النظام الدولى يتصدع بعنف، يسقط على رءوس صانعيه، وكلما اقترب السقوط أصيبوا بالسعار، وجنون القتل والإبادة.
هم ولسنا نحن، من تسببوا فى حروب دموية على مدار خمسة قرون، من إبادة سكان الأراضى الجديدة «أمريكا»، ومن سكان أستراليا الأصليين، وهم من نصبوا الفخاخ وسرقوا الأفارقة، وهم من دمروا بعضهم بعضا فى حربين عالميتين، غير تلك الحروب الطائفية.
كانوا، وما زالوا، فى كل حرب لا يقاتلون كالجنود فى الميدان، بل يهدمون المدن والبيوت والمشافي، ويحرقون الناس أحياء.
وما قصة النازية والفاشية، إلا فصل من فصول التراجيديا، وهى اختراع غربى بامتياز، وكان التخلص من النازية بمقتلة هى الأعنف فى التاريخ، وتفوق على قسوة وعنف النازية نفسها، فقد هدم الحلفاء «المنتصرون» المدن والقرى على رءوس ساكنيها، ودمروا كل ما وصلت إليه قنابلهم الحارقة.
كانوا مرضى بالقتل، أورثوه لأحفادهم، وهؤلاء صاروا أكثر مرضا.
المحرقة التى يرتكبها المستوطنون فى فلسطين، هى فصل جديد من الإبادة التى ارتكبها أسلافهم من قبل، والتاريخ شاهد حي.
من سخرية هذا التاريخ، أن اضطهاد اليهود وقع فى أوروبا على مدى قرون، على أيدي إدوارد الأول فى إنجلترا، ثم فى إسبانيا، ثم فى ألمانيا، بينما كانوا قديما ينتشرون فى العالم الإسلامي، ولم ترتكب فيهم محرقة واحدة ، فإذا بهم يتسلحون حتى أسنانهم، ويغتصبون أرضا ليست لهم، ويقتلون أصحابها الأصليين، برعاية من الذين أحرقوهم وقتلوهم واضطهدوهم.
المجازر فى فلسطين ليست حربا بين جيشين، بل هى حرب على مدنيين عزل، من قبل جيش عالمي، تسليحًا وأفرادًا، تدعمه قوى عظمى، تتمتع بعضوية دائمة فى مجلس الأمن، تستخدم الفيتو فى شن أو منع الحروب، ومجلس الأمن هذا، منوط به حماية السلم والأمن الدوليين، لكنه لا يتوقف عن دعم ارتكاب الجرائم تلو الجرائم.
شاء من شاء أو أبى من أبى، نحن لسنا ميدانا للرماية.
هذه الحرب ستنتهي، وتنتهى معها أسطورة إسرائيل، الحامية لمصالح الغرب وبعض الأطراف الإقليمية، وينتهى معها نفوذ الغرب بأفعاله الدموية.
ستنتهى الأمم المتحدة، كما انتهت عصبة الأمم السابقة على إنشائها، سيتفكك مجلس الأمن، ستتفكك الجماعات التى تتخذ من حقوق الإنسان ستارًا، ستتفكك الإمبراطوريات، التى كانت تعتقد أنها حازت على رقعة الشطرنج للأبد.
الشاهد أن المحرقة الإسرائيلية للفلسطينيين مرتبة، وجاهزة، وساعة الصفر محددة، والصحافة الإسرائيلية نفسها، بدأت تنشر أخبارًا وتقارير عن علم نيتانياهو!
كان لافتا للنظر أن يقول نيتانياهو فى اليوم التالى لهجوم الفصائل الفلسطينية على محيط غزة: إن الشرق الأوسط سيتغير بالكامل، لقد تفوه بما كان مكتومًا.
بالفعل سيتغير الشرق الأوسط، وسيخرج نيتانياهو من معادلته، والأيام كفيلة بهزيمة جميع المخططات التى أخرجتموها من أدراجكم المعتمة.
الاسترابة واضحة فى مواقف دول العالم «الحر» فلم تكن فرنسا أو إيطاليا، وهما جارتان لنا فى المتوسط وفى الثقافة، تتخذان موقفًا غير مسبوق بدعم الآلة الجهنمية الإسرائيلية، وهى تقتل النساء والأطفال، وتهدم المستشفيات والبيوت الآمنة، ولم يكن لليابان أو ألمانيا، اللتين جربتا هدم المدن، وتعاطف معهما العرب، أن ترحبا بمجزرة ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، وكذلك، فإن أمريكا وبريطانيا اللتين أنشأتا إسرائيل، لم تكونا بمثل هذا الموقف العلنى، الداعم لاستمرار هذه المجزرة، فعلى الأقل كانتا تتمسحان فى الرباعية الدولية للسلام، ومنظمات حقوق الإنسان، وما يسمى «نشر الديمقراطية» بالثورات الملونة.
وصل السعار والجنون مداه، وعاقبة هذا الجنون، هو تغيير شامل فى رقعة الشطرنج.
ستنتهى هذه المجزرة، وستكون دماء الضحايا مشاعل تنير طريق الظلام، وسيعرف هؤلاء القتلة، أننا لسنا ميدان رماية، وأن الإقليم العربى هو الكتلة الحرجة فى أى نظام دولى محتمل، وتحديدًا مصر «الأمة والإقليم القاعدة» حسب أدبيات الساسة الكبار الذين يفهمون بعمق.