7-10-2023 | 12:51

لم تكن حرب السادس من أكتوبر عام 1973 هى بداية النهاية للعدو الصهيونى، وإنما كانت تتمة الأحداث وختام معركة مستمرة دامت لسنوات منذ يوليو 67، عندما استعاد الجيش المصرى توازنه أمام الغدر الصهيونى، وانتصر عليه فى مواجهة قوية سميت بمعركة "رأس العش" مثلت أولى خطوات حرب الاستنزاف.. فكم من معارك خضناها وانتصارات حققناها وشهداء قدمناهم من أجل لحظة الانتصار الكبرى فى العاشر من رمضان 73 يوم العبور العظيم..

ألفية ما قبل روجرز!

  قيل إن حرب الاستنزاف لم تكن ممهِدة للحرب الكبرى، ولم تسهم فى هذا النصر الأكبر؛ بدليل أنها لم تدم سوى ثلاث سنوات فيما عُرف لدى الصهاينة بحرب الألف يوم، وأنها انتهت إلى وقف إطلاق النار فيما سُمى بمبادرة روجرز عام 1970.. ودخلنا منعطفًا باردًا أسميناه "حالة اللاسلم واللاحرب".. وهذا أمر غير صحيح بالمرة.. لأننا انتصرنا قبل حرب أكتوبر بكثير عندما سقط أول شهيد وأول مَن خطط لتدمير خط بارليف الشهيد عبدالمنعم رياض..

 انتصارات عدة فزنا بها، وأهداف كبرى حققناها فى الطريق إلى أكتوبر المجيد.. أهمها أننا كسرنا حاجز اليأس، وأثبتنا أننا قادرون دائمًا على استعادة رباطة الجأش فى أية لحظة من لحظات صراعنا مع العدو..

  كانت أولى تلك الانتصارات النوعية ما فعلته القوات البحرية المصرية من إغراق المدمرة الإسرائيلية "إيلات" فى البحر الأبيض المتوسط قبالة مدينة بورسعيد بعد 4 أشهر فقط من زمن النكسة.. تلك المدمرة التى شاركت فى العدوان الثلاثى على مصر، وكانت هى التى بدأت بالعدوان فى أكتوبر 67 بعد أن ضربت سربًا مصريًا فأغرقته، ثم تمادت فى التوغل فى المياه الإقليمية المصرية بغرض تحقيق تفوق بحرى يضمن للصهاينة السيطرة التامة على القطاع الشمالى الشرقى جوًا وبرًا وبحرًا.. لكن الذى حدث فى يوم 21 أكتوبر  أن الرد جاء بأسرع مما توقع الأعداء.. وعلى الفور سارعت البحرية المصرية بإرسال لانشين بحريين مزودين بصواريخ سوفيتية سطح/سطح من طراز ستيكس، وتم استهداف المدمرة بصاروخين فقط من جهتين مختلفتين بالتزامن كانا كافيين لإغراق المدمرة، وكاد الطاقم الإسرائيلي المكون من مائة عسكرى بخلاف الطلبة المتدربين أن يهلك عن بكرة أبيه لولا التدخل الدولى لإجراء عمليات الانتشال.

  لم يكن نصر إيلات هو الوحيد من نوعه، بل حدثت غارات أخرى على ميناء إيلات الإسرائيلي فى ثلاث عمليات منفصلة بدأت فى نوفمبر عام 1969.. وخلال تلك العمليات تم تدمير السفينة الحربية "بيت شفيع" وناقلة الجنود "بات يام"، بالإضافة لتدمير الرصيف الحربي لميناء إيلات كاملًا..

الغريب أن كل هذه الانتصارات المتتالية تمت باستخدام إمكانات متواضعة للغاية بالنسبة لما كانت تملكه إسرائيل من أحدث الأسلحة الأمريكية.. وهذا ما يؤكد أن الحرب فى النهاية ليست إلا الجندى المقاتل صاحب العزيمة الصادقة والعقيدة الثابتة..

اعترافات جولدا مائير

  بالأمس القريب فوجئنا بالجانب الإسرائيلي يدَّعى أنه بصدد الإفراج عن وثائق حرب أكتوبر بشكل كامل، وهو ما لم يحدث.. بل إن ما صدر هو فقط ما كان يتعلق بساعات ما قبل الحرب، وكيف أن الاجتماع السرى للقادة الإسرائيليين وعلى رأسهم جولدا مائير رئيسة الوزراء آنذاك توصل إلى استنتاج نهائى بعدم القلق من حرب مصرية قريبة، وعدم استدعاء قوات الاحتياط..

  من قبل صدور هذه الوثائق التى لم تضف جديدًا إلا مزيدا من استشعار الهزيمة والخزى للجيش الإسرائيلي، كانت قد صدرت مذكرات جولدا مائير فى كتاب صدر فى أوروبا وتمت ترجمته فى مصر بعدها بعدة أشهر، وجاء فى 15 فصلًا، وضم الفصل الرابع عشر بعنوان "الهزيمة" اعترافات مائير بما حدث خلال حرب أكتوبر قائلة: (ليس أشق على نفسي من الكتابة فى موضوع حرب أكتوبر 73، لكنها حدثت ولابد أن أكتب عنها لا من الناحية العسكرية بل السياسية.. إنها كارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي وسيظل باقيًا معى على الدوام)..

  تلك المرأة كانت هى الوحيدة التى تقلدت مثل هذا المنصب من النساء، وشهدت أحداث النكسة وحرب الاستنزاف وجمعت بين وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء فى أعتى فترات الصراع العربي الإسرائيلي.. وبعد أن أُجبرت على الاستقالة بعد الهزيمة الإسرائيلية الفادحة، أقبلت على كتابة اعترافاتها فى كتاب ضم كثيرًا من الأكاذيب ودس السم فى العسل على عادة الصهاينة..

خطة الخداع

  في يوليو 1972 اجتمع الرئيس أنور السادات مع رئيس المخابرات العامة والمخابرات الحربية ومستشار الأمن القومي والقائد العام للقوات المسلحة لوضع خطة خداع إستراتيجي تسمح لمصر بتحقيق التفوق المرحلى على التقدم التكنولوجي والتسليحي الإسرائيلي عن طريق إخفاء أي علامات للاستعداد للحرب وحتى لا تقوم إسرائيل بضربة إجهاضية للقوات المصرية في مرحلة الإعداد على الجبهة، واشتملت الخطة على ستة محاور رئيسية.. الجبهة الداخلية، نقل المعدات الحربية، الخداع الميدانى، إجراءات الخداع السيادية، تأمين التحركات القتالية، ثم توفير المعلومات السرية مع تقديم معلومات مضللة للعدو..

  لعل تلك الخطوة الأخيرة علمنا عنها طرفًا من مشاهدتنا للمسلسلين الشهيرين: رأفت الهجان ودموع فى عيون وقحة.. اللذين تناولا ما قام به كل من رفعت الجمال وجمعة الشوان من تضليل للعدو قبل وأثناء المعركة، ونقل للمعلومات المهمة التي تجرى داخل دائرة صنع القرار فى إسرائيل.. إلا أن هناك الكثير من الأحداث المذهلة التى تضمنها تنفيذ تلك الخطة العبقرية التى انتهت إلى الانتصار الكبير..

  من ذلك ما حدث من كشف شبكات التجسس الإسرائيلي كشبكة هبة سليم وشبكة طناش راندوبولو.. ومنها الزيارات الدولية الرسمية التى تم الإعلان عنها وقت الحرب، كزيارة حسنى مبارك إلى ليبيا صبيحة 6 أكتوبر، وزيارة وزير الدفاع الرومانى لمصر يوم 8 أكتوبر.. ومن وقائع الخطة خداع الأقمار الصناعية فى أوقات التدريب على اقتحام خط بارليف بنماذج وهمية لخيام بالية وأكشاك خشبية متهالكة تغطى على أحداث التدريب الفعلى.. ومنها ما حدث من إجراء عدة مناورات قتالية سابقة لحرب أكتوبر مع رفع درجة الاستعداد حتى يتم إنهاك العدو بإجراءات مضادة كاذبة.. وهكذا استمرت عمليات الخداع تترى حتى وصلت القيادة الإسرائيلية بالتدريج إلى قناعة تامة مفادها أن الجيش المصرى غير قادر على الحرب ولا ينوى خوضها فى القريب.. لدرجة أن توقيت الحرب نفسه كان من بين أهم إجراءات الخداع؛ حيث يحتفل اليهود بعيد الغفران وتنغلق جميع المصالح الحكومية بما فيها الإذاعة والتليفزيون، وأن الظروف المناخية فى هذا اليوم مناسبة لنا وضدهم!

ما أروع الانتصار

  نصر أكتوبر كان انتصارًا لنا على أنفسنا أولًا قبل العدو.. عرفنا كيف نلملم جراح الهزيمة سريعًا، وننطلق فى مسار الكفاح وصولًا إلى المعركة الحاسمة والضربة الفاصلة لجيش صامد لا يعرف اليأس.

  ست ساعات فقط كانت كافية لتحطيم الخط الدفاعى الأول للجيش الإسرائيلي، ساتر بارليف الرملى الذى قيل إنه منيع يستعصى على الاقتحام، ثم توغل الجيش 20 كيلومترًا كاملة شرقًا نحو العمق السيناوى تحت غطاء جوى كثيف.. وخلال أيام قليلة تم إجبار العدو على الجلوس إلى مائدة المفاوضات لتسليم سيناء والانسحاب التام من أراضي سيناء المحتلة.

  ست ساعات مثلت خلاصة أحداث ست سنوات كاملة من الكفاح والصمود.. وخلال الأيام التى تلت العبور، استمرت الولايات المتحدة الأمريكية فى إمداد العدو بكميات هائلة من السلاح عبر جسر جوى دام طيلة زمن الحرب، وكأننا حاربنا الصهاينة والأمريكان معًا.. وفى النهاية انتصرت إرادتنا وانكسرت عنجهية الأمريكان وشوكة الصهاينة.. واليوم نحتفل بمرور 50 عاما على ذكرى الانتصار المهيب.. ذكرى خالدة لا نمل من ترديد صداها كل عام.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: