لم يكن يتخيل أحد أن تقوم إسرائيل – رغم سلسلة جرائمها السابقة ضد الشعب الفلسطيني – باستخدام كل قوتها العسكرية لتدمير قطاع غزة وقتل آلاف الفلسطينيين من الأطفال والنساء والرجال واستخدام كميات من القنابل والقذائف لم تشهدها المنطقة من قبل، بل إن عملية قصف إسرائيل لمستشفى المعمداني في غزة واستشهاد مئات الفلسطينيين من المرضى والعاملين لم يكشف وجه سلطة الاحتلال القبيح أمام العالم فقط؛ بل كشف أيضا عورات النظام العالمي وضعف قدراته على مواجهة التعنت الإسرائيلي، وأظهرت التعامل الأمريكي والأوروبي غير العادل وغير السليم؛ بل والمنحاز تمامًا للموقف الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في واقعة لم يشهدها العالم من قبل، خاصة فيما يتعلق بالدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل رغم جرائمها المستمرة في غزة.
وأعتقد أن الزيارة الفاشلة للرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل، وكذلك زيارة وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين لم تكن للسعي لحل الأزمة ووقف العدوان الإسرائيلي، وانما كانت لإظهار الدعم الأمريكي السياسي والدبلوماسي والعسكري غير المحدود لإسرائيل في تحدٍ صارخ للشرعية الدولية التي تتعامل معها واشنطن، كما تشاء دون النظر لمقدرات الدول الأخرى.
و المؤكد أن السعي الإسرائيلي الخبيث لدفع الفلسطينيين في غزة تجاه سيناء لن ينجح على الإطلاق؛ حيث جاءت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس وخلال المؤتمر الصحفي المشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس بالقاهرة لتؤكد الثوابت المصرية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الأحداث الجارية؛ حيث أكد الرئيس رفض مصر القاطع تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة ونقلهم قسرًا إلى سيناء محذرًا من فكرة النزوح والتي سوف تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية وهو ما تسعى إليه إسرائيل.
ويقينا فإن الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على غزة والتصريحات القوية والواضحة تمامًا التي أطلقها الرئيس السيسي خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي والمستشار الألماني خرجت تمامًا عن السياق الأمريكي والأوروبي الذي كان يسعى للحصول على موقف مصرى أقل حدة تجاه الأحداث باعتبار أن مصر حليف إستراتيجي لأمريكا وأوروبا معا، ولكن تعامل القيادة السياسية مع القضية جاء ليؤكد للعالم كله وللشارع المصري والعربي والإسلامي أن مصر ستظل على موقفها الداعم للقضية الفلسطينية والحق الفلسطيني المشروع في أرضه ونضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي، وضرورة تعامل المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية من منظور شامل ومتكامل يضمن حقوق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
وعلى الرغم مما تقوم به القوات الإسرائيلية المحتلة من عمليات قتل لمئات الفلسطينيين من الأطفال والنساء والرجال وتدمير ممنهج لمئات المنازل في غزة بهدف تحويل القطاع إلى منطقة مخيمات وتهجير سكانه إلا أن كل هذه الممارسات الوحشية لم ولن تتمكن من تغيير الدمار الكبير الذي لحق بالصورة الذهنية لدى العالم كله – بما في ذلك أمريكا وبريطانيا – عن قوة الجيش الإسرائيلي وبراعة الاستخبارات الإسرائيلية وعمليات التأمين غير المسبوقة لإسرائيل والمستوطنات والمبالغ الرهيبة التي تنفقها الحكومة الإسرائيلية على هذه الأجهزة والجهات المختلفة والتي أثبتت عملية "طوفان الأقصى" أنها جهات وهيئات "هشة" لا تستطيع حماية نفسها قبل تقديم الحماية للآخرين، وهو ما دفع الحليف الأول لإسرائيل – واشنطن – إلى إرسال حاملتي طائرات للمنطقة والإعلان عن دعم مادي وعسكري غير محدود للجيش الإسرائيلي، ولكن يبدو أن تداعيات الطوفان الفلسطيني سوف تستمر طويلا، وسيكون لها آثار متعددة على أمن المنطقة وكيفية التعامل مع القضية الفلسطينية في المستقبل رغم الموقف الدولي المنحاز للمعتدي الغاشم على حساب المعتدى عليه.
[email protected]