قدرت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فى فلسطين، بأن الاحتلال الإسرائيلي قتل نحو 1700 طفل منذ السابع من أكتوبر الماضي، وامتلأت صفحات الميديا بدراما المشاهد الموجعة، ممن استطاع الأحياء في غزة توثيقها جراء القصف المتوالي من قبل جيش الاحتلال للمدارس والمستشفيات بالقطاع، ومنها، بحث أم مكلومة عن طفلها يوسف وهي تصفه للواقفين بأن "عمره سبع سنوات شعره كيرلي وأبيضاني وحلو"، لتفاجأ في النهاية باللحظة الواقعية بأنها فقدت يوسف إلى الأبد، وغيرها من المشاهد المتكررة التي تفجر مدامع الجبال، للموت والخراب والدمار.
ولم يخلو الأمر من قبل مرتادي السوشيال ميديا وهم يعرضون مقطعا من مسرحية "الانفجار الجميل" للفنان الراحل سمير غانم، ويقول فيه الابن، الذي جعله مصممو الفيديو يتحرك وعليه علم الكيان، يقول لأبيه إن زميله في المدرسة (ضربه بوشه في إيده) ليلخص المشهد الكوميدي أكبر دراما واقعية سوداء، يخرجها الغرب بجدارة وهو ينحاز انحيازا كليا لما يسميه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، دون الالتفات بذرة اعتبار لما تمارسه تلك الإسرائيل وجيشها المحتل المختل من تدمير وخراب واستسهال للقتل بل والاستمرار في ذلك، بعد أن قصفوا مستشفى المعمداني وكان صوت الغرب يساند المجزرة، حتى أن الأطراف الغربية المشاركة في قمة القاهرة للسلام، قد أجمعوا أن السابع من أكتوبر قد شهد اعتداء على إسرائيليين، يوجب عليه أن يوجهوا صواريخهم وقذائفهم ومدفعياتهم تجاه مدينة مكتظة بالسكان المدنيين العزل ويرتكبون كل يوم عشرات المذابح، وقد قال ممثلو بريطانيا وفرنسا والنرويج وألمانيا وإيطاليا وكندا وغيرهم، إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وحين تحدثوا عن غزة فقط أشاروا إلى الجهود المبذولة في إدخال المساعدات الإنسانية.
لكن مع كل ذلك فقد كان الصوت العربي والإفريقي أيضا حاضرا بقوة وإصرار في وجه هذا التعامي المتعمد لما يحدث على أرض الواقع، لتأتي القمة في سياق مسيرة الجهود المصرية المبذولة منذ السابع من أكتوبر لوقف هذا التصعيد والانتهاك، بعد النجاح في عملية الضغط الدولي لتوصيل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وعبور الشاحنات المحملة بالغذاء والدواء والمياه لتخفيف الأزمة الإنسانية التي يمر بها الشعب الفلسطيني في هذه المحنة القاسية.
وتمثل القمة نقطة تحول مهمة في الصراع، وكانت فرصة قوية لتأكيد صوت مصر المحذر لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية بأن هذا الأمر لن يحدث مهما تكلف، وقد بعثت القمة برسالة تاريخية هامة للعالم أجمع، بما فيه الغرب المتعامي، بأن الصوت العربي إنما يعبر عن جموع الشعوب العربية التي ملأت المحافظات والعواصم لترفض عنجهية وصلف الاحتلال، وتؤكد إقرار الحق الفلسطيني وضرورة وقف وتيرة العنف، التي لن تولد سوى العنف.
وجاءت كلمة الرئيس السيسي معبرة عن موقف مصر التاريخي من قضية القضايا وقضية الأمة، وأنه لن يتم السماح أبدا بتصفيتها على حساب الفلسطينيين أو أي من الدول العربية، لتضع القمة العالم كله، بمنظماته ودوله أمام مسئولياته التاريخية تجاه هذا الملف الذي لم يُغلق بعد، والعمل على وقف حدة التصعيد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وكان الصوت المصري وجميع الأصوات العربية واضحة ومحذرة أيضا بتأكيد الحقائق التي تأتي في مقدمتها حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه وإقرار مصيره ووقف العدوان الغاشم، الذي أسفر عن مقتل وإصابة عشرات الآلاف، والإشارة الواضحة بأن السلام لن يجد له سبيلا في المنطقة سوى بإقرار العدالة وحق الفلسطينيين في وطن لهم، ليتم الخروج من رحم الأزمة الراهنة بإرادة سياسية جديدة تُفضي خلال أمد قريب ومنظور إلى العمل على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن تُعطى أولوية خاصة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى أبناء قطاع غزة، والعمل الحثيث على وقف الحرب الدائرة التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات، تجنبا لمخاطر امتداد رقعة الصراع إلى مناطق أخرى في الإقليم، فمصر ومعها كل صوت عربي مخلص لن تقبل أبدًا بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية بأي صورة، ولن تتهاون للحظة في الحفاظ على سيادتها وأمنها القومي في ظل ظروف وأوضاع متزايدة المخاطر والتهديدات، مستعينة في ذلك بالله العظيم، وبإرادة شعبها وعزيمته".
إن صوت مصر الآن وصوت الوطن العربي كله ينطلق من هتاف الشعوب الغاضبة، التي لم يعد ينطلي عليها هذا التلاعب والاستهتار من قبل المجتمع الدولي الذي استقر على مشهد واحد خلال ثمانين عاما، والذي كشف عن قصور جسيم في إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، ذلك أن مسعاهم كان إدارة الصراع واستمراريته، وليس إنهاؤه بشكل دائم، والاكتفاء بحلول مؤقتة ومُسكنات لا ترقى لأدنى تطلعات الشعب الفلسطيني الذي عانى على مر كل هذه العقود الاحتلال ومحاولات طمس هويته وفقدانه الأمل، لكن هيهات أن يفقد صاحب الوطن والأرض والحق التاريخي الأمل، فهو السلاح الأقوى في وجه الغطرسة، ومهما كانت قوة السلاح وتطورها ومهما كان الزحف والمناصرة للعدوان الغاشم من قبل أمريكا والغرب، فإن صوت الأمل الفلسطيني والعربي الذي يهدر من كل صوب وحدب يقذف الرعب في قلوب المدججين بأسلحتهم، والذين يعرفون تماما أن لا حق لهم في هذه الأرض ويعرفون أنهم لن يمروا، وستبقى الأجيال التي شهدت كل هذه الدماء وكل من فقدوا عوائلهم وأصدقاءهم ومنازلهم غصة كبيرة في حلق الاحتلال الذي كلما زاد في تجبره اختنقت حنجرته، وقد كشف العالم كله تدليسه وإجرامه، وأن الصبح قريبا سيأتي وسيحاكم التاريخ مجرمي الحرب ومعاونيهم وداعميهم، وستبقى فلسطين بقلوب وصرخات عربية مدوية حرة أبية، قدمت النفس الكريمة وبقي الوطن الأغلى.