73.. بطولات ليست استثنائية

14-10-2023 | 09:15

استبشروا بالنصر تجدوه.. الانتصار يبدأ في الروح.. فإذا كانت روحك منتصرة، ستنتصر..كما الهرم، الذي تتكشف أسراره السرمدية منذ آلاف السنين حتى اليوم.. هي كذلك أسطورة ما قام به الجندي المصري في صحوته خلال حرب أكتوبر 1973، الذي استرد كرامته التي غيبتها انتكاسة حرب 1967، فما زالت أسرار البطولات الخارقة التي أبداها، خير أجناد الأرض، استرداد للشرف وإعادة للروح، تتولد وتتكشف عنها أسرار بعد نصف قرن.

فمن يثأر لكرامته الشخصية، والوطنية، لاسترجاع أرضه، وعرضه، وسمعته التي أضاعتها العشوائية والتخبط، لا يعتبر أن ما قام به من تضحيات يعد عملًا استثنائيًا، بل هو الواجب المقدس، والدين المستحق، وما قام به ليس استثنائيًا، ولأن يعود إليه ما ضاع منه فهو من البديهيات، لتعود المسميات إلى معانيها، والفرضيات لأصلها.

وإضافة إلى عوامل عديدة تضافرت للوصول إلى نصر 73، منها الثأر والواجب واسترداد الأرض وإعادة الكرامة، فقد تحقق الانتصار أيضًا بسبب الدروس المستفادة من هزيمة 76، أهمها التخطيط السليم، والاستعانة بالأفراد المؤهلين، وتحقيق مبدأ الشورى، ومواجهة المشكلات بمشاركة كل الخبرات والمهتمين، وترجم ذلك كله بالإيمان بالله سبحانه، ليتحقق النصر المشهود.

بعد حرب 76، ولتحصين احتلاله لسيناء، لجأ العدو إلى خطط تمنع الجيش المصري من عبور قناة السويس، أهمها إنشاء خط بارليف، وإقامة 20 نقطة من الدشم والنقاط الحصينة، بارتفاع 22 مترًا، ثم أقام شبكة من خطوط أنابيب تحت سطح المياه، تحمل النابالم المختلط بمواد عالية الاشتعال، متوقعًا تحويل مجرى القناة إلى جحيم.

ولمواجهة هذا التحدي، اقترح الرائد إبراهيم شكيب سد  فتحات الأنابيب "31 فوهة" بأن يتولى 31 ضفدعًا بشريًا إغلاق الفتحات بمادة مقاومة للنابالم، ولا تتحلل بالمياه، ساعده الرائد المهندس، أحمد مأمون، في اختراع مادة تتجمد فى المياه، ثم تولت الضفادع البشرية بسد الفتحات.

أما الرائد المهندس باقى زكى يوسف، فقد حل اقتحام خط بارليف، وفتح ثغرات فى الساتر الترابي باستخدام خراطيم المياه القوية، ونجح، وأزيل الساتر الترابي في 5 ساعات، بعد أن قال الخبراء السوفيت، إن تدمير الخط يحتاج الى قنبلة نووية، وسخر موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي، من الجنرال شموائيل جونين الذي كان قائدًا لجبهة سيناء، ووجه له عبارات قاسية لفشله فى تشغيل أجهزة النابالم وقال له: "إنك تستحق رصاصة فى رأسك".

أيضًا إبداع الوصول الي لغة التخاطب لإبلاغ الأوامر والتعليمات والمعلومات، دون فك شفرتها، وكانت اللغة النوبية هي الحل وبطلها الجندى النوبى أحمد إدريس، وتم تضليل العدو.

وحين واجه الجيش مشكلة تهدد قيام الحرب، وهى انتهاء صلاحية وقود صواريخ الدفاع الجوى “الروسية الصنع”، بعد الاستغناء عن الخبراء الروس، فقد نجح العالم المصرى محمود يوسف سعادة، فى التوصل إلى الحل بمعامل محلية الصنع.
 
ولعل ما يذكره العدو، هو خير أنباء مما سواه، وبعد رفع السرية عن وثائق المعارك لديه، لتكشف عن أرشيف حرب أكتوبر بعد 50 عامًا، فماذا دار في الغرف المغلقة في تل أبيب، من محاضر مداولات، وما حدث في الميدان، ونترك وثائقه تتكلم:

بعد هزيمة العرب في عام 1967، اعتمد الكيان وقياداته على الخوف.. خوف الدول العربية من جيش الكيان، والترويج له بأنه جيش لا يقهر، وهي المقولة التي كانت رمزًا لتسويق ما يروج له من قوة وهيمنة، ولكنها لم تكن إلا استثناء لم يستمر أكثر من سنوات معدودة، ليحطمها جند الله في نصر أكتوبر.. فقبل يوم واحد من بدء الحرب، 5 أكتوبر 1973، قال رئيس المخابرات العسكرية في تل أبيب، إيلي زعيرا لجولدا مائير رئيسة الوزراء: " تفاعل مصر وموقفها من الصراع معنا نابع من الخوف منا، أنهم ليسوا على وشك الهجوم".. بعدها بساعات، قال رئيس الأركان دافيد اليعازر لرئيسة الوزراء: "مصر وسوريا على الأرجح يخططان لهجوم محدود، أو حتى نشر قوات دفاعية، لكن ليس حربًا، ولا يوجد لدينا دليل كاف على أنهم يرغبون في الهجوم".

وانطلقت حرب الكرامة وبدأت بإيقاف فوهات النابالم، ثم اقتحام الساتر الترابي، وقبلهما كانت حرب الاستنزاف.. تقول مذكرات وزير الدفاع ديان: "استندت الخطة إلى افتراض أنه سيكون هناك تحذير مسبق لأكثر من 24 ساعة، لكن هجوم قوات العدو حدث بكفاءة أكبر بكثير مما كان متوقعًا"..

ويعترف بأن العرب "لم يهربوا من مواقعهم، كما حدث في الماضي، حيث الفرار كان سمة مشتركة للجيوش العربية، عند الهجوم عليهم كانوا يرفعون أيديهم، ولكن ليس هذه المرة"..

ويقول شمعون بيريس، الذي أصبح وزيرًا للدفاع بعد استقالة ديان: "إنه بعد كارثة حرب الغفران، تخلى عن موشى ديان من كانوا في الماضي من أشد المعجبين به، وبصقوا عليه أثناء زيارته إحدى المقابر العسكرية وشتموه في الاجتماعات والصحف، ولم يعد ديان الرجل نفسه بعد حرب يوم الغفران".

لعل التغيرات المناخية، تتواضع أمام ما يحدث من تحولات وتغيرات أحدثها الجندي المصري، الذي يستحق كل التحية والشكر والتقدير لروحه وآدائه منذ أكتوبر 73 وحتى اليوم وغدًا، لتلهم الفلسطينيين، بعد 50 عامًا، لاسترداد أرضهم.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة