Close ad

المساعدات مقابل الرعايا

15-10-2023 | 14:36

منذ بدأت حرب السابع من أكتوبر التي شنتها حماس على إسرائيل لإحياء القضية الفلسطينية التي نسيها الجميع، والاتصالات الناجزة هي باتجاه القاهرة.. قدر مصر التاريخي والجغرافي أن تكون مالكة لأكبر أوراق في الملف الفلسطيني خصوصًا حين يشتعل الصراع، وإدراك هذا الأمر متجذر في الدبلوماسية المصرية، وهو دور لم نطلبه، ولم نشكو منه، ونتحمل تباعاته بكل مسئولية. 

هذا يوم القاهرة الذي أثبتت فيه أنها تدير الصراع أو الأوراق التي في يديها من ذلك الملف الشائك، بشكل احترافي، يجمع بين المشاعر والثوابت، ويعي قدر الممكن وفرط المستحيل. 

إن مراجعة الصوت المصري منذ اندلاع المعارك تكشف عن جهد كبير لإبلاغ العالم بالحقائق، رغم اكتساح الرؤية الإسرائيلية ساحات ودهاليز العالم الغربي، حكامه وشعوبه، عقله ومشاعره. 

كما تكشف الجهود المصرية عن خطاب ـ شاركت فيه عواصم عربية أيضا ـ بأن ما تقوم به اسرائيل من جرائم ضد شعب غزة الأعزل، هو لكي تصرف الأذهان عن أصل الصراع. 

فحماس أرادت من دون أن تملك آلة إعلامية، وبعد أن صنفتها دول كمنظمة إرهابية، توضح للعالم الهدف من هجومها المفاجئ على إسرائيل. 

الشأن الثاني الذي اهتمت به القاهرة، بعد أن حذرت من أن تأخير الحل السياسي سيجلب الحروب إلى المنطقة، هو ضرورة حماية المدنيين الأبرياء، عن طريق الوقف الفوري لإطلاق النار. 

طالبت القاهرة بممر إنساني عبر رفح البري ومن بوابته المصرية لإدخال المساعدات العلاجية والغذائية للسكان المحاصرين، لكن الأمر المريب هو محاولة إسرائيلية أمريكية لجعل المعبر في اتجاه واحد، من غزة إلى القاهرة، وعدم العودة مرة أخرى. 

وهذه بعينها الخطوة الأولى نحو الفكرة العقيمة بجعل سيناء وطنًا بديلًا أو كارثة لاجئين جديدة تحط من قدر الشعب الفلسطيني، وتقتل القضية الفلسطينية، وبالتحديد تلغي نصيب سكان قطاع غزة إلى الأبد من حقهم التاريخي في الوصول إلى إعلان الدولة.  

قضت القاهرة على هذا الاحتمال السخيف في المهد، حتى تلقت رغبة عواصم عدة على رأسها واشنطن في إخراج حاملي الجنسيات الأجنبية من قطاع غزة عبر معبر رفح، ومن بينهم الرعايا الأمريكيون. 

الرد المصري جاء واضحًا، وحسب ما بثته قناة "القاهرة" الإخبارية، هو أن المعبر ليس مخصصًا لعبور الرعايا الأجانب والأمريكيين فحسب، ولكن أيضًا لعبور المساعدات إلى أهل غزة المحاصرين، وأن المسألة بحاجة إلى اتفاق ملزم.. 

وتنتبه القاهرة جيدًا لمحاولة إسرائيل تحقيق أغراضها في تفريغ القطاع أو نصفه أو أجزاء منه، والدفع بالسكان جنوبًا، في جريمة تطهير عرقي، وبدأت بتخويف الناس لترك منازلهم في الشمال والاتجاه جنوبًا. 
ولم يعرف هؤلاء ما الذي سيجدونه في الجنوب، وأين سيقيمون، وما الخطوة التالية. 

وأكدت مصر أن هذا الإجراء يعد مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وسوف يعرض حياة أكثر من مليون مواطن فلسطيني وأسرهم لمخاطر البقاء في العراء دون مأوى في مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة وقاسية، فضلاً عن تكدس مئات الآلاف في مناطق غير مؤهلة لاستيعابها. 

والقانون الإنساني الدولي الذي سمعنا كثيرًا عنه في الأيام الأخيرة ولم نشعر به أبدًا، هو مجموعة قواعد دولية لإدارة الحروب، تتمسك بها لجنة الصليب الأحمر الدولي، وينص القانون على حماية لا لبس فيها للمدنيين وعمال الإغاثة والبنية التحتية المدنية في مناطق النزاع وحماية وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين. 

ولا يوجد أي مبرر للتراجع عن هذه الالتزامات، ولا تبرير خرقها، مثلما يتحدث قادة في الغرب عن استخدام حماس للمدنيين كدروع بشرية، وهو أمر من علامات النفاق وازدواجية المعايير التي يمارسها الغرب إزاء الآخرين. 

هذه نظرته الثابتة والتي عبر عنها في يوم لم يمض عليه وقت طويل المسئول عن تنسيق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وهو يخشى على حديقته الأوروبية الغناء من حيوانات الغابة من حولها.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة