تعبيرا عن مدى تسارع التحالف العسكري، والإستراتيجي، بين كوريا الشمالية وجارتها روسيا، تبادل الزعيمان، كيم جونج أون وفلاديمير بوتين، إهداء البنادق، أولهما: روسية الصنع من أعلى مستويات الجودة، والثانية: كورية شمالية مماثلة.
تبادل الهدايا جرى في أثناء قمة وصفت بـ "غنية المحتوى" جمعت الزعيمين، بقاعدة "فوستوشني" بمقاطعة آمور الروسية أواخر الشهر الماضي، وتجول كيم بصحبة بوتين بصالة تجميع الصاروخ الفضائي "أنجارا"، وقاعدة "سويوز-2".
برنامج كيم في روسيا كان مشحونا بالزيارات -وفقا لبوتين نفسه- حيث تفقد الزعيم مصانع إنتاج الطيران المدني والحربي، واستعرض قدرات أسطول المحيط الهادئ، والأكاديمية الروسية للعلوم، لا سيما مختبرات تتعامل مع علم الأحياء، وغيرها.
لأنها كانت القمة الأولى منذ 4 سنوات، فقد قال كيم لـ بوتين: "إن روسيا تخوض معركة "مقدسة ضد الغرب"، وأن بيونج يانج ستقاتل مع موسكو ضد الإمبريالية، وأن العلاقات الثنائية تحظى بالأولوية القصوى وأنه يدعم كل القرارات الروسية".
في الوقت نفسه، أعرب الرئيس بوتين عن اعتقاده بوجود إمكانية للتعاون العسكري والتقني بين موسكو وبيونج يانج، وذلك في نطاق العقوبات الدولية المفروضة على الأخيرة، وقال: "إن هناك بعض الحدود، إلا أن هناك –أيضا- مجالات قابلة للتفاوض مع الالتزام بالقرارات الدولية التي شاركت روسيا -سابقا- في إصدارها لوقف تطوير البرامج النووية والصاروخية الكورية الشمالية ".
ردا على سؤال عما إذا كان سيساعد كوريا الشمالية في تطوير أقمار التجسس الاصطناعية، قال الرئيس بوتين: "لهذا السبب جئنا إلى هنا"، حيث قاعدة فوستوشني الفضائية، وأضاف بوتين قائلا: "الزعيم كيم يُظهر اهتمامًا كبيرًا بتكنولوجيا الصواريخ، إنهم -في بيونج يانج- يحاولون تطوير برنامجهم الممتاز".
أبدى بوتين الاستعداد لمساعدة كوريا الشمالية لبناء قمر اصطناعي للتجسس، علما بأن بيونج يانج كانت قد قامت بمحاولتين –في شهري مايو وأغسطس الماضيين- لإطلاق قمر اصطناعي للتجسس العسكري، لكنهما باءتا بالفشل.
قال الرئيس بوتين، نصا: "سنناقش جميع القضايا دون تسرع، هناك بعض القيود التي تلتزم بها روسيا، وهناك أشياء بإمكاننا الحديث بشأنها، إن روسيا تتمتع بالاكتفاء الذاتي، وفي إطار القواعد الحالية، هناك فرص نهتم بها ونناقشها".
الجانبان الروسي والكوري الشمالي تعمدا عدم الإفصاح عما يمكن وصفه بـ خفايا البعد العسكري والإستراتيجي في مباحثات القمة الثنائية، المهمة، من حيث التوقيت والمكان وجدول الأعمال، المثير للقوى الراغبة في عزل وحصار بيونج وموسكو.
هنا أعود إلى ما بدأت به المقال، بخصوص تسارع وتيرة التحالف بين كوريا الشمالية وروسيا، في ضوء ما تناقلته "الميديا" العالمية، ومدى تعارض هذا "التسارع"، مع عقوبات مفروضة على بيونج يانج، بموجب 6 قرارات دولية.
ردا على سؤال حول إمكانية تجارة الأسلحة بين بيونج يانج وموسكو، قال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف: "بالطبع كدول متجاورة نحن نتعاون في مجالات حساسة، لا ينبغي الإعلان عنها".
في الوقت نفسه، نفى المتحدث مسألة نشر قوات كورية شمالية في أوكرانيا، مشيرا إلى أن محادثات جرت -بالفعل- بين الجانبين بشأن تدريب روسيا لرواد فضاء كوريين شماليين لإرسالهم إلى الفضاء".
أيضا، وعن تجارة الأسلحة، ورد على لسان مسئولين بوزارة الدفاع الكورية الجنوبية، "أنه جرى التأكد من مصادر مختلفة، تدعم المزاعم بأن بيونج يانج تزود موسكو بأسلحة تقليدية في الحرب الأوكرانية". وتشكل أي صفقة أسلحة بين بيونغ يانغ وموسكو انتهاكا لقرارات دولية، تحظر أي تجارة للأسلحة مع كوريا الشمالية.
صور وسائل الإعلام الكورية الشمالية أظهرت أن كبار المسئولين في الحزب والجيش، كانوا برفقة الزعيم خلال الزيارة لروسيا بما في ذلك "ري بيونج-تشول" و"باك جونج-تشون"، و"باك تيه-سونج"، المسئول عن تكنولوجيا الفضاء.
تشكيل الوفد الكوري الشمالي، واختيار منشأة الفضاء الروسية كمكان للمحادثات، أثارا التكهنات بأن بيونج يانج قد توافق على تزويد موسكو بالذخيرة والأسلحة اللازمة للحرب في أوكرانيا، وفي المقابل، قد ترغب كوريا الشمالية في الحصول على مساعدات غذائية ونقل تكنولوجيا الأسلحة من موسكو، مثل تكنولوجيا أقمار التجسس الاصطناعية، والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.
تحت عنوان "زواج المصلحة المشئوم"، ذكرت افتتاحية صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية "أن قيام الرئيس بوتين بمد البساط الأحمر لمن وصفته الصحيفة بـ "دكتاتور كوريا الشمالية"، يعد مؤشرا على المدى الذي دفع به بلاده إلى العزلة، وعلى احتياجه إلى زيادة إمدادات الأسلحة للحرب الكارثية في أوكرانيا".
أضافت الصحيفة أن الزعيم "كيم اغتنم الفرصة لتخفيف عزلته، وتوجد مؤشرات -ذات مصداقية- تدور حول الاتفاق على صفقة تزود بموجبها بيونج يانج موسكو بالعتاد العسكري، مقابل مساعدات مادية وتكنولوجية".
أوضحت "يمكن لروسيا أن تقدم الحبوب والنفط اللذين تحتاجهما بيونج يانج بشدة، على الرغم من أن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لـ كيم ربما يكون المساعدة الفنية في تطوير الأسلحة والصواريخ، والغواصات النووية، وأقمار التجسس العسكرية".
أكدت الصحيفة البريطانية أن "صفقة أسلحة بين بيونج يانج وموسكو من شأنها إحداث ثغرة في عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية، وقد تؤدي إلى زيادة القدرات العسكرية، بفضل مساعدة موسكو إلى تشجيع كيم على التمادي، ما يعرض الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية للخطر".
وتضيف أن التعاون بين كوريا الشمالية وروسيا من الممكن أن يحفز اليابان وكوريا الجنوبية على تعميق تعاونهما العسكري مع الولايات المتحدة، وهو ما يؤدي إلى ترسيخ التكتلات المتناحرة والمتعارضة في آسيا.
على عكس الافتتاحية "المتشائمة" التي وردت في الصحيفة البريطانية، علق مذيع شبكة CNN الأمريكية، فريد زكريا، في مداخلة له مع برنامج "The Source"، على تسارع وتيرة التحالف بين بيونج يانج وموسكو، بقوله: "كوريا الشمالية هي الحليف الأخير الذي تريده في العالم، إنهم بلد متخلف وفقير، ولديهم برنامج نووي صغير، وروسيا وكوريا الشمالية دولتان تعيشان وتزدهران –أساسا- على تعطيل النظام الدولي، والتسبب في التوترات وعدم الاستقرار، وتحالفهما ليس -في الواقع- علامة على القوة".
[email protected]