والعلمُ يرفعُ بيتاً كَان منخفضاً
والجهلُ يخفضُهُ لوْ كَان ما كانَا
(سلمان بن سمحان)
سيظل التاريخ هو المعلم للشعوب الواعية.. وها نحن نمر بالذكرى الـ 50 لنصر أكتوبر المجيد.
وملحمة أكتوبر تحمل العديد من الدروس التى وقفت أمامها العديد من الدول، وتغيرت بها العديد من المفاهيم العسكرية والمفاهيم السياسية.. ليس على مستوى القيادات فحسب بل أيضاً على مستوى الشعوب.
وملحمة نصر أكتوبر بدأت فعلياً بدرس رائع من الشعب، وتحديداً فى 9 يونيه 1976 بعد أن أعلن الرئيس جمال عبد الناصر فى خطابه إلى الشعب بعد النكسة، وأعلن تحمله كامل المسئولية، كما أعلن تنحيه عن الحكم وعودته جندياً فى صفوف الشعب.. وهنا كان درس الشعب المصرى للعالم، حينما خرجت جموع الشعب المصرى إلى الشوارع والميادين، ليست فى مظاهرات غضب تحطم وتحرق، بل فى مظاهرات تحدٍ وفى إعلان أن الحرب مستمرة، وكان الهتاف الجمعى لملايين المصريين فى هذا اليوم هو: (هنحارب، هنحارب).. فى هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ مصر والمصريين كانت هى بذرة نصر أكتوبر، عندما هزم الشعب الهزيمة وعندما ساند الشعب قائده الذى كسرته المعركة وشدَّ من أزره، وأقام ظهره أمام العالم، وهو فى الحقيقة لا يقيم ظهره هو فقط، بل يقيم ظهر الشعب المصرى بأكلمه، بل والأمة العربية كلها.
هذه العودة السريعة والاستفاقة الرائعة من الشعب المصرى نراها تتكرر كثيراً على مدار تاريخه، فنجد أن الشعب والجيش المصرى هو الذى أوقف زحف التتار والمغول، وكافح الاستعمار الإنجليزى، وحافظ على هويته التاريخية، هو نفسه الشعب الذى وقف خلف أحمد عرابى، وخرج مؤيداً أبناءه الشباب من الضباط الأحرار فى ثورة يوليو 1952، وهو نفسه الشعب الذى وقف خلف الشباب فى 2011 ثم خرج فى 2013 ليعيد تصحيح المسار، بعد أن شاهد مصر على حافية هاوية، فخرج لحماية مصر وحماية هويتها، ولفظ من بين جنباته المتاجرين بالدين وتجار الشعارات.. وهو نفسه الشعب الذى حفر قناة السويس، وعندما تم استدعاؤه لتمويل ازدواج القناة لبى النداء وغطى تكاليف المشروع فى 6 أيام فقط، هو نفسه الشعب الذى تحمل – ثقة فى الرئيس عبد الفتاح السيسى – قرارات الإصلاح الاقتصادى وتبعاتها..
هذا درس الشعب الذى يقف وخلفه حضارة ممتدة منذ أن بدأ التاريخ، درس من شعب عجز العالم أن يفسر مواقفه، والتى نراها ونلمسها فى الأزمات.. الأزمات التى تجعل دولاً كبرى تنهار، فإذا بها فى مصر تنكسر أمام إرادة هذا الشعب الصلبة ومعدنه الأصيل، والذى ينجلى من خلال الأزمات.
أما درس القيادة فهو أكثر من موقف.. أولها عندما صارح الرئيس عبد الناصر الشعب بحقيقة الموقف وجد الشعب مسانداً له ولقراراته.
والثانى هو القيادة المتفردة للرئيس محمد أنور السادات، لمرحلة من أخطر المراحل التى مرت بها مصر، فى ظل ظروف قاسية، وتحمَّل فى سبيل تحقيق الهدف الذى وضعه نصب عينيه من أول يوم ما لا يطيق أحد أن يتحمَّله، تحمَّل ضغطاً عالمياً وصل إلى مرحلة الاستهزاء والسخرية، تحمَّل ضغطاً داخلياً ممن أطلق عليهم مراكز القوى، التى استفادت من مرحلة الحكم السابقة وليس لها مكان فى هذه المرحلة الجديدة، التى فراحت تنشر الفتنة وتنشر بذور الحقد والكراهية والتشكيك فيما يقوم به، وتحمَّل أيضاً الضغوط الخارجية الرافضة لتسليح القوات المسلحة.
وهو يسير فى طريقه نحو هدفه الذى خطط له بعناية، مع قادة القوات المسلحة المصرية والحكومة وأجهزة الدولة المعنية، مشروعات تدريبية لكل خطوة ولكل عملية ولكل مرحلة، تخطيط علمى دقيق لجميع مراحل العبور واجتياح خط بارليف.. دراسات مكثفة شملت كل التفاصيل الدقيقة التى وصلت إلى مرحلة ماذا يحمل الجندى، وهل سيتحمل أن يحمل تسليحه وذخيرتة وغذاءه لمدة لا تقل 3 أيام خلال عبور قناة السويس أو صعود الحاجز الترابى، ودور الحكومة فى توفير احتياجات المواطنين خلال أيام المعركة، والتى ستتوقف خلالها عمليات الشحن والنقل من خارج مصر إلى داخلها، كل هذا وهناك عدو رابض على الشط الآخر لقناة السويس يستطيع أن يرى بالعين المجردة أو بالمنظار العسكرى تحركات قواتنا المسلحة فى المواجهة، وهذا ما تكفلت به خطة الخداع والتى خدعت العالم كله، والتى أوهمت العالم أن مصر لا تخطط للقيام بأى عملية للعبور..
تعالوا نتأمل كل هذا اليوم فى عصر السوشيال ميديا، وما أفرزته من أمراض ومن تشكيك، ومن زرع فتن لا حصر لها كيف كان سيكون حالنا!!
إن درس الشعب ودرس القيادة فى غاية الأهمية وهو أن نكون مؤمنين بقدرتنا جيداً، لا نستهين بتاريخنا أبداً ولا نقبل أن نكون فى وضع لا يليق بمكانة مصر ولا مكانة تاريخها.
إننا اليوم أمام تحدٍ من نوع جديد وهو تحدى التنمية وتحدى وضع مصر فى المكانة التى تليق بها وبمكانتها، على المستوى الإقليمى وعلى المستوى الدولى، نعم هو تحدٍ فى ظل وجود قوى إقليمية وقوى عالمية لا تريد لمصر هذه المكانة، ومع عصر السوشيال ميديا والفضائيات وجدت هذه القوى الإقليمية والعالمية أبواقاً لها، تنشر بذور الفتنة والتشكيك حتى ندور فى دوائر مفرغة، ويغيب عنا هدفنا، الحقيقة كان يطلق على هؤلاء فى الماضى (الطابور الخامس) واليوم هو ما يطلق عليه حروب الجيل الرابع والجيل الخامس.. حروب مصممة لتحطيم إرداة الشعب وكسر عزيمتها..
إن ما حققته مصر فى السنوات الأخيرة هو معجزة حقيقية بكل المقاييس العالمية المنصفة.. معجزة تنمية ومعجزة اقتصادية ومعجزة صمود فى وجه هذه التحديات، مصر اليوم ليست هى ما كانت عليه فى 2011 أو فى 2014، الرؤية التى وضعها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي نصب عينيه منذ أول يوم كانت واضحة وأعلنها للجميع حين قال (مصر أم الدينا وهتبقى إن شاء الله قد الدينا)، وحينها أيضاً قابلتنا موجات السخرية على صفحات التواصل الاجتماعى..
اليوم مصر بالفعل على الطريق الصحيح لتكون فى موضعها اللائق، عاصمة إدارية جديدة على أحدث النظم، مدن عملاقة جديدة فى كل بقعة فى مصر العلمين الجديدة، المنصورة الجديدة، أسوان، المنيا، الجلالة، الإسماعيلية.. وغيرها، مشروعات طرق ونقل على أحدث النظم، مشروعات صناعية متطورة فى كل موقع، استزراع سمكى وصوبات زراعية واستصلاح أراضى، تطوير فى جميع القرى المصرية من خلال المشروع العملاق حياة كريمة، مشروعات رعاية اجتماعية القضاء على العشوائيات فى كل المحافظات مشروعات رعاية صحية وقرب إعلان مصر خالية من الفيروس الكبدى الوبائى.. وغيرها الكثير..
هى لمحة من دروس النصر فيها دروس الشعب ودروس القيادة..
وَللهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.
حَفِظَ اللهُ مِصْرَ وَحَفِظَ شَعْبَهَا وَجَيْشَهَا وَقَائِدَهَا..