التهجير القسري في غزة.. جريمة حرب وضد الإنسانية..والقانون الدولي: وسيلة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية

17-10-2023 | 11:43
التهجير القسري في غزة جريمة حرب وضد الإنسانيةوالقانون الدولي وسيلة للتطهير العرقي والإبادة الجماعيةاعتداء الاحتلال على الفلسطينيين
إيمان فكري

مازال الاحتلال الإسرائيلي يمارس جرائم ضد الإنسانية في فلسطين، من قتل أطفال ومدنيين وتدمير للمنازل وتهجير قسري لأهلي غزة من بيوتهم، وغيرها من الانتهاكات الإسرائيلية التي لم تتوقف منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الجماعية حتى هذه اللحظة والوضع يزداد خطورة، خاصة بعد أن طالب الاحتلال سكان قطاع غزة بالنزوح جنوبًا.

موضوعات مقترحة

وحذرت العديد من الدول، من التهجير القسري لسكان قطاع غزة، بعد أن طالب الاحتلال الإسرائيلي سكان القطاع البالغ عدد قاطنيه أكثر من مليوني شخص بالنزوح جنوبًا، وسط مناشدات دولية بفتح ممر إنساني، مع تصاعد القصف الإسرائيلي، وتزايد الحشود على حدود القطاع.

ورفضت الدولة المصرية، تهجير الاحتلال لسكان غزة، وأكد أساتذة القانون الدولي، أن مطالبة الاحتلال سكان القطاع بالنوح جنوبًا يفضح إسرائيل حيث يعد مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وسيعرض حياة أكثر من مليون مواطن فلسطيني وأسرهم لمخاطر البقاء في العراء دون مأوى في مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة وقاسية.

ما هو التهجير القسري؟

وعُرف التهجير القسري، بأن ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها.

ويكون التهجير القسري إما مباشرًا أي ترحيل السكان من مناطق سكناهم بالقوة، أو غير مباشر عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد، وهو يختلف عن الإبعاد أو النزوح الاضطراري أو الإرادي، باعتبار أن التهجير يكون عادة داخل حدود الإقليم، بهدف تغيير التركيبة السكانية لإقليم أو مدينة معينة.

التهجير القسري وسيلة للإبادة الجماعية

ويعد التهجير القسرس، جريمة تتباين في كثير من الأحيان في الأسباب والدواعي، وكذلك النشأة والأهداف قديمًا وحديثًا بين أن تعتمد على الحروب، والصراعات مهما كانت مسوغاتها وأهدافها، فقد تكون توسعية واقتصادية أو دينية عقائدية، والأولى تنحصر في الأطماع والسطوات، وتعتمد على سلوكيات القسوة والقدرة الغاشمة، وميل الذين يديرونها إلى الوحشية والهمجية.

كما تعد هذه الجريمة بحسب القانون الدولي، وسيلة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، ومن الممارسات التي كانت جزءًا من أعراف الحرب، إذ لازمت النزاعات المسلحة الدولية والداخلية، وكذلك الاضطرابات والتوترات الداخلي، وقد مر التهجير القسري بتطور قانوني من خلال تشريعات قانونية دولية وداخلية مختلفة، وكذلك من خلال أحكام المحاكم وآراء الفقهاء، خلال العصور الماضية وصولا إلى التشريعات القانونية الحالية.

ومر هذا التطور في القرن العشرين ما بين اعتباره وسيلة مقبولة من الوسائل المعتمدة في حل المنازعات القومية إلى الرفض التام له بوصفه جريمة دولية، إذا بدء رفض هذه الجريمة دوليًا وتجريمها بوصفها جريمة، تمس حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

لماذا يعد التهجير القسري جريمة حرب ضد الإنسانية؟

بحسب ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 واتفاقيات جنيف لعام 1949، وكذلك البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، والكثير من الإعلانات والمواثيق والاتفاقيات والمؤتمرات الدولية، التي تضمنت نصوصًا قانونية جرمت التهجير، وقد عد ذلك مبدأً عالميًا، فالتهجير القسري يعد من أشد الجرائم التي عانت منها البشرية في  الماضي والحاضر، ومن أكثر الجرائم الإنسانية لما تتضمنه من اقتلاع للإنسان من جذوره وماضيه، وذكرياته التي عاشها.

كما أنه مخالف لاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 47/133 المؤرخ 18 ديسمبر 1992، التي تنص في مادته الأولى، بأنه لا يجوز تعريض أي شخص للاختفاء القسري، ولا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري. 

وتنص المادة الخامسة من ذات الاتفاقية، بأنه "تشكل ممارسة الاختفاء القسري العامة أو المنهجية جريمة ضد الإنسانية"، ونصت المادة السادسة من الاتفاقية تتخذ كل دولة طرف التدابير اللازمة لتحميل المسؤولية الجنائية على أقل  تقدير لكل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئًا أو يشترك في ارتكابها.

وأكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والعقد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية التي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر عام 1966، أن الفرد له حرية أساسية، وهي حرية المسكن أو يتحرك متنقلًا من مكان إلى آخر فيتجلى بذلك حرية التنقل بوصفها من الحقوق الأساسية اللصيقة بشخصية كل إنسان، إلا أن هذه الحقوق كثيرًا ما تنتهك بجريمة بشعة وهي جريمة التهجير القسري.

ويُعرف القانون الدولي التهجير القسري بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية، وقد عرف أيضاً القضاء الجنائي الدولي التهجير القسري بأنه جريمة ضد الإنسانية  ترتكب لإبعاد مجموعة من الأشخاص عن موطنهم الأصلي إلى مكان آخر لأغراض سياسية أو عرقية أو دينية أو أغراض أخري، والتهجير القسري يعد انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، ومخالفًا لأحكام القانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي.

ووفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة يقع التهجير القسري، بأنه "إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان متى ارتكب بطريقة متتابعة ومنظمة أو على نحو واسع النطاق ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، ومن ثم تعد جريمة ضد الإنسانية وذلك بنقل الأشخاص المدنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصورة مشروعة بالطرد أو بأي فعل قسري آخر من دون مبررات يسمح بها القانون الدولي".  

سياسة ممنهجة مخالفة للقانون الدولي

واتبعت إسرائيل السياسة ممنهجة منذ عام 1967 لتغيير الواقع الجغرافي والسكاني في القدس، بحسب الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي، الذي أكد أن هذه السياسة الإجرامية والمخالفة للقانون الدولي تعتمد على التهجير القسري لآلاف الفلسطينيين من المدينة، وهي السياسة التي طبقت أيضا في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويعد التهجير القسري جريمة ضد الإنسانية ويندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعي، حيث أنه يعتبر نقل السكان المدنيين من وإلى أماكن غير أماكنهم الأصلية، أو إبعاد المدنيين من منطقة إلى منطقة أخرى غير التي يشغلونها، ضد إرادتهم وبدون توفير أشكال مناسبة من الحماية القانونية أو غيرها من أشكال الحماية الأخرى، ومن إمكانية الوصول إلى الحماية.

ويؤكد أستاذ القانون الدولي العام، أن العقيدة الإسرائيلية لم يؤثر فيها تبدل الحكومات والأحزاب والأشخاص، وتجعل مركزيتها في صراعها مع العرب والفلسطينيين، خاصة ترويج النظام والمشروع الصهيونيين كضحية لتبرير العدوان والغزو وقتل المدنيين الفلسطينيين بوصفهم القتلة المشروع استهدافهم، وبعض النظر عن كونهم مدنيين عزلا غير منخرطين في أي قتال، ومن بين هؤلاء آلاف الأطفال الذين قضوا جراء القصف الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس وغزة والضفة الغربية.

وعلى مدى العقود الماضية قامت سلطات الاحتلال الصهيوني بتهجير عدة عائلات قسراً من حي الشيخ جراح، وذلك في سياق استغلال سلطات الاحتلال الصهيوني المختلفة التشريعية والتنفيذية والقضائية انتهاء السيطرة الأردنية بالقدس، وأن وصلت الاعتداءات الصهيونية في حي الشيخ جراح لذروتها في 10مايو عام 2021 عُلق تنفيذ القرار الصادر عن المحكمة “الإسرائيلية” إلي أجل غير مسمي، لكن استمرت اعتداءات قوات الاحتلال الصهيوني علي السكان و منازلهم .

ويوضح الدكتور أيمن سلامة، أن فلسطين تشهد محاولات مستمرة لتهجيرهم خلال عقود خلت حاولت سلطات الاحتلال تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم، في النقب والأغوار ومدن الضفة الغربية، وأبرزت قضية حي الشيخ جراح، والانتهاكات الجسمية المُمنهجة والتي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتعد جريمة التهجير القسري للسكان المدنيين الخاضعين للاحتلال أحد هذه الانتهاكات الجسيمة، والتي تكشف عن سياسيات عامة ممنهجة للاحتلال.

النزوح القسري انتهاك لاتفاقية جنيف

ومصطلح "قسريًا" لا يقتصر على القوة الجسدية فقط، ولكنه قد يشمل التهديد باستخدام القوة أو الإكراه، مثل تلك الناتجة عن الخوف من العنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استخدام السلطة ضد هذا الشخص أو الأشخاص المهجرين قسريا، كما أن مطالبة المدنيين بالنزوح القسري تنتهك بوضوح مواثيق القانون الدولي، وتحديدا اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر النقل الجماعي القسري للسكان المدنيين،

كما يؤكد أستاذ القانون الدولي العام، أن المسئولية الدولية عن ارتكاب جريمة التهجير القسري بوصف أنها جريمة حرب ضد الإنسانية حين ترتكب خلال السلم، وهنا المسئولية الدولية نوعين، مسئولة الدولة التي ترتكب هذه الجريمة كما الحال في إسرائيل وهي مسئولية مدنية تعويضية، والدولة تقوم بتعويض الدولة الأخرى وهي فلسطين باعتبار أن قطاع غزة من ضمن الإقليمي لفلسطين، ويمكن أيضا تعويض الضحايا سواء ماليا أو المساهمة في الإعمار مرة أخرى، وهنا نتحدث عن الفرضية القانونية وليس مدى إمكانية حدوث ذلك.

أما المسئولية الدولية أيضا، وهي مسئولية دولية جنائية فردية، يعني مرتكبي جريمة التهجير القسري في أثناء هذا النزاع المسلم، فبحسب "سلامة"، فهم يرتكبون جريمة حرب، وهذه الجريمة مدونة في المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وفي هذه الحالة كل المسئولية تقع على القادة الإسرائيلية عسكريا وسياسيا والوزراء الإسرائيليين الذين حضروا اجتماعات سواء كانت اجتماعات للكنيست أو اجتماع مصغر للحكومة الإسرائيلية، وأصدروا الأوامر ووافقوا على ارتكاب الجريمة، وهي تهجير الفلسطينين دون إرادتهم من الشمال إلى جنوب قطاع غزة، ويمكن ملاحقتهم بواسطة المحكمة الجنائية الدولية وعشرات الدول التي تعمل وتطبق مبدأ الاختصاص القضائي العالمي.

احترام قواعد القانون الدولي الحل لتحقيق الأمن والسلام للمنطقة

وحث أساتذة القانون الدولي، المجتمع الدولي على الضغط على إسرائيل لوقف هذا الإجراء غير القانوني فورًا والامتناع عن أي خطوات أحادية تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أن احترام قواعد القانون الدولي وإنهاء حالة الاحتلال، هو السبيل الوحيدة لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة.

وختم الخبراء، قولهم بأن مصر كانت وما زالت الداعم الأبرز للقضية الفلسطينية العادلة، وستواصل جهودها على كافة المستويات من أجل نصرتها وفقًا لمبادئ الشرعية الدولية، والبيانات الرسمية تعكس التزام القيادة السياسية بدعم الشعب الفلسطيني وفضح الممارسات غير الإنسانية للاحتلال بحقه، داعين العرب للاقتداء بهذا الموقف الثابت وتعزيز دعمهم للقضية الفلسطينية على كافة الأصعدة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: