمة القاهرة للسلام، ولعل هذا ما سيكون محور العمل في القمة العربية الطارئة، والقمة الإسلامية خلال ساعات.. وستبقى الرؤية المصرية، بما تقدمه من حلول عملية قائمة على الواقع لا الخيال، السراجَ الذي يضيء الطريق للقضية الفلسطينية.. وعاشت مصر، عماد الاستقرار في الشرق الأوسط، وخير سند وأكبر داعم للأشقاء في فلسطين.. وتحيا مصر بجيشها وزعيمها القائد الرئيس عبدالفتاح السيسي.