تعددت الأسلحة وتعددت الحروب وكأن الحرب عليك هي المكتوب يا ولدي، منذ ولدنا ونحن نسمع عن حروب قائمة وحروب مضت، في شتى أرجاء المعمورة، ما فات عرفناه من كتب التاريخ والبعض قدمته أعمال درامية متنوعة والحالي نشاهد تغطياته من خلال الفضائيات، وتبقى الحرب الفلسطينية الصهيونية جارية، تشتعل أحيانا وتهبط أحيانا أخرى، ولكن طوفان الأقصى الأخير جاء بطريقة مختلفة هذه المرة فقد بدأ بتفجيرات وحصد لأرواح الصهاينة ولكن الفرحة لم تكتمل فقد لملمت إسرائيل نفسها واحتضنتها ماما أمريكا وبعض الدول الأخرى ذات الحيثية، لترد الهجمة الحماسية بأخرى أشد وطأة بلا رحمة رغما عن أن أول ما تعلمناه بخصوص الحرب من ديننا الحنيف هو مراعاة الأطفال والنساء والشيوخ، فضلا عن أن قوانين الإنسانية بعيدا عن الأديان تستوجب مراعاة نفس المفردات، وإلا سوف يتحول العالم الى حالة من الخراب يعقبه دمار شامل.
لكن العدو الصهيوني المتعجرف لا يسمع إلا للسان حاله ولا يفهم إلا لغته ولا يعترف إلا بمصالحه، مهما تكاثر العالم أمامه، بالإضافة إلى أن الجاليات اليهودية منتشرة في أروقة وحارات العالم أجمع على سبيل السيطرة الجغرافية والتحكم في مقاليد السياسات العالمية.
وما حدث مؤخرا في غزة نوع جديد من الحروب سبق أن نوهت عنها في مقالات عدة، وهي الحرب العالمية الناعمة، والحرب الرقمية، وتجلى هذا حين تم قطع الاتصال سواء بالإنترنت أو الهواتف عن غزة، بالإضافة إلى قطع الكهرباء حتى لا يتمكن أي مواطن فلسطيني من شحن أجهزة الاتصال والتواصل، وبناء عليه لم نعد قادرين على متابعة الأحداث الفلسطينية ومضاعفاتها بموضوعية إلا ما تيسر من بعض الأخبار المزيفة والأحداث غير الحقيقة التى تبثها قنوات العدو إلى العالم.
الحرب قديما كانت قائمة على التخطيط والإعداد والتدريب والأسلحة ومدى حداثتها وقوتها، أما الآن فقد تغيرت الأسلحة وأصبح من الممكن أن نضع دولة كاملة في العزل دون أي تواصل مع العالم الخارجي طالما أن العدو قادر على التحكم في تلك الأدوات.
حتى أساليب التخطيط تحولت إلى جيوش إلكترونية قادرة على بث الأكاذيب وتشكيل الرأي العام العالمي، ولكن تبقى كلمات الشاعر الثائر محمود درويش صالحة لكل الأزمنة، في قصيدته "على هذه الأرض" قال:
أيها المارون بين الكلمات العابرة.. كالغبار المر مروا أينما شئتم ولكن
لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة.. فلنا في أرضنا ما نعمل
ولنا قمح نربيه ونسقيه بندى أجسادنا.. ولنا ما ليس يرضيكم هنا
حجر أو خجل..
فخذوا الماضي إذا شئتم الى سوق التحف.. وأعيدوا الهيكل العظمي للهدهد إن شئتم
على صحن خزف..
لنا ما ليس يرضيكم لنا المستقبل.. ولنا في أرضنا ما نعمل
كدسوا أوهامكم في حفرة مهجورة وانصرفوا.. وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس
فلنا ما ليس يرضيكم هنا فانصرفوا.. ولنا ما ليس فيكم وطنًا ينزف وشعبًا ينزف
وطنا يصلح للنسيان أو للذاكرة.
وبالرغم من رحيل "درويش منذ 15 عامًا إلا أن كلماته لم تكن عابرة أبدًا، ورغما عن الجدلية التى اشتعلت بشأن وطنيته الصادقة أو علاقته بإسرائيل كون حبيبته منهم، لكن هل على القلب أحكام؟! وهل يخضع الحب لعوامل الجنسية والديانة والهوية والحدود؟ وبعيدا عن هذه الجدلية التى أثيرت بشأنه وربما كانت صنيعة صهيونية بحتة للتشكيك في أي أيقونة عربية مؤثرة، إلا أن حروفه ظلت قابعة في نفوسنا وغير صالحة للنسيان، وشعره عربي خالص غير مهجن وكأن عروبية شعره لا تقبل أية إضافات غريبة لهذا لقب بشاعر الجرح الفلسطيني ويعتبر من أهم أدباء المقاومة.
وأظن أن هذا الطوفان الحالى في أشد الحاجة لكلماته، فبيت من شعره على السوشيال ميديا كاف لشحذ الهمم وشحن الطاقات الوطنية وتكسير قوى العدو وأسلحته الإلكترونية والنووية معا في ظل ما يحدث من ثرثرة خاوية وطق حنك على رأي الشوام.