تمثل الحرب بين إسرائيل والمقاومة في غزة تحديا بالغ الصعوبة والدقة للأطراف الإقليمية والقوى الدولية.
ويتصاعد تعقيد الأزمة في أعقاب فشل مجلس الأمن مرات متعددة للوصول إلى قرار إنساني لوقف إطلاق النار رغم تضاعف حجم المأساة الإنسانية التي أصبحت مرفوضة من الرأي العام العالمي.
وفي هذه الحرب تواجه الإدارة الأمريكية أيضاً موقفاً بالغ الصعوبة، فهي لا تستطيع أن تتنصل من واجباتها كأحد القوى الرئيسية التي لها حق الفيتو في مجلس الأمن، فضلًا عن كونها الطرف الأكثر تأثيرًا ونفوذاً على إسرائيل.
لكن ضخامة حجم المأساة في غزة يفرض نفسه بشدة على متخذي القرار في عواصم العالم، خصوصاً واشنطن التي تريد أن تحتفظ بدورها وحلفائها في الشرق الأوسط.
ومن هنا فإن الإدارة الأمريكية تتحرك في سياسة متعددة الأبعاد، فهي من ناحية تعلن دعمها لإسرائيل فيما تسميه حق الدفاع عن النفس ومن ناحية أخرى تحاول تقليل واحتواء الضرر السياسي والمعنوي الذي يقع عليها باعتبارها الحليف الأول لتل أبيب.
وتحاول واشنطن أن تجد حلولاً للمشاكل التي يمكن أن تترتب على استمرار الصدام المسلح وآثاره المأساوية المتمثل في احتمالات توسع الحرب وقضية إيصال المساعدات الانسانية، بالإضافة إلى عدم إيجاد حل لمشكلة الأسرى.
وينعكس التحرك الأمريكي في ثلاثة خطوط رئيسية:
فإدارة الرئيس بايدن تعلن تأييدها لما تراه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وقد تحدث وزير الخارجية الأمريكي أمام مجلس الشيوخ للدفع نحو تبني المجلس لصفقة مساعدات مالية تصل إلى 105 مليارات دولار لكل من أوكرانيا وإسرائيل، وكان هدف الإدارة من ربط المعونة لأوكرانيا بالمعونة الإسرائيلية هي أن تضمن تأييداً لها في مجلس النواب والشيوخ.
وتبرز بين الحين والآخر تسريبات أن الأسلحة الأمريكية الأكثر تقدماً تُرسل إلى إسرائيل وأن هناك إمدادات مستمرة لها بكل ما تحتاجه من الأسلحة والذخيرة، فضلًا عن التعاون الاستخباراتي ومشاركة لأعلى مستوى في الخطط العسكرية.
لكن الموقف الأمريكي واجه رفضاً واسعاً ليس فقط في العالم العربي والإسلامي، إنما أيضاً في عواصم العالم في الغرب والشرق، فالمظاهرات الحاشدة التي تحركت في معظم أنحاء الولايات المتحدة، بل من التجمعات اليهودية الرافضة لاستمرار الحرب والتي احتشدت في مبني الكونجرس ومرة أخرى أثناء لقاء وزير الخارجية بلينكن في مجلس الشيوخ، كل هذا كان له أثر واضح على القرار الأمريكي.
كما أن المظاهرات الحاشدة في لندن وباريس وطوكيو وأوتاو وغيرها من المدن الغربية الرئيسية لابد وأنها تركت أثراً بالغاً على صناع القرار السياسي في واشنطن.
من هنا تحركت الإدارة الأمريكية في مسارها الثاني نحو احتواء الضرر الذي أصاب صورتها وسياستها، وذلك من خلال التواصل مع الحكومات العربية الرئيسية في مصر والسعودية والأردن والإمارات، وكانت مكالمات الرئيس بايدن مع الرئيس عبدالفتاح السيسي ومع الملك عبدالله ملك الأردن تمثل نقطة تحول نسبي في السياسة الأمريكية تجاه الصراع.
فلقد أقر الرئيس الأمريكي بأن موضوع التهجير ونقل الفلسطينيين من غزة إلى الدول المجاورة غير مقبول ومرفوض من الدول العربية، كما تحدث الرئيس الأمريكي بأنه يجب أن ينتهي الصراع إلى إيجاد أفق سياسي للتسوية العادلة للقضية الفلسطينية من خلال حل الدولتين.
كما تحركت الإدارة لزيادة المساعدات الإنسانية وسرعة إيصالها لغزة رغم أن ما تم ليس كافياً حتى الآن.
لكن التخوف الأكبر للإدارة الأمريكية يتمثل في احتمال توسع الصراع ودخول أطراف أخرى في الشمال مثل حزب الله والميليشيات المسلحة في سوريا والعراق وأيضاً التهديدات القادمة من الحوثيين في اليمن.
من هنا فإن الإدارة قد استخدمت دبلوماسية العصا لمنع هذا التوسع بإرسالها البوارج الأمريكية وحاملات الطائرات إلى البحر الأبيض والبحر الأحمر.
كما حذر الرئيس بايدن إيران صراحةً من الانخراط في هذه الحرب سواء عن طريق المجموعات التابعة لها أو عن طريق غير مباشر منها.
إن التغير الواسع الذي طرأ على الرأي العام العالمي قد غير من وضع إسرائيل وحلفائها وأصبحت إسرائيل متهمة بوضوح بارتكاب مجازر غير إنسانية.
ورفع المتظاهرون في الكونجرس لافتات تطالب بوقف هذة المجازر وهذه الحرب.
كل ذلك وضع إسرائيل وحليفها الأول الأمريكي في مأزق، فالحرب أصبحت مكلفة لإسرائيل وليس هناك من يرى إمكانية تحقيق السقف العالي الذي تتحدث عنه الحكومة اليمينية في إسرائيل بالقضاء على حماس، ولكنها تستطيع تحت الضغوط الخارجية والصراعات الداخلية أن تتراجع.
ومازال السؤال مطروحاً أمام متخذي القرار في واشنطن وأمام مراكز البحث هنا .. كيف يمكن الخروج من هذه المأساة الإنسانية بعد كل هذا الذي جرى؟