فى لحظة صدق قالها أولمرت، رئيس وزراء سابق لإسرائيل ولخصها: «مشكلة بلدنا الآن لم تعد الرهائن أو غزة أو حماس، مشكلتنا في بنيامين نتنياهو، لم يعد كفئًا لإدارة إسرائيل».
نتنياهو الملك أو بيبي كما يحب الإسرائيليون تدليله، أصبح يواجه سؤالا من كل الناس حوله: ماذا فعلت بنا يا بيبى؟ يبدو أنه لا يتوقف عن المقامرة حتى يخسر كل شيء، ملك إسرائيل الذي لم يتوج، حقق أرقامًا قياسية يبرر كل شيء، وعكسه صاحب الرقم القياسي في حكم إسرائيل، من قتل السلام انتقامًا لشقيقه جوناثان نتنياهو، الضابط الوحيد الذي قتل في مذبحة عنتيبي ضد رجال الجبهة الشعبية “حداد” الذين قتلوا جميعًا، لكن نتنياهو وضعها نبراسًا أمام عينيه فهو ليس ملكًا لإسرائيل فقط، لكنه ملك الانتقام نفسه. ينتقم من كل الناس حتى نفسه في معركته الأخيرة في غزة.
سار نتنياهو في المخطط وجاءه العالم مؤيدًا أن يصفي حماس ويقتل ويشرد، ولم يدرك أن الجميع قد يكونون قرروا التخلص منه لصعوبة ذلك، كانت أحداث أكتوبر 2023، وما صاحبها، ثم الحرب نفسها التي شنها على غزة وضواحيها، فيها ضبط الملك متلبسًا بكل جرائم الحروب، إن لم يكن هناك نظام عالمي أو منظمات دولية قادرة على مواجهته، لكن التاريخ نفسه سوف يحاكمه، لن يحاكمه الغزاويون وأطفالهم الضحايا ونساؤهم المشردون، لأنه يحاكم الأطفال والأسر التي تشردت، لكنهم سوف يطاردونه، وسوف تكون لهم لعنة؛ لأن دماءهم طاهرة واللعنة لن تلاحقه وحده، لكن ستلاحق كل إسرائيلي وإسرائيلية، بل كل أمريكي وأمريكية أو أوروبي وأوروبية، تخفوا وراء عدوان على بعض المستوطنات الإسرائيلية لكي يركبوا زمام الجريمة بكل مفرداتها.
القوة تهزم دائمًا إذا لم تكن عادلة أو على حق، وهكذا كانت إسرائيل طوال أكتوبر الحالي، قوة غاشمة بل متوحشة لم تخف الفلسطينيين أو الغزاويين فقط، لكنها بالقطع أخافت الإسرائيليين أنفسهم، اللاعب الماكر هزمه مكره ليس لكثرة الدماء، لكن لهمجيته ووحشيته وقتله الأطفال.
تصور الإسرائيليون أنهم اختاروا شخصية مدنية لقيادة البلاد، فإذا بهم أمام شخصية ليست عسكرية وليست سياسية، بل ليست إنسانية. كان متهمًا في بعض الجرائم المالية التي لم تتم تسويتها، حاول أن يهرب منها فوقع في جرائم أكبر.
الخلاص الإسرائيلي من الأوضاع الراهنة صعب ودقيق، لأن نتنياهو الذي يريد أن يدخل إلى أنفاق غزة أخطأ من غير أن يدري، فدخلت إسرائيل ليس في أنفاق غزة، بل في دهاليز الخندق الذي حفر لها وسار في مسار ليس له نهاية، لا تستطيع إسرائيل أن تترجم بها حالتها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية الراهنة، ما أصعب الخروج من مصيدة القتل الواسع والتدمير الهستيري الذي حدث في غزة.
كيف سيردها لأصحابها ولأهل المنطقة التي تبحث عن السلام معهم. ماذا سيقول بيبي للإسرائيليين؟ ماذا سيقول نتنياهو للفلسطينيين؟ ماذا سيقول رئيس الوزراء، الذي يبحث معهم عن سلام واستقرار إقليمي.
بيبي لم تعد عنده إجابات. صاحب الأرقام القياسية في الحكم، أول رئيس وزراء منتخب من الشارع مباشرة، انكشف وأصبح عاجزًا عن الإجابة، لا يملك شرح نفسه أمام ناخبيه، أو أمام المجتمع الدولي، أو أمام المنطقة التي يعيش فيها.
لماذا قتل رابين وهو ليس عنده سياسة بديلة؟ لماذا يرفض حل الدولتين الذي اختاره زعماء العالم الذين يؤيدونه وزعماء إسرائيل المؤسسون لها، وليس عنده حل بديل؟ لماذا يقتل ويقتل ويدمر وليس عنده خط نهاية، بل ليس عنده قدرة على استمرار هذا التدمير الهستيري في منطقة يعيش فيها، لم يتبق له إلا أن يهدم المعبد الذي يعيش فيه، والذي صعده إلى أعلى عليين من خلاله.
لم يعد أحد يثق في بيبي أو سياساته، أصبح الجميع يتسابقون للتخلص منه، إنه حالة ليست غريبة على منطقتنا، لكن يبدو أن إسرائيل أصبحت تتبع مثل هذه النوعية من التيارات أو الزعماء الذين يقاتلون ويحاربون بلا وعي، وبلا ضمير وبهستيريا، إسرائيل، لم تعد ديمقراطية، لم تعد واحة في الشرق الأوسط، إسرائيل عاجزة، وقد وضعها نتنياهو في مأزق كبير، وفى نفق مظلم ليس فيه أي بريق ضوء في نهاية النفق.