رغم انقطاع كافة السبل عن غزة وفلسطين، وبعد تضييق الحال عليهم ومحاولة إبادتهم عبر المجازر اليومية المتكررة في ظل الهجوم البربري الوحشي الذي يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي في حق أطفال ونساء وشباب ورجال فلسطين، كان هناك جهاد آخر يجب أن يقدم أمام ما تقدمه فلسطين من تضحيات تخدم القضية الفلسطينية وبيت المقدس وصية رسول الله، وهو جهاد المال والدعاء، حيث إن الأمر الآن يستدعي التحرك بأن يبذل كل إنسان جهده في البدء بجهاد المال، وأن تتولى جهات مشروعة ومعنية بالأمر هذه المسئولية على عاتقها تحمل توصيل هذه الأمانة إلى أهل فلسطين، ونرى من هذه النماذج أنه قد بدأت مؤسسة حياة كريمة مبادرة جديدة تحت شعار “من إنسان لإنسان” لدعم أهالي فلسطين وتجهيز المزيد من المواد الإغاثية والمساعدات الموجهة لقطاع غزة، يأتي ذلك بتكثيف دورها الإغاثي والإنساني، عقب انتهائها من إيصال المرحلة الأولى من قوافل المساعدات لأهالينا في غزة استعدادًا لتجهيز المرحلة الثانية من القوافل الإغاثية.
موضوعات مقترحة
جهاد المال والدعاء أمور لدعم غزة وفلسطين
بداية يقول الدكتور أحمد كريمه، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه يقترح من وجهة نظره أن يتم الدعم المادي لغزة وفلسطين أن يتم هذا الأمر عبر أمور منظمة وليست جهودًا فردية مشتته، فعلى سبيل المثال أن جهاد الأموال نقول عنه إنه توجد جهة واحدة معتمدة وهي جمعية الهلال الأحمر بالتعاون من التضامن الاجتماعي هما الجهتان المنوطتان بإيصال الدعم النقدي والعيني إلى الأشقاء في فلسطين المحتلة.
ويضيف، أنه بالنسبة للأعمال الفكرية، فيوجد لدينا المؤسسات الدينية المعتمدة، فما يخص المسلمين يوجد لدينا الأزهر الشريف، والإصدارات العلمية من صلاحيتها عمل الندوات وما أشبه، وبالنسبة لوزارة الأوقاف توجد الدروس واللقاءات المسجدية هي المفوضة في توجيه الناس في الأدعية المشروعة في الصلوات والشعائر العبادية، لذلك كل الدعم الموجه لفلسطين يجب أن يتم من خلال أعمال مؤسسية جماعية، لكن تشتت الأعمال ما بين جهود فردية مع إحسان الظن لن تؤتي ثمارها؛ لأننا نريد أن تكون النية خالصة لوجه الله تعالى وهذا هو الأهم، ولذلك رجاء إبعاد قضية فلسطين عن مزايدات سياسية وعن أي مصالح طائفية حتى تؤتي ثمارها، وكما قال الله تعالى "بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا" وهذا يعني أنه عندما تكون النية خالصة لله عز وجل هنا ستأتي كل الجهود بثمارها، لكن أكرر وأقول نه إذا تم دعم فلسطين بجهود فردية أو من خلال مصالح طائفية معينة فلن تؤتي ثمارها.
أهمية جهاد المال وقت الحروب
وفي سياق متصل يقول الدكتور أحمد كريمه، إن الله سبحانه وتعالى قال في سورة التوبه "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ"، وهنا أجمع الفقهاء أن الدفع في سبيل الله إنما للمجاهدين في الجهاد المشروع، كما أن الحديث واضح، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "جاهدوهم بأبدانكم وأموالكم وألسنتكم".
الجهاد بالمال مذكور في القرآن والأحاديث، كما أن جميع الآيات في القرآن الكريم تارة تذكر المال ثم النفس أي البدن وتارة تذكر البدن ثم المال، وتارة تذكر المال والبدن معًا أي أن المال والبدن مذكوران في آيات القرآن الكريم.
ويوضح، أنه يجب علينا أن نعي أن جهاد البدن يكون مخصصًا للجيش، وهذا يرجع لولي الأمر ومؤسساته المعنية على قانون المصلحة والمفسدة، ولكن جهاد البدن بالنسبة لعوام الناس غير مطروح، وعن جهاد اللسان فهو مخصص للإصدارات العلمية من العلماء والأدعية.
جهاد المال لا يقتصر على الأسلحة فقط
ويتابع الدكتور أحمد كريمة قائلا، إن جهاد المال ليس فقط مجرد الإنفاق على الأسلحة، ولكن جهاد المال يمتد أيضًا إلى رعاية أسر الشهداء، مثلما قام الرسول عليه الصلاة والسلام بمواساة يتامى سيدنا جعفر بن أبي طالب عقب استشهاده في معركة مؤته، جهاد المال لايوجه للأسلحة فقط، وإنما يمتد لرعاية الأسر؛ فمثلا الآن في فلسطين يوجد آلاف مؤلفة من البطالة بسبب الحرب الناشبة بها وهنا يقدم الدعم المالي، ولكن نؤكد أن يكون الدعم المالي عبر المؤسسة المعنية المعتمدة من الدولة وهي جمعية الهلال الأحمر ولاتوجد أي مؤسسة غيرها.
الدعاء يسبق جهاد المال والسلاح
من جانبه يقول الدكتور أشرف الفيل، من علماء الأزهر الشريف، هناك عدة وسائل لمعاونة أخواننا في غزة، وأهم هذه الوسائل التي يجب أن تسق المال والسلاح وقبل وقبل المشاركة الوجدانية هو الدعاء وسؤال الله سبحانه وتعالى أن يرسل ملائكة من عنده ليغزو معهم، وهذا شئ مهم لأن الله سبحانه وتعالى عندما قال في القرآن الكريم إن الله يرسل ملائكته لكي يجاهدوا مع المسلمين في أول الأمر؛ حيث كانت الملائكة تجاهد مع المجاهدين في غزوة بدر وفي غزوة أحد وفي غيرها من الغزوات، وفي ذلك قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (الأنفال:12)
النبي جاهد بالدعاء مع قتلة قراء القرآن
ويشير الدكتور أشرف الفيل، إلى أن الآن في ظل الوضع الحالي الذي يواجهه أهل فلسطين بدءًا من إغلاق كافة المنافذ على أهل غزة وتركهم وحيدين، فالله سبحانه وتعالى لا يتركهم لأن كل الأبواب وكل الحدود تغلق ولكن باب السماء لايغلق، لذلك من دورنا أن ندعو لأهل غزة وفلسطين.
ويضيف، أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا على أحياء من أحياء العرب عندما قتلوا قراء القرآن الكريم، فدعا عليهم النبي وفي رواية أنه دعا شهرًا وفي رواية زمانًا طويلًا وفي رواية ظل يدعو عليهم حتى مات، وكان الدعاء يتم بعد ركوع الركعة الأخيرة في كل صلاة من الصلوات الخمس، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مقدوره أن يحاربهم، ولكنه لو أراد قتالهم لفعل، ولكنه جاهدهم بالدعاء.
أوقات إجابة الدعاء
وفي سياق متصل يقول الدكتور أشرف الفيل، أن من أفضل أوقات إجابة الدعاء وهو الدعاء قبل الفجر في الثلث الأخير من اليل، وهو أن نخصص ركعتين لأهل غزة ونحن ساجدين وأن ندعو الله تعالى أن ينصرهم على أعداء الله وعدوهم وأعداء الإنسانية لأنهم يقتلون الأطفال والشيوخ والنساء فهي عداوة إنسانية وليست عداوة لدين معين، لذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب؛ حيث قال الله تعالى عنهم " يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ"، ثم قال الله لنا " فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ" لذلك الدعاء أحد الوسائل التي يتم استخدامها بشكل صحيح.
الرزق الحلال شرط إجابة الدعاء لنصرة فلسطين
ويجيب الدكتور أشرف الفيل، عن سؤال البعض دعونا ولم يستجب لنا، البعض قد يتساءل إننا ندعو ولا يستجاب لنا؟!
الجواب على ذلك أن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، والرسول عليه الصلاة والسلام عندما قال لسعد عندما سأله أن يكون مستجاب الدعوة قال له الرسول "يا سعدُ، أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ)، فقد تكون من دعوات المسلمين من يأكلون رشوة وحرام، فهؤلاء دعواتهم لاتقبل، إنما نحتاج من أهل الفضل الذين يأكلون من الحلال ويعيشون من الحلال، فهم الذين يرفعون أكف الضراعة إلى الله ويدعون الله أن ينصر إخواننا في فلسطين.
توحيد الدعاء أم الالتزام بدعاء القنوت
ويوضح الدكتور أشرف الفيل، علينا أن نتفق على وجوب الدعاء بعد كل صلاة من آخر ركعة لكل صلاة بما يسمى بدعاء القنوت، وأن نرجو من الله النصر، بعد ركوع الركعة الأخير ة من كل صلاة، بعد أن يقول المصلي سمع الله لمن حمده، هنا يرفع يده بالدعاء قبل النزول للسجود.
"أما الجنود فيقوموا بصلاة الخوف يصليها الجنود في أثناء القتال، أما الدعم المادي فبالفعل يجب أن يتم من خلال القنوات الشرعية، وأن تسلم لحكومات الدول؛ لأنها هي المسئول عن تحريك هذا المال وإدخاله، لأن الدعم الفردي لن يصل لصعوبة توصيل الدعم الفردي، حيث إن أمر الدعم المادي يحتاج أن ينظم ويدخل بشكل سليم؛ لأنها أمور بين الحكومات مع بعضها البعض؛ لأنها مسائل سياسية تملكها الحكومات، ولذلك الأفراد لا تملك ذلك، لكن يتم ذلك عندما تعلن الحكومة فتح الباب للتبرع لفلسطين، وقد أعلنت وزارة الأوقاف صكوك لأمر الدعم لفلسطين.
ومن الدعم أيضًا لأهل غزة وفلسطين أننا ندعو المؤسسات الطبية والعلاجية في كافة أنحاء العالم، أن توفر لفلسطين الدواء، وأبسط الأمور توافر مواد الإسعافات الأولية، وعلى دول العالم أن تهتم بتقديم هذا الأمر، وعلى المعنيين والصحة العامة وحقوق الإنسان أن تقدم لهم أبسط الأمور من الدواء.
الدكتور أحمد كريمة
الدكتور أشرف الفيل