د. هبة عبدالعزيز تكتب:
حينما تشتد سرعة الرياح تعصف بكل شيء ترتطم به في طريقها، وحين تتسارع الأمواج تغرق من يقف أمامها، ووقتما نتسرع في إصدار أحكامنا على شخص قد نعصف بمشاعره وربما تحولت كلماتنا إلى رصاصات قاتلة دون قصد.
والشيء المؤسف فعلا أننا سرعان ما نطلق أحكامنا بطرق غير صحيحة على الإطلاق، فنحن غالبا ما نخضع لعواطفنا في التقييم وهو الخطأ بعينه، فقد شاهدت مؤخرا مسلسلا للفنانة إلهام شاهين مأخوذ عن كتاب الدكتور مصطفي محمود بعنوان "55 مشكلة حب"، والحقيقة أن الحلقات العشر التى قدمت الحكاية الأولى كانت سلسة ومهضومة على رأي الشوام، ولعبت "إلهام" فيه دور عمرها غالبا فقد تحررت من معطف السن ومكياج الوجه وكأنها قررت أن تقدم إبداعا مركزا نقيا "بيور"، وهنا كان لزاما علينا أن نشيد بهذا العمل الذي عصف بمشاعرنا بشكل أفضى إلى بكاء، وهو ما يؤكد نجاح العمل.
وفي نفس التوقيت خرجت الفنانة على الفضائيات وبدل ما تحتفل بالنجاح تحولت تصريحاتها إلى وابل من الجدل المثير لكثير من الامتعاض والمشكلات بسبب ما قالته عن الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله ورأيها في المثلية وغير ذلك، وهو ما أفقد نجاحها المستحق زهوته، وحينها كنت كتبت منشورا أشيد فيه بالعمل الدرامي الجميل وسط عشوائية الدراما المقدمة، وإذا بالبعض الغفير يلقي علي باللوم وعليها بالسباب وتلقيت العديد من الرسائل الحادة، من بينها رسالة لشخص مثقف بما يكفي ووجدته ساخرا، وسألته هل شاهدت العمل؟ فأجاب: لا، ولكن أنا بتكلم عن الممثلة نفسها وشخصيتها وأرائها!!
ورددت عليه أنا: ولكني لست بصدد تقييم إنسانة لم أعرفها عن قرب ولم تحفنا عشرة، ومن حقي فقط إعلان رأيي في المسلسل ودورها الذي قامت به، فلسنا قطيعًا، فضلا عن أننا بشر لا يتم تصنيفنا (ملائكة وشياطين)، فالإنسان يمضي حياته بين ثنائيات (الصواب والخطأ)، (النجاح والفشل)، (الصدق والكذب)، (الخير والشر) ... وهكذا نحن.
فحين نصيب نتعطش للتقدير وحين نخطأ نخشى من العقاب، والحقيقة فأنا منذ نعومة أظفاري وفكرة التقييم وفقًا للأهواء تضايقني كثيرًا، فقد كان بعض التلاميذ يصدرون أحكامهم على الأساتذة على حسب ميولهم، وفي محيط العمل تصدمك نفس الفكرة فتجد البعض يحكم على أي مسئول أو زميل بمعايير ليست لها أية علاقة بما يقدمونه من عمل، ولكن وفقًا لأفكارهم، لمظهرهم، لمعدلات الاستلطاف ومؤشرات التوافق، بل ربما يصل الأمر إلى فكرة "أصله مبتسم دايمًا في وش الصغير والكبير" أو على العكس تماما "أصل وشه عليه غضب الله وعلى طول مكشر"!
وتحضرني هنا مقولة الثائر الكوبي تشي جيفارا: من لا يعرف شخصيتي لا يحق له الحكم على تصرفاتي، ومن لا يستطيع أن يقدرني لا يتوقع مني تقدير.
بينما أكد الكاتب الأمريكي المتخصص في تنمية الذات بريان ترايسي على: إن حاجة المرء إلى أن يشعر بأنه موضع تقدير وأهمية واحترام هي التعطش الأعمق في الطبيعة الإنسانية، وبالتالي فإن سر السحر الشخصي أو الجاذبية الشخصية أمر بسيط: اجعل الآخرين يشعرون بأهميتهم.
فالتقدير مطلوب، ولكن وفقًا لمعايير موضوعية، أنت تحكم على مديرك في العمل وفقًا لقدراته في الإدارة وسرعة بديهيته في حل المشكلات وتيسير المهام وما إلى ذلك وليس لظرفه ولطفه وأناقته، فهناك فارق كبير بين تقييم عريس وتقييم مسئول.
وليس ضروريًا أن يصبح تقديرنا لشخص ما تقديرًا تراكميًا عن مجمل أعماله، كما تفعل بعض المهرجانات حين تقرر منح جائزة لفنان دون سبب واضح أو مبرر.
فليس من حق إنسان أن يقوم بتقييم مثيله من البشر، ولكن الأحق أن نسعى إلى تقييم المنتجات التى يقدمها الآخر، ما إذا كانت تتناسب مع ذوقنا أو تشبع حاجاتنا أو جاءت دون ذلك.
فاحكم بعقلك وفقًا لأساليب محددة ومنطقية، ودع لقلبك بما فيه من مشاعر وعواطف مساحة لبعض درجات الرأفة لرفع التقدير حال استحقاق الآخر.