7-11-2023 | 12:18

تعبنا حتى الثمالة، بل سئمنا، من كثرة إحصاء جرائم ومجازر إسرائيل بحق الفلسطينيين، منذ حرب عام ١٩٤٨ وحتى حربها البربرية الهمجية الجارية على قطاع غزة، وتضاعفت جرعات الضجر والامتعاض والألم من عجز المجتمع الدولى التام عن محاسبة المسئولين عنها، وهم معروفون بالاسم على مر العصور، وكثيرون منهم كانوا يتباهون ويزهون، ولا يزالون، بقتلهم العزل من المدنيين والأطفال والعجائز دون أن يطرف لهم جفن.

واليوم نحن أمام ثلاث جرائم شنيعة وبغيضة رئيسة لا يجب السكوت عنها، ولا الكف عن ملاحقة مرتكبيها من الإسرائيليين حتى الرمق الأخير، مهما طال الزمن وبعدت المسافات، وجمع أدلة وقرائن إدانتهم وتوثيقها توثيقًا محكمًا، والإصرار على تشكيل محكمة لجرائم الحرب الإسرائيلية على غرار محاكمات "نورمبرج"، بعد الحرب العالمية الثانية، والبوسنة والهرسك، ورواندا وغيرها من المآسي.

الجريمة الأولى إذكاء الحرب الدينية فى أقبح وأحط صورها، واستدعاء نصوص وأجزاء من التوراة تجيز بقر بطون الحوامل، وذبح الأطفال، واغتصاب الأراضي والمنازل، وهتك الأعراض، والتمثيل بجثث الموتى دون مراعاة لأى قيمة إنسانية وأخلاقية، وأن الرب وعدهم بدولة شاسعة تمتد من النيل إلى الفرات، وأنهم ينفذون وصيته ومشيئته، ويصورون أنفسهم على أنهم "جنود الرب" الأخيار الذين سيغلبون عدوهم لا محالة.

اسمع مَن يهمس بأن إسرائيل نشأت وترعرعت على قاعدة دينية محضة، وأنه لم يطرأ تغيير يذكر، نعم تلك حقيقة لا جدال بشأنها، لكن ما نتابعه الآن يمثل تحولا خطيرًا لابد من رصده وفحصه بدقه وكشفه ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، لأن "تل أبيب" تصور للعالم الخارجي أن المعركة الراهنة مع حركة "حماس" ومع جموع الشعب الفلسطيني على أنها بين ديانتين، وأنها نابعة من كراهية مفرطة للديانة اليهودية، وتبغى القضاء عليها، وتتعرض "لإرهاب ديني" تسعى لدحره بالنيابة عن العالم الحر المتمدن المتحضر الذى يشجعها ويشد على يدها الملوثة بالدماء لضرب أهل غزة بكل ما فى جعبتها وترساناتها من أدوات وآليات تدمير وترويع.

لم يعد أصل القضية وجوهرها بين محتل ومقاومة مشروعة، وقمع وحصار لملايين الفلسطينيين، وإلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات فوق رؤوسهم على مدار الساعة، وإنما بين مسلمين متعصبين ويهود آمنين ومسالمين جل هدفهم في الحياة العيش فى سلام ووئام على أرضهم المقدسة التى لا يحق لأحد المطالبة بها، أو الوجود عليها، وإخراجهم منها لدول الجوار، هكذا بمنتهي البساطة والفجاجة والوقاحة، وبالتبعية تتوه الثوابت والحقائق بين ثنايا الضلالات والأكاذيب الإسرائيلية المصبوغة بطلاء دينى بلون الدم القانى.

الجريمة الثانية استخدام القوات الإسرائيلية أنواعًا غير معروفة ولا معلومة من الأسلحة الفتاكة، التى حرمتها وجرمتها المواثيق والمعاهدات الدولية، منها القنابل الفوسفورية والعنقودية والانشطارية والقذائف المسمارية، وأثرها لن يقتصر على الحيز الجغرافي الضيق لقطاع غزة، لكنه يتسع ليلحق الأضرار البالغة بالبلدان المجاورة وبالإقليم برمته، وسينتقل مفعوله للأجيال التالية، ولنا أن نتصور ما ستعانيه صحيًا ونفسيًا من جرائها.

وبحكم القانون الدولي والأعراف السائدة فإن استخدامها يوجب العقاب غير القابل للإرجاء، لكنَّ هناك تعمدًا لغض البصر والبصيرة عنها من قبل العديد من المنظمات والهيئات العالمية، خصوصًا فى ظل إعطاء الولايات المتحدة لإسرائيل الضوء الأخضر للمضى قدمًا فى حملاتها العسكرية لمحو غزة من الخريطة بدعوى حقها الأصيل فى الدفاع عن النفس، عقب ما واجهته من خزى ومذلة في السابع من أكتوبر الماضي، وتواطؤ ومشاركة واشنطن قلبًا وقالبًا في التخطيط لمجريات ومسارات الهجمات الإسرائيلية على غزة.

فضلا عن أن هذا الكم الرهيب والمريع من الأسلحة ذات القوة التدميرية العالية لا يتناسب إطلاقًا مع جغرافية ومساحة أرض المعارك، لأن إسرائيل لا تخوض حربًا مع جيش نظامى تتكافأ قوته وتسليحه معها، وتفرط في استعراض عضلاتها لإحساسها بالإهانة والذل للصفعة التى تلقاها جيشها من مقاتلي حماس، وتريد الثأر بأى وسيلة وأسلوب، مهما كان انحطاطه وتدنيه، وذاك ليس سرًا، ومن ثم فعلى الخبراء بمنطقتنا وبالإقليم تجهيز ملفات شاملة لما استخدم من أسلحة محرمة، وبيان آثارها البيئية والصحية والنفسية على الفلسطينيين من جهة وعلى شعوب المنطقة من جهة ثانية.

الجريمة الثالثة الدعوة الكريهة والفاشية الواردة على لسان "عميحاي إلياهو" وزير التراث بحكومة "بنيامين نيتانياهو" اليمينية المتطرفة، بإلقاء قنبلة نووية على غزة، وهى مطالبة تنم عن مدى تغلغل التطرف والوحشية بإسرائيل التى ظلت تلتزم جانب الغموض الإستراتيجي بصدد امتلاكها أسلحة نووية، وتعكس الاستهتار وعدم الاكتراث بما سينتج عنها من كوارث مفجعة تعيد للأذهان مشاهد "هيروشيما" و"نجازاكي" المأساوية، بعد تعرضهما لقنبلتين نوويتين أمريكيتين فى ختام الحرب العالمية الثانية.

العالم المتحضر لم يتحرك وينتفض ضد هذه المطالبة الفاشية، أو يحذر من مغبة التفكير في الخيار النووى، وأنه سيقف لتل أبيب بالمرصاد ويفرض عليها عقوبات ويوثق يدها خلف ظهرها، مثلما يفعل مع دول تمتلك الأسلحة النووية كإيران وكوريا الشمالية، وفضل التجاهل وكأنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.  

إن الرد العملي والفعال لن يتأتى ببيانات الشجب والإدانة والتنديد، ودعوات ومطالبات عقد مؤتمرات وجلسات طارئة لمجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، بل بتشكيل فريق عمل عربي متكامل الأضلاع من القانونيين والحقوقيين والسياسيين والصحفيين ونواب البرلمانات وأساتذة الجامعات الأكفاء فى تخصصاتهم، ليعهد إليهم إعداد ملفات حول مذابح إسرائيل وانتهاكاتها للقوانين الدولية، من أجل تقديمها للمحكمة الجنائية الدولية ومتابعة الإجراءات الكفيلة بالزج بالقتلة وراء القضبان، ومعاقبتهم بما يليق بجرائمهم ومجازرهم، وبدون ذلك سيبقى الوضع على ما هو عليه، وسنواصل مصمصة شفاهنا، فهذا وقت الأفعال وليس الأقوال.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الشائعات.. وخطوط الدفاع

يتعرض المجتمع المصرى لهجمات شرسة ومتلاحقة من فيروس الشائعات الخبيث والفتاك، الذى يستهدف بالأساس إضعاف جهاز مناعته وخطوط دفاعه الحصينة، وكبقية الفيروسات

الأكثر قراءة