Close ad

صحن اليوم وطبق الغد "2 – 2"

5-11-2023 | 13:28

حول سر تفوق اليابان العلمي، أفصح مسئول ياباني فقال: "لم نفعل شيئًا جديدًا، ولم نصنع معجزة، فما قمنا به يستطيع الجميع القيام به، فالياباني يصحو مبكرًا، ويعمل بجدية والتزام، ويخلص في عمله.. إنه الإصرار على إنقاذ بلدنا"..

لا شك أن هذه القيم العلمية والوطنية كانت في ذهن متخذ قرار إنشاء مركز للبحوث الزراعية منذ نصف قرن، مع بداية النهضة اليابانية، حيث الاعتماد على الذات، في الغذاء والماء والدواء والكساء، هو جوهر الحياة الكريمة وجودتها اليوم وغدًا.

والحديث عن إنتاج الغذاء وجودته، وسلامة الطعام واستمرارية توافره، لا يتوقف سواء في السلم أو الحرب، بل إن توفيره يعد دافعًا أساسيًا للساسة في النزاعات، وللعلماء محرضًا نحو التطور، وهو حديث كان محورًا لخبراء وباحثون من مصر والعالم، ضمتهم ورشة عمل بالقاهرة، مؤخرًا، كما أوردنا الأسبوع الماضي، برعاية "أكاديمية البحث العلمي، مع Alliance for Science”، والشبكة الوطنية لخبراء التكنولوجيا “NBNE، وIKARDA"، بعنوان "تعزيز التواصل العلمي حول تحرير الجينات والبذور المعدلة وراثيًا في مصر".

هذا العنوان، وغيره، كان المنطلق لإنشاء "مركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي" لتنفيذ مشروعات وبرامج وإستراتيجيات التنمية الزراعية الحديثة، حيث حلول الزراعة الذكية، تمتلك مزايا لا حصر لها مثل زيادة حجم المحصول ورفع مستوى جودته، ليقاوم التغيرات المناخية والأمراض، ويصمد لارتفاع درجات الحرارة ونسبة الكربون في الهواء، وزيادة الملوحة في الماء، إضافة إلى توفير فرص العمل، والتنافسية العالمية، وتبادل المعرفة وتراكم الخبرات، وبناء القدرات للمزارعين.

وبالرغم من أن المركز يعد أكبر كيان بحثي زراعي في الوطن والإقليم والقارة الإفريقية، إلا إننا لم نشهد له حضورًا علميًا أو مشاركة بحثية متقدمة، أو بحوث لتحرير الجينات والبذور المعدلة وراثيًا، في ورشة العمل، وهي في صميم تخصص هذا المركز المقام بجوار كلية الزراعة - جامعة القاهرة، بل أين حضور كليات الزراعة المصرية في مثل هذه الفعاليات فائقة الأهمية، فلدينا 37 كلية زراعة، تنتج من الخريجين سنويًا 37 ألف مهندس زراعة، أكثر من إنتاجها للبحوث والدراسات والمشروعات العلمية.

لن نردد عبارة أن الخلل هو تواضع التمويل والميزانية، فالميزانية ليست دائمًا هي المعوق، ولعل المقارنة بحالة ميزانية البحث العلمي توضح ذلك، فقد اهتم الدستور وشجعت الدولة تحفيز العلماء، وفتح آفاق التطور العلمي بتمويل أبحاثهم، وخصصت 64 مليار جنيه للبحث العلمي، نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وبزيادة 4 مليارات جنيه عن العام الماضي، وهو تطور جيد، أثمر وصول الأبحاث العلمية التي تم نشرها أكثر من 44 ألف بحث حتى 2022، وتقدمت مصر في مجال البحث العلمي إلى المركز الـ 24 عالميًا، طبقًا لمؤشرات دولية مثل "اليونسكو"، والبنك الدولي".

وبالرغم من كل هذه المعطيات، وجهود دفع مخرجات البحوث إلى الأمام، كما تفعل أكاديمية البحث العلمي، لرفع كفاءة معامل البحوث والتطوير بالجامعات الحكومية، إلا أنها برامج مرحلية وجزئية متواضعة الأثر، والبحث العلمي لكي يتقدم، لابد وأن يعمل في إطار حشد قومي وبيئة حاضنة متكاملة ترتبط بثقافة ومناخ عام، ومايتم حصاده لا يليق بحجم الدولة، حيث لا نرى مخرجات لبراءات الاختراع.

وقد حدد باحثون المعوقات أمام تطبيقات البحوث العلمية، أهمها أن توزيع مراحل التمويل وتخصيص تفاصيل البنود للبحث غير منصفة، فضلا عن إهمال بند التمويل الخاص بصيانة المعدات الخاصة بأجهزة المختبرات ومعامل البحث، إضافة إلى غياب مشاركات القطاع الخاص في مجال تشجيع البحوث وتبني الباحثين، يضاف إليها عقبات إدارية، أي إن التمويل ليس دائمًا هو المعطل، إنها الزراعة الحيوية.. جوهر "الأمن الغذائي"، فهل لدينا أطعمة معدلة في مصر.. على وجه التقريب، هناك القمح والشعير وفول الصويا وقصب السكر، دخلت هذا المضمار.

في العالم، هناك تراجع لمدخلات الأمن الغذائي، في الولايات المتحدة، وكشف تقرير لوزارة الزراعة، أن الجوع ارتفع بشكل حاد في 2022، وأن 44.2 مليون شخص يعيشون في أسر تواجه صعوبة في الحصول ما يكفي من الغذاء، ارتفاعًا من 33.8 مليون شخص في العام السابق، ما يمثل قفزة بنسبة 45% تقريبًا، عن عام 2021. 

وقال وزير الزراعة الأمريكي توم فيلساك في بيان: "هذه الأرقام ترسم صورة للأمريكيين الذين واجهوا التحدي المفجع في العام الماضي، وهو الكفاح من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية لأنفسهم ولأطفالهم".

في اليابان، يشددون على ضرورة تَسجيل المحاصيل المحررة جينوميًا، كما تَفرض الصين قيودًا صارِمة على استيراد المحاصيل المعدلة وراثيًا وإنتاجها محليًا، ولم تنجز تقنية تحرير الجينوم حتى الآن، أما روسيا فتستثمر بكثافة في تقنيات تحرير الجينوم.

لقد أنتجت الثقافة المصرية القديمة، يعززها ثراء مياه النيل العذبة، الفلاح المصري صاحب سجل التقويم الزراعي والفلكي النادر والمتكامل، ثم الزراعة الحيوية لأشهر المحاصيل الأساسية، كما أن علماءنا قادرون على إحداث التفاعل بين النبات والبيئة، وتطوير الجيل القادم من المحاصيل المعدلة وراثيًا، فهل تستنبط معامل مركز البحوث الزراعية خارطة طريق، أو"صحوة" علمية وصولًا إلى الأمان الغذائي اليوم وغدًا؟

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة