Close ad

البحث عن أوروبا في غزة

1-11-2023 | 17:04
الأهرام العربي نقلاً عن

غريب أمر التاريخ، يستعاد بين حقبة وأخرى، وفى الاستعادة مهزلة كبرى!

أوروبا جارة أزلية لنا نحن شعوب شرق المتوسط، تأثرنا بها، وتأثروا بنا، أخذوا معتقداتنا بالتمام والكمال دون نقص، ونحن تأثرنا بهم فى عصور الأنوار، وصار من بيننا أتباع مولعون بهم!

هذا التأثير والتأثر لم يمنع الإغارة علينا بين حين وآخر!

إغارة «شعوب البحر» زمن مرنبتاح، جاءوا للاستيطان شرق المتوسط، لكن الملك المصرى كعادته فى التخطيط وحماية البلاد، يبادر ويذهب إليهم فى عرض البحر، ويمنعهم من تدنيس الدلتا، ويوقع بهم هزيمة فادحة، هم وأدلاؤهم من بعض القبائل، ويسجل انتصاره فى لوحة «النصر» الموجودة فى متحف القاهرة للآن، مرة أخرى جاءوا فى عهد ولده رمسيس الثالث، هذه المرة عن طريق «فلسطين» ويكون الابن سر أبيه، ويكرر انتصاره عليهم.
 هل اتعظت «شعوب البحر»؟

 كلا!

واصلوا حملاتهم كالسيل، مرة تحت شعار ديني، ومرات بشعار تحديث البلاد والعباد، وتنوير الجهلاء، وإلحاق شعوب شرق المتوسط بعصور الأنوار!

كعادة التاريخ يسجل أنهم لم ينجحوا فى الإقامة. ولكن للحق أقول إنهم أوفياء لفكرتهم، لم يتخلوا عنها قط، فمع كل فشل، يفكرون فى تدوير الأفكار بطريقة مختلفة، جوهر واحد ومظهر جديد!

وهكذا محكوم عليها بنطح الجدار من حقبة إلى أخرى.

ما علينا.

إنهم يخوضون فيما بينهم الحرب وراء الحرب، وملايين تذهب سدى.

إنما ما يعنينا هنا هو أنهم لم يتوقفوا مرة، ويتأملوا أن هذا المسار الدموى الطويل لن يفضى إلى طريق!

الاحتكاك الخشن والناعم بنا على مدى حقب طويلة لم يجعلهم يقدمون تصورًا مختلفًا، بخاصة إلى أمريكا البلاد الجديدة الطارئة على القارات القديمة، تصورا يفسرون فيه لها أن هذا الصدام الدائم محكوم عليه بالفشل، وأن الاستناد إلى الخرافات فى عصر الحداثة هو ضرب من الجنون.

لم يفعلوا، إنما اصطفوا فى جوقة واحدة وراء مشروع أمريكا الجديد، وهو إشعال نيران على مساحة واسعة من الكرة الأرضية، فى أماكن مختلفة، فى توقيت متقارب.

وهذه النيران سوف تجعلهم يتحكمون فى أربعة أركان الكرة الأرضية مرة واحدة وللأبد، على أن تكون المهمة فى الوقت الحالى موكولة لأمريكا ذات العضلات الضخمة.

هنا أوكرانيا، وهنا غزة!

أوكرانيا لتفتيت قوة القيصر الروسي، وغزة لإعادة إنتاج شرق أوسط جديد.

بين هذين المكانين المختارين بعناية، تتحرك الأساطيل، ويتم استعراض الأسلحة، وتسيل أنهار الدم.

أوكرانيا كاشفة لهذه الفكرة الجهنمية، لكن غزة أكثر كشفا، ولنتأمل كم الدراسات والأبحاث والتقارير الإسرائيلية السرية المسربة، الخاصة بعملية تهجير الفلسطينيين، وتصفيتهم من الوجود الإنساني، ولنتأمل ما يقول الساسة الغربيون عن ضرورة إنشاء نظام عالمى غربي، يتم تعميمه بالحديد والنار على بقية الشعوب.

هل هذا يليق بقارة كل ميراثها هو ادعاء الحداثة وما بعد الحداثة؟ وهل هذا يليق بشعوب تقول إنها تقاتل من أجل حقوق الإنسان، وحرية التعبير؟
نظريا تدعى أنها من الدول «الحرة»، وإنها تسعى إلى « تحرير» بقية الناس الذين يعيشون خارج جنتها.

أما الواقع فيمضى عكس الاتجاه، فهى لم تتخلص بعد من ذاكرة «شعوب البحر، ولا من دعاة الحملات المتتالية، ولا من عصر التمدد بالحديد والنار!
هل فات الوقت على عقلاء أوروبا؟

 كلا!

 ثمة وقت متاح، ولكنه قليل، قد يمنعون خلاله استمرار دائرة هذا الصدام العبثي، ويعترفون مرة واحدة بأن ماضيهم ليس جميلا، وأن شرق المتوسط ليس مكانا رخوا صالحا للاستجمام.

ومن غزة، برغم قسوة المجزرة، يمكن لهم أن يغيروا مسار الرواية، ويطمئنوا أبطالها على المصائر، وإلا سيكررون التاريخ، وتكراره مهزلة كما قال الألمانى كارل ماركس ذات مرة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة