مأساة "غزة" جرائم ضد الإنسانية

23-10-2023 | 14:24

ليس ما يحدث في "غزة" الآن من مآسٍ، يمكن أن نطلق عليه "جرائم الطغاة رعاة الإرهاب" فحسب؛ بل هو الخذي ووصمة عار في جبين العالم كله، وعلى رأسهم الدول الكبرى والمنظمات الدولية، بعد أن ارتكبت عصابات الكيان الصهيوني أبشع المجازر وحشية ضد المواطنين الأبرياء العزل من سكان القطاع؛ حيث استخدمت القوة والعنف وكل أساليبها الإجرامية والقمعية ضدهم، في ظل قصف نيران طيران جوي، تسببت قنابله في قتل الآلاف الضحايا من المدنيين الأبرياء، غير جثامين الشهداء من الأموات، والمصابين من الأحياء تحت الأنقاض، بعد أن دمرت منازلهم وحرقها، وأصبحت بشائع جرائمهم العلانية حديث العالم ولايزال، بعد أن اتجهت أنظاره نحو "غزة" وهم يشاهدون هذه الجرائم وحشيتها، عبر شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن شناعة هذه المجازر عندما استهدفت قوات الاحتلال مستشفى الأهلي "المعمدان " في "غزة"، وقد أسفر هذا القصف عن سقوط المئات من الشهداء ضحايا هذا العدوان الغاشم وقد وصل عدد الضحايا من الشهداء حسب تقديرات وزارة الصحة الفلسطينية 471 وعدد الجرحى أكثر من 314، جراء هذا الضرب العنيف.

إن اقتراف الحكومة الإسرائيلية لهذه المأساة، والصمت الدولي ضد كل هذه الانتهاكات، إلى جانب الحصار المفروض على "غزة" وقطع جميع المرافق الحيوية عنها من مياه وكهرباء ومواد بترولية، وندرة الخدمات الصحية والعلاجية، وعدم السماح بدخول إمدادات غذائية أو طبية، وأصبح أهالى القطاع يواجهون مشاكل أساسية في نقص هذه الإمدادات التي تعتبر حياة أو موت بالنسبة لهم، ثم إن نظرة الدول الكبرى اتجاه غطرسة إسرائيل واستخدامها القوة المفرطة في الاعتداءات على قطاع غزة، أعطى صورة سلبية لها أمام المجتمع الدولي، في عدم اتخاذها قرارًا رادعًا أو فرض عقوبات ضد إسرائيل؛ لوقف هذه الأعمال البربرية، التى تتعارض وحشيتها مع القانون الدولي الإنساني، إلا أن العدالة فقدت من مجتمعات الدول العظمى، والتي تتشدق بأن العدالة وحقوق الإنسان هي الأساس القانوني لقيام هذه المجتمعات، وأصبح التخاذل الدولي أمام هذه القضية هو الأساس، دون أن تتخذ هذه الدول طريقًا متوازيًا لوقف استخدام القوة الغاشمة من الجانب الإسرائيلي، وما زاد الأمور تعقيدًا هو فشل مجلس الأمن الدولي في وقف إطلاق النار، من أجل إعطاء هدنة لتقديم المساعدات الإنسانية إلى أهالي القطاع، وهذا كان مشروع قد تقدمت به دولة البرازيل، إلا أن التحيز الأمريكى لإسرائيل جعل أمريكا تعترض عليه باستخدام سيادتها في سلطة الاعتراض بحق النقض "فيتو"، وفي مقابل هذا الدعم الأمريكي الأممي والعسكري والمادى والمعنوي تدعمه القوة الناعمة، من صحافة وإعلام، أطلق يد العنان لقوات جيش الاحتلال للاستعداد للتوغل البري في قطاع "غزة"، والتهجير القسري للسكان القانطين فيها، مع الدعوة إلى نقل أكثر من مليون فلسطيني منهم داخل سيناء، ولكن هذا يستحيل أن يتم فرض هذا الأمر الخطير؛ لأنه يتعارض مع سيادة مصر على أراضيها، والحفاظ على أمنها القومي وحدودها السياسية، وسيناء لها جذور عميقة وروح دينية ووطنية متعصبة، لتلك البقعة الطاهرة المقدسة والتي لها طابع خاص في قلب كل المصريين.

ونعود سريعًا إلى المؤتمر الصحفي الذي انعقد بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والمستشار الألماني أولاف شولتس في القاهرة، أمس، إذا تطرقنا لحديث سيادته، تجد أن كلماته كلها تأكيد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإقامة سلام عادل بين الدولتين، ووقف فورى لإطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى أهالي القطاع، ولكن إذا تطرقنا بقوله الأهم وهو توصيل رسالة صريحة إلى أصحاب المخططات الشيطانية، الذين يريدون زرع دولة إرهاب جديدة في سيناء، وهو عن طريق النزوح والتهجير القسري لأهالي القطاع لها، فتجد رفضه التام لهذا الطلب، بأسلوب العقل والمنطق لرجل ذوي مكانة وطنية وإنسانية عظيمة، في حماية وطنه وشعبه والحفاظ على أمن مصر القومي، لقد أجاد سيادته استخدامه للأساليب السياسية وأحاديثه الدبلوماسية التي هي أساس التعامل في كل المجتمعات السياسية الناجحة، بقوله بأن من يحلم لكي تكون سيناء وطن مؤقت لسكان "غزة"، هذا مستحيل مجرد التفكير في خطورة هذا الأمر، وله وجاهة الرد وحسن التصرف في ذلك، لأن تفريغ الدولة الفلسطينية من سكانها سواءً كان الطريق من "غزة" إلى سيناء أو من الضفة الغربية للأردن، له احتمالات كبيرة وخطيرة على السلام الدولي والأمن الاجتماعي، وتقويض القضية الفلسطينية وتفريغها من مضمونها، وفقدان شعبها وتبقى الأرض دون سكانها، بعد أن أصبحو أهلها الأصليون شتاتًا في شتى بقاع العالم؛ لأن وجود عناصر فلسطينية على أرض سيناء يترتب عليه وجود مقاومة مسلحة، تهدد أمن دول الجوار وستتعرض إسرائيل للخطر من قدرة زيادة العمليات العسكرية للمقاومة واتساع نشاطها، وهذا العامل يفرض على إسرائيل التدخل العسكري والعدوان على سيناء، إذا تطلب الأمر في النهاية لهذا العمل للقضاء على هذه المقاومة، والتى جعلت من سيناء قاعدة عسكرية لها، وخصوصًا وأن مصر لم تنتهي من القضاء على المعاقل العسكرية للجماعات التكفيرية فيها، ويوجه الرئيس حديثه إلى الرباط الذى يربط مصر وإسرائيل وهو وثيقة السلام بينهما، فقد تذهب سدى إذا حدثت تغيرات سياسية بالنسبة لتغيير الحدود بين البلدين، هكذا الرئيس السيسي يضع نظامًت دوليًا سليم بتحيزه للقضية الفلسطينية ووقوفه مع العدل والحق، ونبذه للعنف وللحروب والتعصب الأعمى، والحفاظ على سيادة الدولة المصرية ومؤسساتها الوطنية والدعوة إلى التعاون الوثيق بين الشعوب، وحل المشكلات السياسية بين دول الجوار بالطرق السلمية وليس بغطرسة القوة والعدوان على المدنيين الأبرياء، وعلى الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، يجب عليها أعادت التفكير في حل القضية الفلسطينية ودراستها دراسة موضوعية، والوقوف على الحياد على مسافة واحدة بين الأطراف، دون ميل أو تحيز لأحد، مع مطالبة الجانب الإسرائيلي بوقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع "غزة"، أما بخصوص وجود وطن بديل للفلسطينيين في سيناء هذا هو المستحيل بعينه؛ لأن الرأي العام المصري لن يقبل ذلك، ومؤسسات الدولة الأمنية لن تقبل ذلك وبالطبع على رأسها المؤسسة العسكرية، ووجود أهل فلسطين على أرض سيناء كوطن بديل لهم، هو تقويض لعملية السلام وخسارة الدولة جهودها في تنميتها ومكافحتها للإرهاب، وجعلها أفغانستان أخرى، مثل ما حدث للأخيرة، أواخر السبعينيات من القرن الماضي؛ حيث قامت الدول العربية والإسلامية، بدعوة خيرة شبابها للسفر إلى أفغانستان للجهاد، ضد الغزو السوفيتي لها، وبعد هذه الدعوة أنطلق منها تنظيم القاعدة، وجماعة طالبان اللذان كانا لهما خطر داهم من الإرهاب على العالم كله، وهذا ما فسره الرئيس السيسي في حديثه وقوله السديد في الحق بكل مصداقية ودبلوماسية سياسية بدقة ونبل.

 

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: