أراك نادمًا، أراك خائفًا، أراك تخشى رحيلهم عنك على الرغم من أنهم من آذوك وعذبوك واستعدوا أن يسقطوك وأقسموا أن يتخلوا عنك وينالوا منك، أراك تؤمن بضرورة وجودهم إلى جوارك في نفس ميدانك، إنك تتعامل معهم على أنهم قطعة منك، وكأنك تجاهلت عمدًا أو تناسيت مدى اختلافهم عنك.
دعني أقف بجانبك الآن لنرى الصورة معًا من زاوية واحدة، دعني أوجه إليك هذا السؤال شرط أن تجيب عنه بصدق: "هل يمكن أن تؤتمن الذئاب يومًا على حراسة قطعان الغنم؟
ستجيب"لا" بالطبع فهذا جنون، إذن كيف تسلم قلبك الممتلئ طهرًا إلى ذوي القلوب الممتلئة مرضًا، وكيف تأمن عليه البقاء وسط قلوب لم تتعلم سوى كراهيتك وكراهية الخير لك!
إن الأشرار في هذه الحياة يجب ألا يجتمعوا بالطيبين أو أن يقاسموهم حديثهم ويخادعوهم، إنها الحقيقة الساطعة التي كان يتوجب عليك إدراكها من قبل؛ إقدامك على خطوات التغيير العظيمة التي اتخذتها في حياتك، فما دمت قد اقتنعت بالسير في طريق يختلف عن طريقهم واتخذت قرارك الشجاع أن تخوض معركتك في ميدان آخر بعيدًا عن ميدانهم، كان عليك أن تزيل أي أثر لهم بعد أن خططت سرًا لذلك؛ فالأرض لن تخرج ثمارها الطيبة من جديد إلا إذا اقتلعت منها تلك الحشائش الضارة المتبقية من مواسم زراعة سابقة، إنها الحقيقة التي كان عليك أن تنتبه إليها جيدًا.
بادرت بشجاعة نحو ميدانك الجديد الذي اخترته لنفسك بمحض إرادتك وتركت لهم نافذة أفكارك مفتوحة وهم يتطلعون إليك حسدًا، ما كان يجب أبدًا أن تمكنهم من مشاهدة تصفيق جمهورك لك بعد رحيلك عنهم، كان عليك أن تخرجهم من ساحات نصرك قبل أن تحدد أهدافك وترسم خططك للعبور من منطقة الأمان التي جمعتك بهم، تلك المنطقة التي كبلتك واستعبدتك لسنوات، كان عليك أن تنتبه جيدًا وتعلم أن لكل مقام مقال، وأن لكل جمهور ميدان يختلف عن غيره بحسب اختلاف معطياتك له وبحسب أفكارك التي أسكنتها داخل دائرة اهتمامك.
مؤلم جدًا أن نخفق، مؤلم جدًا أن نصطدم بالأشياء أو أن نتعثر؛ ففي أنفسنا أيضًا يحل الظلام ثم يعاود النهار في السطوع بشمسه المشرقة من جانب آخر، نحن نعيش لنكتسب خبرات نعيش لنتعلم لندخل في ساحات تجارب جديدة، نتحسس الطريق ونبادر بخطواتنا الثابتة نحو العمق دون خوف بعد أن تعودنا مواجهة مرات الإخفاق بكل شجاعة ونحن نستند إلى هذا المبدأ القائل: "من جهلنا نخطئ ومن أخطائنا نتعلم".
الحياة تشتبك مع مالدينا من قناعات وتزن الأمور بميزان دقيق وتأتي برد فعلها بقدر ردة فعلنا معها، بقدر احتمالنا وتوقعاتنا المحسوبة بدقة، بقدر استعدادنا للسقوط وبقدر عزمنا على الوقوف مرة أخرى، الحياة أصبحت أفضل معلم لنا والتجارب أصبحت جزءًا من سلاحنا، كان علينا أن نجرب كي نتعلم، كان علينا أن ننتبه ولاندير ظهورنا إلى من يجهرون بالعداء لنا، وستبقى الحياة مسرحًا كبيرًا يعرض كل ألوان الصعاب ويجسد كل أدوار الألم ليضعها في قوالب من كوميديا سوداء تخلط دومًا بين الجد والهزل.
على مسرح الحياة ستجد مقعدك بجانب أناس آخرين قد تختلف أو تتفق معهم، ولكنك في نهاية العرض سوف تدرك قيمة اختلافك وتفخر بذاتك، ستطمئن أكثر عندما تستبدل دورك القديم بدور آخر يرفع بك فوق مسرح نجاحك لتؤدي دورك وسط نجوم العرض وتقتسم معهم تصفيق الجماهير لهم.