طوكيو- قصدت اختيار هذا العنوان، لبدء كتابة سلسلة مقالات من اليابان، التي وصلتها أمس الأول الجمعة، في زيارة طال انتظارها بسبب الإغلاق لمدة 3 سنوات ونصف السنة.
وبعد انقشاع غمة الجائحة، توارت القيود، وانفتحت أبواب السفر.
مظاهر البهجة المصاحبة لزيارة اليابان بدأت-حقيقة- في القاهرة، وتحديدا، قبل أيام من شد الرحال، حيث التقيت السفير النشيط، أوكا هيروشي، بمكتبه بالسفارة اليابانية، على هامش تقديم الأوراق المطلوبة للحصول على تأشيرة الدخول لبلاده.
وقتها، كان السفير أوكا عائدا للتو من مطار القاهرة، حيث استقبل في الصباح الباكر مواطنيه، من الركاب والزائرين اليابانيين، القادمين من طوكيو في رحلة طيران طويلة، لكنها مباشرة، ومبشرة لجذب المزيد من السائحين اليابانيين لمصر.
قبلها بأسبوع، وتحديدا في مساء يوم الخميس 28 سبتمبر، حضر السفير الياباني بصحبة الفريق محمد عباس حلمي، وزير الطيران المدني، الاحتفال باستئناف خط الطيران المباشر، القاهرة-طوكيو، وهو أقصر طرق السفر، وقتا، للوصول لليابان.
في أوائل الألفية، وعندما كنت مراسلا مقيما للأهرام في طوكيو (2001-2005)، أذكر أن مكتب التمثيل السياحي، برئاسة المستشار زين الشيخ، نظم احتفالا لتجاوز عدد السائحين اليابانيين لمصر 120 ألفا سنويا، وفي مرحلة لاحقة، رفع السفير المصري الأسبق بطوكيو، هشام بدر، السقف المستهدف تحقيقه لمائتي ألف سائح.
السائح الياباني يتميز بمعدل إنفاقه العالي-6 أضعاف مثيله الأوروبي- ولديه اهتمام كبير بالسياحة الثقافية، وتحديدا زيارة المعالم الأثرية والحضارية التي يتميز بها المقصد السياحي المصري، وفي ضوء ما تشهده مصر حاليا من تطور في البنية الأساسية ومحاور الطرق والخدمات والمنشآت السياحية، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي والأمني، يمكن –بالفعل- مضاعفة تدفق عدد السائحين اليابانيين لمصر.
من هنا تأتي أهمية وضع البرامج التسويقية الجاذبة للسائح الياباني، وزيادة عدد رحلات الطيران المباشرة لتلبية الطلب، والترويج-كذلك- لمناطق جذب غير تقليدية، ولعل الترتيبات الجارية لافتتاح المتحف الكبير تكون فرصة دعائية في هذا الاتجاه.
في اليابان، بدأت الحياة تدب مرة ثانية بقطاع السياحة، وبحركتي السفر الداخلي والخارجي بالمطارات، وفي حجم التدفقات والعائدات، التي تقدر بمئات المليارات.
آخر الإحصائيات التي صدرت في طوكيو تشير إلى أن أكثر من 15 مليون مسافر على رحلات دولية استخدموا مطارات يابانية في عام 2022، بنسبة 15% فقط مما كانت عليه حركة السفر قبل الجائحة، التي وصلت، وقتها، إلى 103.3 مليون.
في عام 2014، أي منذ 9 سنوات، وصل عدد الزوار الأجانب لليابان إلى نحو 13.4 مليون سائح، ووضعت الحكومة هدفا-حينئذ- لزيادة العدد إلى 20 مليونا تزامنا مع انعقاد الدورة الأولمبية عام 2020، غير أن قيود الإغلاق بسبب الجائحة أطاحت بالهدف المنشود، لينخفض عدد الزائرين بنسبة 99.9% في أحد شهور ذلك العام، وهي النسبة الأقل في عدد الزائرين لليابان منذ بدء المسح في 1964.
من المفارقات الملفتة في اليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم، أنها تعتبر السياحة كأحد الموارد المهمة للدخل القومي، بما يستوجب تعظيم قطاعاتها وآلياتها، إلا أنه بدأت تتردد هنا مخاوف لدى مواطنيها مما يسمي بـ "السياحة الخريفية المفرطة".
المظاهر السلبية المصاحبة لـ "السياحة الخريفية المفرطة"، ويتأهب اليابانيون لمواجهتها، بحلول عبقرية وخارج الصندوق، تتمثل في: قيام السائحين الأجانب-مثلا- بإلقاء النفايات، وتلويث السلع المعروضة في المتاجر، وصولا إلى التسبب في ازدحام مروري، قد يعرقل سير خدمات الطوارئ وحافلات الركاب العمومية.
من بين التدابير الاحترازية التي لجأت لاتخاذها السلطات المحلية-هنا- في اليابان لمواجهة ظاهرة الاحتشاد غير المرغوب في عواقبه ببعض المواقع السياحية، تم فرض ضريبة إضافية، قيمتها مائة ين (نحو 67 سنتا) على كل زائر أجنبي لإحدى الجزر السياحية وإنفاق العائد على صيانة المراحيض ومحطات المواصلات العامة.
أيضا، جرى تحذير السائحين من زيارة أشهر أحياء العاصمة اليابانية –شيبويا- في أثناء الاحتفال المرتقب بـ "الهالوين"، الموافق 31 أكتوبر، منعا لحدوث تدافع مميت، مماثل لما حدث العام الماضي بحي "إيتاوان" بالعاصمة الكورية الجنوبية.
عمدة "شيبويا"، كين هاسيبي، صرح بأن الوضع الذي يواجه الحي خلال احتفال "الهالوين" أكثر خطورة من "السياحة الخريفية المفرطة"، حيث يجري إلقاء كميات هائلة من القمامة، واعتقالات بتهم: التحرش الجنسي والتصوير والتلصص غير القانوني وتدمير الممتلكات، وقد تقع حوادث مميتة-لا قدر الله- بسبب الحشود.
الخبيرة بمعهد السياحة الياباني، كوساكا أكيكو، تقول: "التدابير المتخذة لا تهدف إلى تقليل عدد السائحين، بل التعامل -بشكل مناسب- مع مشكلات مثل الضوضاء وإلقاء القمامة، والطريقة الوحيدة لمعالجتها هو التعريف بالسلوكيات المرفوضة".
أعود إلى ما بدأت به هذا المقال، لسرد مدى اهتمام اليابانيين بحيواناتهم الأليفة، وتحديدا القطط والكلاب، ولعل ما أرويه هنا يجلب السعادة للكثيرين ممن يحذون حذوهم، وفي المقدمة-بطبيعة الحال- السفير الياباني، النشيط، أوكا هيروشي.
في اليابان، تشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود 9 ملايين قطة، أليفة، وهو عدد يفوق عدد الكلاب، المماثلة، ونظرا لحبس القطط في أقفاص وأماكن مغلقة عموما، وبحثا عن وسيلة للترفيه عنها وإسعادها، توصل الباحثون في جامعة "ايواتيه" اليابانية إلى اختراع روائح عطرية، ليست سامة ولا تسبب الإدمان، تستنشقها القطط، وتحدث التأثير المنعش، نفسه، الذي تجلبه الروائح العطرية عامة للإنسان.
أيضا في اليابان، تنال الكلاب الأليفة قدرا هائلا من الرعاية والتدليل، وصل إلى حد تخصيص دور رعاية للكلاب المسنة، بهدف توفير بيئة أفضل للاعتناء بها، وزيادة أعمارها، ولأن أصحابها-أنفسهم- باتوا يلتحقون بدور رعاية، آدمية، لكبار السن.
مديرة دار رعاية الكلاب المسنة باليابان، كوري مانامي، تقول: "يبذل العاملون بدور الرعاية كل جهدهم لتلبية احتياجات الكلاب المسنة، من خلال "تمشيتها" 4 مرات يوميا، ومساعدة الكلاب المسنة، غير القادرة على المشي بمفردها، باستخدام الحزام، وإضافة الأدوية في الأطعمة، فضلا عن تقديم الطعام المنقوع مسبقا للكلاب التي تعاني من ضعف وظائف الجهاز الهضمي أو صعوبة البلع".
(يتبع من طوكيو)
[email protected]