«الزراعات التعاقدية» وسيلة لضبط التسويق والأسعار

16-10-2023 | 15:37
;الزراعات التعاقدية; وسيلة لضبط التسويق والأسعارالزراعات التعاقدية
سحر فاوى
بوابة الأهرام الزراعي نقلاً عن

فى ظل الارتفاع غير المسبوق فى أسعار السلع الغذائية الذى تشهده البلاد حالياً، أصبحت هناك ضرورة لتطوير وتحسين الكفاءة التسويقية للحاصلات الزراعية، لمساعدة صغار المزارعين على تسويق منتجاتهم، وتقليل الوسطاء وضمان وصول السلعة بسعر أقل للمستهلك.

 وتعتبر الزراعة التعاقدية أسلوباً مناسباً، لمواجهة سلبيات التسويق فى مصر، وأحد أهم أشكال التطوير التسويقى، كما يؤكد الدكتور خيرى حامد العشماوى- أستاذ الاقتصاد الزراعى بالمركز القومى للبحوث من خلال هذا الحوار......   

  • بداية ما مفهوم الزراعات التعاقدية؟ ولماذا يجب الاتجاه للتوسع فى استخدام هذا النظام؟

تعتبر الزراعات التعاقدية أحد طرق التطويرالتسويقى لدعم المنتجين للوصول إلى الأسواق، وأسلوباً مناسباً لمواجهة سلبيات التسويق فى مصر.

وهى اتفاق توريد للمنتجات الزراعية بناءً على سعر مسبق، وبناء على مواصفات جودة معينة، ويتم تقديم خدمات معينة مثل مستلزمات الإنتاج، أو خدمات إرشادية أو تمويلية، فى ضوء عدم توافر المعلومات التسويقية وضعف دور التعاونيات.

حيث يتم اتفاق أو تعاقد بين البائع وهو المزارع والمُنتج نباتى أو حيوانى، والمشترى سواء شركات أو أفراد يعملون فى التصنيع أو التسويق، ويوضح العقد شروط وحقوق وواجبات طرفى التعاقد.

وقد أصبح تطوير النظم التسويقية مهم جداً بعد تبنى مفهوم السوق الحرة، وظهور سلاسل التجارة الكبرى والاهتمام بالجودة والمواصفات، لذلك فإن تحسين الكفاءة التسويقية للحاصلات الزراعية من خلال تعميم الزراعة التعاقدية على جميع المحاصيل الزراعية، ودمج دور الجمعيات التعاونية فى الزراعة التعاقدية لضمان تنفيذ شروط التعاقد، ومساعدة  صغار المزارعين على تسويق منتجاتهم، وإنشاء قاعدة بيانات مركزية تربط بين الجمعيات التعاونية على مستوى المراكز وبين أسواق الجملة المركزية، أو بينها وبين سلاسل السوبرماركت (التسويق الالكترونى)، وإيجاد الحلول التى يمكن بها تحقيق العدالة فى توزيع جنيه المستهلك، وتقليل الوسطاء ومن ثم تخفيض الهوامش التسويقية، ووصول السلعة والمنتج بسعر أقل للمستهلك، وتحقيق قيمة مضافة للمنتج.

  • ما هى سلبيات التسويق فى مصر؟ وما النتائج المترتبة على ذلك؟

تعدد الوسطاء، وارتفاع التكاليف التسويقية، وحدوث تقلبات سعرية من موسم إلى آخر، وارتفاع معدلات الفاقد والتالف من المنتجات الزراعية.

 بالاضافة لضعف ومحدودية وعدم كفاءة الخدمات التسويقية، وبخاصةً ما يتعلق بالفرز والتدريج والتعبئة والتخزين والنقل والتجهيز، ويدخل فى ذلك سوء الأوضاع فى أسواق التعامل، وما يترتب عليه من ضعف مستويات الجودة والسلامة للمنتجات.

أيضاً تعدد الحلقات التسويقية، والارتفاع الملحوظ للهوامش التسويقية على حساب كل من المزارعين والمستهلكين، فالمزارعون لا يحصلون على أسعار مجزية لمنتجاتهم، والمستهلكون يدفعون أسعاراً تفوق المستويات العادلة لما يشترونه.

وهذه الظواهر وغيرها، تعكس فى محصلتها العامة مستوى الأداء المتدنى لنظم وأوضاع التسويق الزراعى فى مصر، وتكشف عن أهم العوامل السلبية وراء ذلك من سوء أحوال الزراعة والمزارعين، وخاصةً ذوى الحيازات الصغيرة والمتوسطة.

أيضاً وجود بعض الفئات التى من صالحها استمرار الأوضاع القائمة، مثل كبار تجار الجملة، والوسطاء والسماسرة وتجار التجزئة.

  • ما هو الوضع الحالى للزراعة التعاقدية فى مصر؟ وتقييمكم لمستوى الأداء بين التجار والمزارعين؟

بعد صدور القانون لم توجد أى طفرة فى الزراعات التعاقدية خلال الفترة السابقة، ولكن فى 17 مارس 2021  وجدنا اهتمام الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الزراعة بعملية الزراعات التعاقدية، وأعلنت الحكومة عن تطبيق الزراعة التعاقدية فى فول الصويا وعباد الشمس، وأعلن رئيس الوزراء بأن الزراعة التعاقدية تستهدف تقليل فاتورة استيراد سلع استراتيجية.

وبالفعل بدأ تطبيق الزراعة التعاقدية لمحاصيل فول الصويا وعباد الشمس، لتقليل الواردات من المحاصيل الزيتية ومحاولة سد الفجوة منها والتى تصل لـ 95 % من احتياجاتنا، وتم تحديد سعر البيع من قبل قطاع الزراعة التعاقدية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بواقع 8000 جنيه للطن لمحصول فول الصويا، ونحو 8500 جنيه للطن لمحصول عباد الشمس، وقام التجار بوضع سعر أعلى بواقع 11000 جنيه للطن، مما دفع المزارعين للبيع للتجار والمصانع، والعزوف عن توريد المحصول لقطاع الزراعة التعاقدية.

وحاليا يوجد العديد من أنماط الزراعة التعاقدية فى مصر، وخاصةً فى مجال إنتاج التقاوى والزراعات البستانية، خاصةً الموجهة نحو التصدير والتصنيع، إلا أنه لا تتوافر بيانات إحصائية كافية، أو رسمية عن طبيعة هذه الزراعات وأنواع العلاقات التعاقدية، أو المساحات التى تشملها تلك العقود.

هل توجد نماذج ناجحة لتطبيق الزراعة التعاقدية فى مصر؟

بالرغم من تطبيق الزراعة التعاقدية منذ فترة طويلة فى الدول المتقدمة وبعض الدول النامية، إلا أنه تم تطبيقها مؤخراً فى مصر وبشكل غير رسمى، حيث كانت تتم من خلال شركات تسويق الحاصلات الزراعية أو بعض الجمعيات الأهلية، ولكن بدأت الزراعة التعاقدية فى الآونة الأخيرة تحظى باهتمام كبير من قبل صانعى القرار بالدولة، وهناك أمثلة لتطبيق الزراعة التعاقدية فى مصرمن خلال تجربة ناجحة لأحد مؤسسات المجتمع المدنى فى تصدير الخضار والفاكهة من خلال الزراعات التعاقدية، واهتم المشروع بتدعيم القدرة المؤسسية للجمعيات من خلال التدريب، والربط بين هذه الجمعيات ومصدرى الحاصلات غير التقليدية، ومشاركة المرأة فى كل أنشطة الجمعيات وفى إدارتها، وتوفير كادر فنى من أعضاء الجمعية قادرعلى التسويق والتفاوض للحصول على أفضل الأسعار، والاعتماد على أسلوب الزراعات التعاقدية مع الشركات التصديرية وشركات التصنيع الزراعى.

وقد اعتبرته وزارة الزراعة نموذجاً ناجحاً لمشروعات الزراعة التعاقدية فى مصر فى استراتيجيتها 2030.

هل يساعد التوسع فى نظام الزراعة التعاقدية على تنظيم تسويق الحاصلات الزراعية فى مصر والنهوض بها؟

بالفعل يؤدى إلى حل كثير من المشاكل التى تواجه إنتاج هذه الحاصلات، على سبيل المثال الأرز من المحاصيل الصيفية المستهلكة للمياه، وتسعى الدولة لتنظيم إنتاجه وفق مساحات محددة، ومن خلال النظام التعاقدى للأرز تقل أو تنعدم احتمالات التلاعب فى المحصول أو خلق سوق سوداء، أو تصديره خارج الكميات المصرح بها، والتوسع فى نشر الأصناف الهجين، وعالية الإنتاجية والتى تشغل الأرض لفترات أقل، وتستهلك كميات أقل من مياه الرى، كما أن الزراعة التعاقدية تحد كثيراً من تقلبات الأسواق، وذلك من خلال القضاء على الممارسات الاحتكارية للتجار والوسطاء، كما يمكن ضبط سوق المنتج الثانوى (الردة)، والحد من التلاعب فى أسعار هذا المنتج وتسويقه، وحصول المزارعين على أسعار مجزية وعادلة.

أيضاً بالنسبة لحاصلات الخضر والفاكهة مثل (البطاطس، العنب)، فهناك سلبيات فى النظم التسويقية، أهمها حصول المنتجين على أسعارغير مجزية، وتحمل المستهلكين لأسعار مرتفعة غيرعادلة، مع ما يصاحب ذلك من ارتفاع نسبة الفقد والتلف، وتدنى مواصفات الجودة، وتقلبات الأسواق الكبيرة،

 ومع انتشار النظم الحديثة لمتاجر التجزئة (سلاسل السوبر ماركت، وسلاسل المطاعم إلى جانب المجمعات الاستهلاكية، وما شابهها) يتطلب تحديثاً فى نظم التسويق والتوريد إلى هذه المتاجر، التى أصبحت تتعامل يومياً فى كميات كبيرة من منتجات الخضر والفاكهة بجودة أفضل وأسعار أقل لصالح المستهلكين، وحصول المزارعين المتعاقدين على أسعار مجزية وعادلة، وعدم الخضوع لاستغلال السماسرة والوسطاء والمحتكرين.

  • كيف يمكن التوسع فى نظم الزراعة التعاقدية؟

من خلال تفعيل دور مركز الزراعة التعاقدية، فعلى الرغم من إنشاء المركز منذ أكثر من خمس سنوات، إلا أنه لم تتح له الفرصة للقيام بالدور المنوط به بشكل كامل حتى الآن، وتفعيل دوره يتطلب اتخاذ العديد من الإجراءات التنفيذية ومنها:

* إعادة النظر فى اللائحة التنفيذية المقترحة للمركز، والتى نصت على قيامه بتسويق المحاصيل والمنتجات الزراعية، وهوما يخرج المركز عن الدور المنوط به والذى حدده له القانون، والمتمثل فى الترويج للزراعات التعاقدية، وتحكيم المنازعات الخاصة بالعقود.

* توفير الميزانية المناسبة والتى تمكن المركز من تأدية رسالته.

* ربط المركز بالبورصات العالمية للسلع الزراعية، ليتمكن من توفير المعلومات الكافية للمنتجين والمسوقين، وحماية صغار المزارعين والمواطنين من تقلبات الأسعار.

ويجب أيضاً إصدار تشريع لحوافز وضوابط الزراعة التعاقدية.

ما هو موقف المزارعين من نظام الزراعة التعاقدية؟

وفقاً لدراسة أجريت حول مفهوم الزراعة التعاقدية ومدى أهميتها وعيوبها، تبين أن 58 % من عينة الدراسة أوضحوا أن من عيوب الزراعة التعاقدية عدم التزام الشركات المتعاقدة بالشروط المتفق عليها بالعقد، كما أوضح 47 % من مزارعى عينة الدراسة أن الزراعة التعاقدية غير عادلة وغير مضمونة، وأحياناً تكون مجحفة للمزارع، ذلك لأن الشركة المتعاقدة تتحكم فى المزارع، ويمكنها تغيير السعر بحجة عدم مطابقة الصنف للمواصفات المطلوبة، فى حين أشار 45 % من مزارعى عينة الدراسة، أن عدم وضوح شروط التعاقد وعدم توافر الشفافية من عيوب الزراعة التعاقدية، لذا لابد من وجود نماذج استرشادية للعقود، كذلك لابد من وجود تشريع ملزم لجميع أطراف العقد للوفاء بالتزاماتهم.

هل هناك توصيات من شأنها تضمن تحسين دور الزراعات التعاقدية؟

يجب إبرام عقد مسجل بقطاع الزراعة التعاقدية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، بين المزارع والجمعيات التعاونية المعنية بتسويق المحصول، حيث يقوم المزارع بتوريد المحصول لمحطات التجميع التابعة للجمعية، وتقوم الجمعيات بتوريد المحصول للشركات المتعاقدة سواء الشركات التابعة لوزارة التموين، والتى بدورها تنقل المحصول لمنافذ بيع ثابتة تابعة للوزارة، أو سيارات التوزيع التابعة أيضاً للمزارع، وبالتالى نضمن وصول المنتجات بسعر أقل إلى المستهلك النهائى.

 أما دور قطاع الزراعة التعاقدية فيتلخص فيما نص عليه قانون الزراعة التعاقدية لسنة 2015 وهو( وضع آليات تنفيذ العقود وفض المنازعات بين الأطراف المتعاقدة).

ويقوم قطاع الزراعة التعاقدية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، بالإشراف على تنفيذ العقود، ويعمل كحلقة وصل بين الشركات الكبرى التى لا يمكنها التعامل مع صغار المزارعين، أو مع الجمعيات التعاونية، وكذلك تحديد المحاصيل المراد التوسع فى زراعتها، ولابد أن تكون الأولوية للمحاصيل الاستراتيجية مثل (القمح، والأرز)، والمحاصيل الزيتية لسد الفجوة وتحقيق الاكتفاء الذاتى، ووضع نماذج استرشادية للعقود التسويقية، ووضع شروط التعاقد بين أطراف العقد ووضع آليات تنفيذ العقود.

ويجب إلزام الشركات المتعاقدة باستلام كمية المحصول المتفق عليه فى العقد، ودفع سعر المحصول على حسب نظام التعاقد، وتحديد المواصفات المطلوبة فى المنتج.

ويجب على الحكومة الإسراع فى وضع اللائحة التنفيذية والمالية لقطاع الزراعة التعاقدية، ووضع قوانين وتشريعات ملزمة يمكن الاحتكام إليها فى حالة حدوث خلاف أو نزاع، وتشجيع تجار الجملة للمنتجات الزراعية نحو الاستثمار فى إقامة مراكز التجميع والفرز والتدريج والتعبئة فى مناطق التجمعات الإنتاجية، وضع حوافز للقطاع الخاص وسلاسل السوبر ماركت والمجمعات الاستهلاكية وشركات التوريدات الغذائية، لتشجيعهم على الاستثمار فى إقامة شركات متخصصة فى التسويق الزراعى التعاقدى.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: