في السادس من أكتوبر 1973 ميلاديا، العاشر من رمضان 1393، حطم الشعب المصري أسطورة العدو الذي لا يقهر، فإرادة المصريين حولت النكسة إلى نصر، واستطاع الجيش أن يقتحم قناة السويس، و إزالة الساتر الترابي وتدمير خط بارليف، في حرب اجتمعت فيها الروح القتالية والدبلوماسية الرائعة، ونجحت في استراد آخر شبر من الأراضي المصرية ورفرف العلم المصري عليها، وضرب الشعب المصري أروع صور البطولة ووقف إلى جوار قواته المسلحة داعما ومساندا.
موضوعات مقترحة
ويحتفل المصريون هذه الأيام بالذكرى الـ50 لحرب أكتوبر الغالية التي كانت أول انتصار عسكري عربي على إسرائيل، لتبقى واحدة من أعظم المعارك في التاريخ، فقد حققت مصر في حرب أكتوبر معجزة بكل المقايس ستظل خالدة في وجدان الشعب المصري وفي ضمير الأمة العربية، حيث حملت هذه الحرب رسالة قوية من المصريين بأنهم لن يستسلموا للاحتلال وسوف يقاتلون بكل قوتهم لاستعادة حقوقهم المسلوبة.
إرادة أمة وعزة وطن
وتمكن الشعب المصري في حرب أكتوبر على تخطي آلام النكسة والهزيمة التي لحقت بنا في 1967، وتحويلها إلى نصر مدوٍ سجل بحروف من نور في صفحات التاريخ، فقد نجحت مصر في استعادة كرامتها وكرامة آمتها العربية، ومنحت العالم درسا في قدرة المصري على قهر ما يراه الآخرون مستحيلا، ولا يتخلى عن ذرة رمل من أرضه، وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
وأثبتت حرب أكتوبر، للعالم أجمع أن الدولة المصرية قوية بما يجعلها قادرة على مواجهة أي أزمات والخروج منها أوى، فهي خير مثال على قوة المصريين، وقدرتهم على هزيمة المنطق، فقد نجح المصريون من تحويل الهزيمة إلى انتصار، واستعادة كرامة الأمة العربية كلها، والتغلب على خط بارليف الذي وصف بـ"المنيع"، ليعرف الجميع أن المصريين لا يعرفون المستحيل.
مكتسبات حرب أكتوبر
وكان من أهم مكاسب حرب أكتوبر أيضا، هو المحافظة على الروح المعنوية لرجال القوات المسلحة التي تدهورت أيام النكسة، واستعادة الثقة بالنفس والقدرة على التخطيط العلمي السليم، حيث رفض الشعب المصري للهزيمة وإعلانه الإصرار والعزيمة على تحرير أرضه وانصهاره في بوتقة الوطن وتضحياته بكل ما يملك من أجل الثأر والنصر لا تقل عن مفاجأة يوم العبور يوم 6 أكتوبر، بالإضافة إلى أنها رفعت الروح المعنوية للقادة العرب، وأكدت قدرتهم على استرداد حقوقهم المشروعة.
وذكرى انتصار أكتوبر المجيد هي فرصة جيدة لاستدعاء قدرة المصريين على خلق الفرص من رحم الأزمات، حيث أكد عدد من خبراء علم النفس والاجتماع، أن المصريين لديهم قدرة على مواجهة الأزمات والاستفادة منها وتحويلها إلى انجازات يشهد بها العالم، وتساهم في تغيير الماضي والحاضر والمستقبل.
حرب أكتوبر تظهر ملامح الشخصية المصرية
ويؤكد الدكتور فتحي الشرقاوي أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة عين شمس، أن الشخصية المصرية لها عدة سمات ظهرت في حرب أكتوبر، وهي ذاتها محفزات الإرادة لدى المصريين يجب الإستفادة منها، ويرجع البعض النصر لبركة الشهر الفضيل وفي هذا ضيق أفق، وإنما هو توفيق من الله سبحانه وتعالى، ظهر في عمل وعزيمة ومجهود كبير لجنودنا البواسل.
كما تظهر فيه ملامح الشخصية المصرية التي تعلن عن معدنها الأصيل في الأزمات والشدائد، فنجد التكاتف والعزيمة والتصميم على تحقيق الأهداف، ونجد أيضا عدم الاستسلام للانكسار، فهناك شخصيات مع الانكسار تنتهي وهذا كان متوقعا ومرادا لمصر بعد هزيمة 67، لكن ما تم هو النوع الآخر من الشخصيات تنفض أحاسيس الانكسار وتكمل المسيرة.
المصري يحول الهزيمة لانتصار بالإرادة
ويوضح أستاذ علم النفس، أن هذه الشخصيات لم تستسلم لمرارة الهزيمة وإحساسها السلبي، بل بدأ العمل وعلى مدار ست سنوات لتحويل الانكسار لنصر، رغم الدعاوى الصهيونية التي ركزت على كشف العورة النفسية للمصريين بعد هزيمة 67 وبأنهم الجيش الذي لا يقهر.
والعالم الذي رأى الشعب الذي انكسر هو نفسه يراه وهو يعبر خط بارليف المنيع بوصفهم، وعلى يد المصريين بفكرة ذكية واختراع لأول مرة يتم استخدامه وما زال يدرس حتى الآن في الأكاديميات العسكرية، وهو فتح طرق في الخط المنيع بخراطيم المياه، بسبب الرغبة في رد الاعتبار بالنصر، أما السمة الأخرى فهي توقيع السلام من موقف القوة، وسبب آخر هام يظهر ملحما للشخصية المصرية وهو الدفاع عن الأرض والعرض.
ويقول الدكتور فتحي الشرقاوي، أن الأمر ليس هزيمة نرد اعتبارنا فيها بالنصر لكن عدو يغتصب الأرض، والتكاتف كملمح ثالث يظهر في الجبهة الداخلية التي تدعم جنودنا البواسل على الحدود، والتكاتف حول هدف ومشروع قومي جزء وسبب أصيل في تحقيق النصر، وإعادة قيم الأسرة المصرية.
والحرب هي رسالة متكررة من الشعب المصري لكل معتد منذ القدم الرومان والهكسوس والفرنسيين والإنجليز، وهو شعب صبور لكن حين ينتفض فانتفاضته قوية، مثل ما حدث أيام محمد علي، وكذلك ثورة 30 يونيو لرفضهم هدم البلاد وتدميرها على يد الجماعات الإرهابية.
إرادة شعب وقيادة في الانتصار
وظهرت أصالة وعراقة المصريين في وقت الحرب، بحسب الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، فالكل كان شخص واحد، وكل مواطن كان يضحي من أجل الجميع، ومصر كانت في عيون ووجدان وضمائر وأحلام كافة طوائف الشعب، لا شكوى من الغارات وأصوات أبواق الإنذار، ولا من أي نقص في الخدمات، بل تحمل المصريون ما هو فوق الطاقة وصبروا وآمنوا بإرادتهم في النصر، واقتسم المصريون لقمة العيش وبزغت معاني الإيثار والإخاء والتكافل الاجتماعي فيما بينهم.
وتؤكد أستاذ علم الاجتماع، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي استطاع أن يستكمل ما اتخذته حرب أكتوبر من نهج في إرساء السلام وإعلاء مصلحة الوطن وسيادة أراضيه بفرض احترامه وهيبته على الجميع واستعادة مكانة مصر إقليميا ودوليا وعربيا وأفريقيا كدولة ذات تأثير وثقل، فضلا عن الانطلاق نحو التنمية الشاملة، وهو ما يستدعي استمرار حشد قوتنا الشاملة والتكاتف الشعبي خلف قائدنا لتحقيق محطة جديدة من العبور نحو الجمهورية الجديدة والتي يسود فيها احترام الآخر والعمل المشترك وتطبيق المفهوم الشامل لحقوق الإنسان.
والمصريون معروفون بقوتهم وبطولتهم في المواقف، وهو ما شهد به النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "إنهم خير أجناد الأرض"، والسبب بعد أن سأله أبو بكر الصديق أنهم في رباط إلى يوم القيامة، ولذا كل قائد وكل الحضارات اهتمت أن تكون مصر جزءا منها، فالمصري لا تغره أمور الدنيا بقدر ما تهمه قيمه لذا فهو يشعر بالرضا في كل وقت ما لم تمس كرامته والأرض كرامة ورد الهزيمة كرامة.