1-11-2023 | 13:21

أتدرون ما هو أبشع وأحط بمراحل من ارتكاب الجرائم والمذابح بدم بارد؟!
إنه محاولة طمس وإخفاء ملامحها وشواهدها الحية، وتحويل المجني عليه إلى جانٍ بلا وازع من ضمير، أو أخلاق تعارفت عليها الإنسانية، منذ أن استعمر البشر الأرض، وسنوا قوانين وقواعد حاكمة وضابطة لكل الأمور والشئون الدنيوية، بما فيها الحرب، والمشاركون في هذه المحاولة البغيضة جرمهم وذنبهم أفدح ممَن تلطخت وتلوثت أيديهم الآثمة بدماء الأطفال والنساء والشيوخ، وهدموا البيوت فوق رؤوس أصحابها.

ذاك ما نراه، منذ بدأ العدوان الإسرائيلي الغاشم البربري على قطاع غزة، وترويجهم لروايات وتفسيرات تحمل كمًا رهيبًا وفاضحًا من المغالطات والأكاذيب البشعة، لكنها مع الأسف والألم هي الرائجة والمعتمدة لدى الغالبية العظمى من وسائل الإعلام العالمية بشتى تصنيفاتها من مقروءة، ومسموعة، وفضائيات، ومواقع إلكترونية، ومنصات للتواصل الاجتماعى.

وفى المجمل فإن هذا ليس بجديد علينا، لكن الجديد الذي خبرته شخصيًا كان في الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، وإليكم الحكاية من بدايتها، لتعلموا عمق الدرك الأسفل الذي بلغه الغرب المتشدق بحضارته السامية ورقيه السامق، ويهدد بدفن حقائق ما جرى ويجري بعد تاريخ السابع من أكتوبر 2023، حتى في ظل ما ينشره كثيرون حول العالم من أرباب الضمائر اليقظة عبر "السوشيال ميديا" من فيديوهات وصور ونصوص مكتوبة عن مذابح قوات الاحتلال الإسرائيلية والتنديد بها.

فقد سعيت لإجراء اختبار سريع عن المهنية والمصداقية وتوخي الدقة المعلوماتية، حيث لجأت إلى ثلاثة مواقع للذكاء الاصطناعي، اثنان منها يدعمان اللغة العربية، والثالث الإنجليزية، طالبًا معلومات وبيانات مفصلة من واقع التقارير الدولية والمحلية عن فظائع الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين خلال السنوات الماضية، وانتهاكه القانون الدولي وعدم اكتراثه به على الإطلاق، وجاءت الإجابات على النحو التالى:
الأول اعتبر أن طلبي يتضمن عبارات  غير لائقة، ومن ثم رفض بإباء وشمم تلبيته، أما الثانى فقال إنه ليس لديه ما يقدمه بهذا الشأن، وسألني بلطف مصطنع إن كان عندي استفسار آخر له، أما الأخير فكان أكثرهم أدبًا وتهذيبًا، إذ أفاد بأن أوروبا تنظر إلى حركة "حماس" الفلسطينية كتنظيم إرهابي لابد من مواجهته والقضاء عليه لما يشكله من خطر على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وأشار على استحياء إلى حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، لكن ليس بهذا الأسلوب الفظ الذي رأيناه بالعين المجردة في السابع من أكتوبر.

تخيل أن تلك الردود كانت متعلقة بالماضى، فما بالك بما نعاصره حاليًا من أهوال ومآسٍ يندى لها الجبين يتعرض لها الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، فالشركات الغربية والأمريكية المسئولة عن برمجة خوارزميات الذكاء الاصطناعي أعطوها توجيهات وتعليمات بعدم نشر ما يسيء لإسرائيل، ويفضح عنصريتها وفاشيتها واستخدامها القوة الباطشة، لحرق وإزالة كل ما يقع تحت يد وبصر قواتها الغاصبة من بشر وحجر، واستهدافها المنشآت التعليمية والطبية بقنابل وأسلحة محرمة دوليًا.

ويأتي ذلك ضمن مخطط شامل لتغييب الرأي العام العالمي، والعبث بوعيه الجماعي، حتى لا يتصدر الساحة سوى وجهة النظر الإسرائيلية وما بها من مظلومية، وتثبيت أن تل أبيب تخوض معركة مصير مع الإرهاب نيابة عن العالم الحر الذي يجب عليه مساندتها وعدم التخلي عنها، لدرجة أن الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، صرح بأنه إذا لم توجد إسرائيل لكان على الولايات المتحدة اختراعها، وأن الدعم المقدم إليها غير محدود بسقف.

فماذا نحن فاعلون لكيلا تضيع القضية الفلسطينية، وتسقط في جب النسيان العميق، ويتم محاسبة مرتكبي جرائم الحرب بحق المدنيين الفلسطينيين العزل، ولا يفروا بفعلتهم، مثلما اعتادوا، منذ حرب 1948؟

هناك مساران من الممكن انتهاجهما والثبات عليهما، مهما كانت الضغوط والمغريات، المسار الأول يُعهد به إلى الجامعة العربية التي ستقوم بجمع كل صغيرة وكبيرة لإعداد ملف محكم ودقيق عما شهده قطاع غزة وبقية المناطق الفلسطينية منذ بدأت الضربات الانتقامية الإسرائيلية العشوائية، بعدما تلقت صفعة السابع من أكتوبر، تمهيدًا للدفع به لمحكمة العدل الدولية، لمعاقبة المسئولين عن جرائم الحرب التي وقعت، مع التشديد على أن المجتمع الدولي سيكون عليه الاختيار ما بين شيوع منطق وأدوات الغاب، أو إخضاع الجميع لسطوة وسلطان القانون، كما سبق وفعل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وحرب البوسنة والهرسك، ورواندا وغيرها من البقاع التي ارتكبت فيها جرائم حرب مروعة راح ضحيتها ملايين الأنفس.

المسار الثاني أن يتوحد العرب على كلمة سواء بتسخير ما بحوزتهم من مقدرات مالية وعلمية للعثور على منصات بديلة يسمع بواسطتها قارات عالمنا الخمس أصواتنا، وهذا ليس بالمستحيل، بعيدًا عن تلك المتحكم فيها الغربيون والأمريكيون ويوجهونها لما يخدم مصالحهم ومشاريعهم، حتى لو كانت على حساب الحق والحقيقة الساطعة، وكمثال كاشف كلنا شاهدنا ما فعله القائمون على منصة "فيس بوك" منِ مطاردة كل صوت يناصر فلسطين، ويكشف ما يتعرض له شعبها من مجازر على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية، وميليشيات المستوطنين الذين يغتصبون ممتلكات وأراضي الفلسطينيين جهارًا نهارًا، وتسلحهم الحكومة بالبنادق والمسدسات وتجيز لهم قتل مَن يرغبون ممن يقف في طريقهم بغض النظر عن إن كان طفلًا أو شيخًا أو سيدة أو عجوزًا، فقتلهم والتمثيل بجثثهم مباح دينيًا وحاخاماتهم أفتوا لهم بذلك، وبشروهم بالفوز بحسنات على كل قتيل يسقطونه.

وعلى العرب أن يعرفوا أنهم يملكون وسائل ناجعة لا حصر لها للضغط على الغرب والولايات المتحدة، ويحافظوا بها على حقوق الشعب الفلسطيني المحتل، ومعه الأمة العربية قاطبة، فهل سيتحركون أم ماذا سيفعلون؟

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: