في تاريخ الأمم لحظات فارقة، ومواقف حاسمة، إما أن تتعاطى معها بحرفية وحكمة واقتدار وتتفادى تداعياتها، أو، لا قدر الله، تكتوي بنارها وتتجرع آثارها، واليوم تمر منطقة الشرق الأوسط بمنعطف خطير وتداعيات جسيمة، وفي القلب منها القضية الفلسطينية، وفي القلب منها أيضًا مصر التي يراد لها أن تكون ساحة لتصفية هذه القضية، التي طالما أعطتها وضحت من أجلها بالمال والدم على مر التاريخ - في مخطط خبيث طالما طرحه العدو المحتل، وأنصاره في واشنطن وأوروبا؛ عبر توطين سكان غزة في سيناء.
على الأرض بدأ السيناريو الشيطاني بدعوات من المحتل لسكان غزة، وتحت قصف جهنمي همجي وحشي غير مسبوق في التاريخ، بالنزوح إلى جنوب غزة، وتارة بدعوات صريحة وواضحة إلى سيناء.. خلال أسبوع فقط ألقى الاحتلال الغاشم، وعلى مرأى ومسمع العالم، 5 آلاف طن متفجرات قاتلة حارقة، أبادت البشر، وهدمت الحجر، وأحرقت الشجر.. كميات من المتفجرات قدرها خبراء عسكريون بأنها تعادل نصف قنبلة نووية في حجم التدمير.. ووصفها آخرون بأنها جريمة حرب ضد الإنسانية مكتملة الأركان.
على الأرض يجرى تصفية القضية الفلسطينية في عملية إجرامية لم يعرف التاريخ لها مثيلًا، وحين تطالع مواقف وتصريحات المسئولين الأمريكيين والأوربيين التي يطلقونها دون خجل وبلا حياء، ستكتشف أنك أمام عالم الغاب، لا قوانين ولا مواثيق، ولا معاهدات، ولا حقوق لأحد سوى هم.. موتاهم يتوقف عندهم العالم، وتهتز لهم الأرض، وتتحرك لهم البوارج وأكبر الحاملات العسكرية، بينما موتى الفلسطينيين فلا حقوق ولا مستحقات.. وكأنهم حيوانات نافقة.. هكذا قال عنهم وزير الدفاع الإسرائيلي "هم حيوانات في صورة بشر"!!
مصر، منذ اندلاع هذه الأحداث، تعمل على دفع الأذى، والعدوان الغاشم عن الشعب الفلسطيني، وتتعاطى مع دعوات المحتل بحسم واضح، ورفض قاطع، لمخطط تصفية القضية الفلسطينية.. قالها واضحة الرئيس السيسي قبل أيام: "مصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى".. في إشارة لدعوات ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، بل دعا الأشقاء في غزة بعدم مغادرة منازلهم، ولم تكتفِ مصر بذلك، بل قادت تحركات عربية ودولية لوقف العدوان، ومنع هدم المنازل، وأعلنت عن تخصيص مطار العريش لتلقي المساعدات الدولية لإيصالها لأهالي غزة، وفتحت مراكز التبرع بالدم؛ لإغاثة المصابين جراء العدوان الغاشم، كما أبقت على معبر رفح من الجانب المصري مفتوحًا لكن بشرط أن يكون لمرور المساعدات للشعب الفلسطيني وليس لمرور الأجانب من غزة كما حدث اليوم حيث رفضت السلطات مرور الرعايا الأمريكيين القادمين من غزة رغم انتظارهم لعدة ساعات واشترطت فتح المجال لدخول المساعدات للفلسطينيين أيضا وهو موقف وطني ومبدأي أقل ما تفعله مصر ويحمل رسالة واضحة وقوية للعالم وفي مقدمته أمريكا التي تدعم هذا العدوان الوحشي
..وفق الشواهد والمعطيات والسوابق أيضًا، فإن مصر ستتعرض خلال الفترة المقبلة لضغوط ومضايقات؛ جراء هذه المؤامرة التي تحاك ضد القضية الفلسطينية، ومخطط تصفيتها على حساب مصر، سوف تجد من يزايد على دور مصر ويكيل لها الاتهامات؛ بأنها من يحاصر قطاع غزة، ومن يمنع.. ومن يعاقب.. وغيرها من مزاعم وأباطيل، وقد بدأ بالفعل من يلوك هذا الكلام المغلوط.
سوف يستغل دعاة خطة تصفية القضية الفلسطينية الأزمة الاقتصادية في مصر، وما تمر به البلاد من أجواء فرضتها الانتخابات الرئاسية، للضغط على مصر لتسويق مخططهم الشيطاني في توطين سكان غزة بسيناء، لكن الحقيقة الدقيقة، الثابتة على مر التاريخ أن مصر قادرة بشعبها الواعي وجيشها القادر، أن تفسد هذا المخطط الشيطاني، وقد قالها الرئيس السيسي، قبل أيام ومن الكلية الحربية مصنع الرجال، إن مصر قادرة على حماية حدودها.
الحقيقة الأخرى أن الشعب المصري بوعيه وإدراكه لهذه المتغيرات والتطورات التي تشهدها المنطقة قادر على فرز ما يتم تسويقه من أكاذيب، وترويجه من ادعاءات؛ بهدف إثارة البلبلة والتشكيك في ثوابت السياسة المصرية.
ثم تبقى الحقيقة الثالثة الثابتة في كتب التاريخ ساطعة كاشفة على خرائط الجغرافيا وما عداها زبد سيذهب جفاء؛ وهي أنه برغم كثرة المتآمرين والمزايدين، وما نسمع من غثاء ولغو وأكاذيب، فإن فلسطين قضية حق، وأهلها ثابتون عليه، ومرابطون على ترابها، يرووه بدمائهم جيلًا بعد جيل، في انتظار وعد الحق الذي لا يخلف وعده.
[email protected]