باتت أزمة ارتفاع الأسعار وعدم استقرارها تؤرق جميع المواطنين، فعلى الرغم من تحركات الحكومة المصرية الجادة لخفض الأسعار كان آخرها إطلاق مبادرة "تخفيض أسعار السلع الغذائية"، إلا أن هناك عدم التزام من قبل التجار معدومي الضمير، حيث إنهم يقومون برفع أسعار السلع مباشرة حتى إن كانت مستودعاتهم ممتلئة بسلع تم شراؤها بأسعار ما قبل التضخم.
موضوعات مقترحة
وكانت الحكومة قد أطلقت منذ عدة أيام، مبادرة خفض أسعار السلع الغذائية الأساسية، من أجل خلق وفرة في مختلف السلع بالأسواق، بما يسهم في انخفاض الأسعار خاصة السلع الغذائية، في محاولة من الحكومة للتخفيف قدر الإمكان، من وطأة التداعيات السلبية للأزمات العالمية التي نشهدها مع العالم في الفترة الحالية، رغم ما تتكلفه الدولة المصرية من عبء كبير خلال المرحلة الراهنة، إلا أن التجار لا يلتزمون بها.
ويظهر جشع وطمع التجار واستغلالهم لحاجة السوق والأزمات العالمية التي تتأثر بها البلاد، ويتم تخزين كميات كبيرة من السلع لتقليل المعروض وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه حتى تزداد مكاسبهم، مما يشكل أزمة كبيرة، وهو ما يرفع معدلات التضخم بشكل قياسي ليس في مصر فقط، ولكن على مستوى العالم في ظل الأزمة الاقتصادية التي سيطرت على العالم بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.
واستغلال تجار الأزمات للأوضاع الاقتصادية يساعد في تفاقم الأزمة الاقتصادية، بحسب ما أكده خبراء الاقتصاد، حيث يقوم التجار برفع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه متخذين ارتفاع الدولار والأزمات العالمية "شماعة" لهم في زيادة الأسعار دون مبرر، ولكن ذلك عقوبته كبيرة في القانون، وفي الشريعة الإسلامية.
أسباب استمرار ارتفاع الأسعار
ويرجع الدكتور على الإدريسي الخبير الاقتصادي، سبب استمرار ارتفاع أسعار السلع التي تؤرق جميع المواطنين، إلى الأزمات التي يختلقها التجار واستغلالهم بشكل عام للمواطنين ورفع الأسعار عليهم، وهذه المشكلة ليست جديدة، وإنما موجودة من فترة كبيرة، لكن تفاقمت خلال الآونة الأخيرة.
وأزمة ارتفاع الأسعار هي نتاج الأزمة الاقتصادية العالمية، وذلك نتيجة تداعيات أحداث كثيرة متتالية أثرت على الاقتصاد العالمي، وأزمة الحرب بين روسيا وأوكرانيا كانت سببا رئيسا في التداعيات الاقتصادية السلبية التي شهدها العالم خلال الفترة الأخيرة.
الدولار "شماعة" تجار الأزمات
ويرتبط سبب ارتفاع سعر الدولار أو انخفاضه بعوامل داخلية وخارجية، من بينها ضغط المستثمرين على الدولار نتيجة حاجتهم إليهم، والدولار يشكل جزءا فقط من تكوين المنتج المصري وليس إجمالي التكوين، ولكن تجار الأزمات يعلقون كل زيادة في الأسعار على ارتفاع الدولار، حيث إن البعض من غلاء أسعار السلع يكون ناتجا عن جشع التجار، لأن العديد من المنتجات تكون محلية الصنع بنسبة 100% ولا يجب أن تتأثر بارتفاع سعر الدولار، ولكن التجار يتخذون الدولار شماعة لزيادة الأسعار دون مبرر.
وأثرت الأزمة الاقتصادية على بلدان صناعية واقتصادية كبرى وليس مصر فقط، ولكن تجار الأزمات هم من يساعدون في تفاقم الأزمة الاقتصادية بحسب الدكتور على الإدريسي، حيث إنهم يستغلون الوضع لتحقيق أرباح مالية، ولكن المواطنون عليهم مسئولية الإبلاغ عن أي ضرر بشأن التسعير أو ارتفاع الأسعار.
تحرك برلماني للسيطرة على الأسعار
وشهدت الأيام الماضية تحركا برلمانيا بشأن ارتفاع أسعار السلع، والذي جاء من النائب أمين مسعود عضو مجلس النواب، حيث تقدم بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، لتوجيهه لرئيس الوزراء ووزيري التموين والتنمية المحلية، بسبب عدم التزام التجار بالمبادرة التي فرضتها الحكومة لخفض الأسعار، وهو ما يزيد من معاناة المواطنين في ظل الظروف الراهنة.
ويؤكد عضو مجلس النواب، أنه على الرغم من محاولات الدولة السيطرة على الأسعار وترحيب المواطنين بمبادرة تخفيض أسعار السلع، إلى أن المسئولين بالغرف التجارية أعلنوا وللأسف عن عدم التزام بعض التجار بتلك المبادرة، كما أن الاتحاد العام للغرف التجارية أصدر بيانا ناشد فيه تجار التجزئة عدم تجاوز أسعار بيع المستهلك والمحددة من قبل المنتجين أو المستوردين أو شركات التعبئة، وذلك طبقا لفواتير البيع أو الأسعار المطبوعة على السلعة.
وحذر عضو مجلس النواب تجار التجزئة من تجاوز تلك الأسعار المعلنة، وأنه سيتم حرمان المحال المخالفة من جميع خدمات الغرفة التجارية، بخلاف الإجراءات التي قد تتخذ من الهيئات المعنية، مطالبا الحكومة بصفة عامة وجميع المحافظين والأجهزة الرقابية بالقيام بجولات مفاجئة ومكثفة على مختلف الأسواق لمراقبة الأسعار وتطبيق القانون بكل حسم وقوة ضد جميع المخالفين لمبادرة الحكومة الخاصة بخفض أسعار السلع التي أعلنت عنها، وتوقيع أشد العقوبات ضد المخالفين.
3 طرق لتقديم شكاوي ضد جشع التجار
وتعمل لجان الضبطية القضائية لجهاز حماية المستهلك في المرور على الأسواق للتصدي للمخالفات وعدم مغالاة التجار في الأسعار، ويستقبل الجهاز شكاوى المواطنين على الخط الساخن 19588، أو من خلال الموقع الإلكتروني للجهاز أو من خلال خدمة الواتساب للجهاز.
عقوبة رفع الأسعار دون مبرر
ويتضمن قانون العقوبات مواد تشرح عقوبة رفع الأسعار واحتكار السلع، من خلال المادة 345 من قانون العقوبات التي تنص على أن "الأشخاص الذين تسببوا في علو أو انحطاط أسعار غلال أو بضائع أو بونات أو سندات مالية معدة للتداول عن القيمة المقررة لها في المعاملات التجارية بنشرهم عمداً بين الناس أخباراً أو إعلانات مزورة أو مفتراه أو بإعطائهم للبائع ثمناً أزيد مما طلبه أو بتواطئهم مع مشاهير التجار الحائزين لصنف واحد من بضاعة أو غلال على عدم بيعه أصلاً أو على منع بيعه بثمن أقل من الثمن المتفق عليه فيما بينهم أو بأي طريقة احتيالية أخرى يعاقبون بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصري أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط".
غرامة رفع أسعار السلع تصل لمليوني جنيه
وضاعفت المادة 346 الحد الأقصى لعقوبة الحبس في المادة السابقة، تصل لسنتين، إذا احتال التجار لرفع الأسعار خاصة فيما يتعلق بسعر اللحوم أو الخبز أو الوقود والفحم أو نحو ذلك من الحاجات الضرورية، أما المادة 8 في قانون حماية المستهلك 181 لسنة1821 فنصت على حظر حجب المنتجات المعدة للبيع عن التداول بإخفائها أو عدم طرحها للبيع (التخزين) أو الامتناع عن بيعها بأي صورة.
وتنص المادة 43 من القانون أنه يحق لجهاز حماية المستهلك تلقي جميع الشكاوى والبلاغات بأنواعها في مجال حماية المستهلكين والتحقيق فيها، ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز مليوني جنيه أو ما يعادل قيمة البضاعة موضوع الجريمة أيهما أكبر، كل من يحتكر سلعة ويمتنع عن طرحها للبيع، وفق المادة 71 من القانون.
وتنص المادة 71 من قانون حماية المستهلك على أنه في حالة تكرار البائع للجريمة، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز 5 سنوات وتضاعف قيمة الغرامة، أمّا عن عقوبة رفع أسعار السلع، فتتراوح من غرامة 5 آلاف إلى 50 ألف جنيه، وتاجر الجُملة من 500 ألف وتصل إلى مليون جنيه.
مطالب بوضع تسعيرة جبرية على التجار
وطالب الخبراء الدولة بوضع تسعيرة جبرية يلتزم بها كل التجار سواء جملة أو موزعين، وذلك تماشيا مع سياسة الدولة في ضبط الأسعار وعدم استغلال حاجة الناس.
الإسلام يحرم الاستغلال واحتكار السلع
وحرم الإسلام استغلال التجار للأزمات الاقتصادية والاحتكار، وشراء السلع المتوقع ارتفاع سعرها طلبا للربح إن تم بيعها بثمن مثلها بلا حبس فهو جائز، وإن اشتراها وقت الغلاء وحبسها متربصا زيادة السعر مع حاجة الناس إلى ما حبسه فهو من الاحتكار المحرم، وهذا التحريم لا يثبت إلا بشروط، منها، الشراء وقت الغلاء، والحبس مع تربص الغلاء، وإحداث ضرر بالناس جراء الحبس.
ويرى علماء الدين، أن من يستغلون حاجة الناس في رفع الأسعار واحتكارها آثمون ويخالفون الشرع الذي نهى عن استغلال حاجة المواطن بصورة تخالف الشرع وتخالف القوانين الوضعية في الدولة، ومن يرتكب ذلك مفسد في الأرض في حق الشعب وحق المجتمع.
ويؤكد الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية، أن الاحتكار ورفع الأسعار دون سبب حرام شرعا، والحكمة من تحريم الاحتكار هي رفع الضرر عن الناس خاصة الفقراء والمحتاجين، مستشهدا بقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ".
ووضع الإسلام قواعد وأسس لتعامل الناس فيما بينهم، وراعى مصالح وحال الناس جميعا، فأرشد ووجه إلى الكسب الحلال من خلال البيع والشراء، محرما الغش وتبرأ ممن يفعل ذلك، لأنه من أكل أموال الناس بالباطل وكذلك الاحتكار، فكما أن الغش يقع ضرره على المواطن فكذلك الاحتكار ضرره أكبر وأشد، فرفع الظلم والتظالم بين الناس من أهم خصائص الشريعة الإسلامية.