مع الاحتفال باليوبيل الذهبى..
موضوعات مقترحة
أقدم المحررين العسكريين والمراسل الحربي للأهرام يروى لـ"بوابة الأهرام" حكاياته وأسراره في حرب اكتوبر
عبده مباشر: المشهد الافتتاحي للحرب لم يتم تسجيله وكان قرارًا صائبًا للقيادة العامة لهذه الأسباب
أصوات المدافع والطائرات فوق رؤوس الجنود أشعلت حماسهم ورفعت روحهم المعنوية
تعرضت للموت في عدة مواقف على الجبهة وصورة طائرة "سكاى هوك" حققت مبيعات خيالية للأهرام
هيكل كلفنى بمسئوليتى عن "ديسك الحرب" في اليوم الأول واللواء الجمسي قال لي: انتصرنا قبل انطلاق المعركة
الصحافة العالمية حضرت للتغطية بعدما فاقت من غيبوبتها ولم تكن تتوقع ما فعلته قواتنا المسلحة
التقيت وتقربت من جميع قادة الجيش.. ولقائي بالملك فيصل قربني من عبدالناصر
ألفت أكثر من 40 كتابًا معظمها عن سيناء وانتصارات أكتوبر والتاريخ العسكري وإسرائيل
مازال الحديث يتواصل سنويًا وفي كل وقت وكل حين عن انتصارات أكتوبر المجيدة ومازالت هناك الحكايات والأسرار الكثيرة التى لا نعلمها عن قضية تحرير الأرض والتراب.
ومع الاحتفال باليوبيل الذهبى لانتصارات أكتوبر المجيدة كان لابد من الجلوس على مائدة الحوار مع أقدم المحررين العسكريين والمراسل الحربي للأهرام فى حرب 73 الصحفي الكبير الأستاذ عبده مباشر.
والأستاذ عبده مباشر هو المتطوع المدني الوحيد في حرب الاستنزاف وكذلك هو المدني الوحيد الذي حصل على رتبتين عسكريتين أحدهما رتبة عسكرية فخرية والأخرى رتبة عسكرية بدرجة رائد مكلف بالمخابرات الحربية.
من جريدة الأهرام، البيت الثاني للأستاذ عبده مباشر.. "بوابة الأهرام" أجرت هذا الحوار وتحدثت معه عن تفاصيل أول يوم انطلقت فيه حرب أكتوبر المجيدة وذكرياته عن مشاهد الحرب وأجوائها، ودور الصحافة وقتها والمواقف الصعبة والحرجة التى شاهدها، كما تم التطرق خلال الحوار لأبرز وأهم القادة الذي التقى بهم وكذلك التحدث عن خصوصية وطبيعة وثقافة عمل المحرر العسكرى وكيف يتم تأهيله وأخيرا الكتب والمراجع التى كتبها وألفها الأستاذ عبده مباشر وإلى نص الحوار.
حدثنا عن ذكرياتك يوم 6 أكتوبر 1973 وأين كنت تتواجد فى أول يوم لانطلاق الحرب؟
أ.عبده مباشر.. كنت متواجدًا بالأهرام يوم 6 أكتوبر؛ حيث إن القيادة العامة للقوات المسلحة أخذت قرارًا بمنع تواجد أي إعلامي أو مصور سواء كان مدنيًا أو من الشئون المعنوية بجبهة القتال وبدأ الانتشار والعمل للصحفيين ووسائل الإعلام المختلفة بعد انتهاء يوم 6 أكتوبر.
والمشهد الافتتاحي للحرب والمعركة لم يتم تسجيله وهذا كان أفضل إجراء وأهم قرار؛ حيث إن حرب أكتوبر 73 كانت أول معركة هجومية تخوضها مصر منذ أيام محمد علي والخديوي إسماعيل باشا وجميع الحروب المتتالية التي خاضتها مصر كانت جميعها دفاعية سواء كانت حرب عرابي أو سنوات الصراع العربي ـ الإسرائيلى في 48 و56 67، لكن القوات المسلحة خصصت كتيبتين بعد ذلك لــ اللواء سعد مأمون لإجراء مشاهد مماثلة للهجوم.
الملاحظ كذلك في أول يوم هو ارتفاع الروح المعنوية والقتالية للجنود عقب انطلاق الحرب في تمام الساعة الثانية و5 دقائق لعدة أسباب أولها مشاهدتهم لـ220 طائرة حربية مصرية تحلق فوق رؤسهم على مسافات وارتفاعات منخفضة ودخولها لضرب أهدافها ثم عودتها كذلك انطلاق أكثر من 2000 مدفع في نفس الوقت للتعامل مع المواقع الإسرائيلية، بالإضافة إلى تحول ساحة المعركة لنار ودخان وأصوات وانفجارات كل هذه المشاهد أدت إلى رفع الروح المعنوية لجميع الجنود والظباط المقاتلين.
كذلك كانت من المشاهد التى عمت ميدان وساحة القتال هى مشاهد السعادة والفرحة الغامرة للجنود على جبهة القتال وظهر ذلك بشكل قوى فى الأغانى الذين أطلقوها مثل (قدف يابنى وأوعى تهدى خلى الموجة التانية تعدى ) و(يلا بينا نحرر سينا) وغيرها من الأغانى الحماسية.
أيضا من المواقف الصعبة التى تمت مواجهتها بأبسط الحلول هي اختلاط الكتائب والقوارب مع بعضها بقناة السويس وتمت مواجهة ذلك من خلال مقترح وفكرة بسيطة للفريق سعدالدين الشاذلي من خلال تحديد لون معين لكل كتيبة تجنبا لاختلاط القوات مع بعضها وللتسهيل على كل قائد لمعرفة قواته.
بعد مرور50 عاما على أكتوبر..كيف أحرزت قواتنا المسلحة ذلك الانتصار العظيم؟
تحقق الانتصار العظيم من خلال عنصرين ومحورين أساسيين الأول عنصر المبادئة والمفاجآة؛ حيث كانت أول إشارة بأن القيادة العامة للقوات المسلحة تمكنت من مفاجأة العدو وإحراز المبادئة على مختلف المستويات الإستراتيجية والتعبوية والتكتيكية فيما كان العنصر الثانى الذى حققهذا الانتصار هو التخطيط والإعداد الجيد للمعركة من قبل القيادة العامة وذلك العنصرين تحقق بهما النصر.
والأهم من ذلك كله هو عودة الثقة للمقاتل والجندى المصرى بعد عملية التشوية الممتدة التى تعرض لها على مدار ربع قرن طوال الفترة من 48 لـ73 وماصاحب هذه الفترة من نشر اليأس والإحباط بين المقاتلين المصريين وأنهم يجيدون الدفاع ولايجيدون الهجوم وكذلك هروبهم من ميدان المعركة عندما يتعرضون للضغط، لكن عندما جاءت حرب أكتوبر غير المقاتل المصرى هذه السياسة فكان يفتح صدره لاستقبال النيران ويفرح بالمعارك ويحتل المواقع الحصينة لدرجة أنهم أطلقوا على معركة 73 معركة "بدر الثانية"
حدثنا عن أجواء الحرب من جريدة الأهرام وكيف كنت تتابع الأخبار؟
الساعة 12 ظهر يوم 6 أكتوبر تحدثت مع اللواء محمد عبدالغنى الجمسى وكان يتواجد وقتها فى( مركز القيادة10) وقال لى وقتها أننا انتصرنا فاستغربت وأعدت عليه السؤال مرة أخرى حتى شرح لى الموقف قائلا : طالما إسرائيل لم تتصدى لنا بعملية إجهاض أو لم تضرب ضربة وقائية حتى الساعة 12 فإنها لن تستطيع الانتصار علينا وهذه كانت بشرة عظيمة من اللواء الجمسى.
وفى أول يوم للحرب كلفنى الأستاذ هيكل بأن أكون مسئولا عن ديسك الحرب بالأهرام وقال لى: هيشتغل معاك اللواء حسن البدرى واللواء فيصل عبدالمنعم لإعداد المادة الخاصة بالحرب وتلقيت فى ذلك الوقت مكالمة من صديق لى وطلب منى بالجلوس بجانب الإذاعة وبالفعل فى تمام الساعة 2 ظهرا أصدرت الإذاعة المصرية بيانا عسكريا مخادعا أكدت فيه أن القوات الإسرائيلية هاجمت مواقع مصرية لمنحها مبررا للهجوم وتحقيق أهدافها وفرحنا جميعا بالأهرام بهذا البيان وتأكدنا أن قواتنا وقياداتنا على الطريق والمسار الصحيح.
ومن المفارقات والمواقف التى لا أنساها حديث الأستاذ هيكل معى بالأهرام وقال لى نصا: "المراسل الحربى ياأستاذ عبده بيعيش معركة واحدة ودى المعركة بتاعتك ...ورينى هتعمل إيه؟ ثم قال لى هذه الجملة العظيمة (اذهب واصنع مجدا لك وللأهرام) وبالفعل كنت من أول المتواجدين على الجبهة في اليوم الثانيللقتال.
ماذا عن دور الصحافة مع بداية الحرب وكيف كانت تتكلم سواء كانت الصحافة المحلية أو الأجنبية؟
الصحافة والإعلام المصرى كان محكوما بقرار القائد العام بعدم تواجد أحد أو تصوير مشاهد على الجبهة فى أول يوم لاندلاع الحرب لكن بدأت الشئون المعنوية للقوات المسلحة من اليوم الثانى للحرب تنظيم زيارات وتخصيص وسائل انتقال لنقل وسائل الإعلام للجبهة وكانت هناك مجموعة كبيرة جدا من الصحفيين والإعلامين ينتقلون من خلال الأتوبيسات التى خصصتها الشئون المعنوية فى الذهاب للجبهة ثم العودة
وبالنسبة للصحافة العالمية جاءت بعدما فاقت من ثباتها وغيبوبتها ولم تكن الصحافة العالمية تتوقع هذه الحرب والثبات المصري العظيم ومفاجأة الجنود المصريين وعظمتهم أمام القوات الإسرائيلية وكان أقصى تقديرللصحافة العالمية أن الأمر سينتهى بعد ساعة أو ساعتين من بدء القتال ولم تتصور أى دولة أو أحد بالعالم أن مصر تقود هجوما ناجحا كالذى حدث بما فى ذلك القيادة الإسرائيلية ولكن الصحافة العالمية حضرت بقوة بعدما أكتشفت أن هذه حرب حقيقية وأن ذلك هجوما مصريا عظيما لايمكن وقفه وسيكون له شأن عظيم.
كذلك تقابلت مع معظم الكتاب والصحفيين الأجانب الذين حضروا لمتابعة وتغطية أخبار الحرب المصرية وكانت الشئون المعنوية للقوات المسلحة تخصص مترجمين لهم للتمكن من القيام بأعمالهم.
حدثنا عن خصوصية وطبيعة وثقافة المحرر العسكرى؟
أى محرر عسكرى فى العالم عادة مايكون خدم فى القوات المسلحة فى بلده حتى لو كان ظابط احتياط ويكون لديه خلفية عسكرية ويتعامل بشكل سريع مع الآلة العسكرية، أما المراسل العسكرى فى مصرى فى العادة لايكون لديه خلفية عسكرية أو قرأ عن العسكرية كل علاقته أنه تخرج من الجامعة والتحق بالوسيلة الإعلامية ثم بالقسم العسكرى ومطلوب تأهيله وثقله بالمعلومات العسكرية وتلقيه دورات فى فنون الحرب والقتال بمختلف الجهات العسكرية قبل التحاقه للعمل كمحرر عسكرى.
وأنا عانيت الصعوبات وقرأت مناهج كثيرة جدا من الكليات العسكرية وكليات أركان الحرب والتاريخ العسكرى وحصلت على الكثير من الدورات التأهيلة فى الصاعقة والقفز وتقربت من مختلف قادة الجيش وصاحبتهم وصارت بيننا علاقات الحب والود والصداقة وكذلك الثقة بعدما بذلت جهد بدنى وذهنى كبير وثقلت نفسى بالمزيد من الخبرات والمعلومات العسكرية، ولايوجد أمام أى أحد عقبات فى سبيل الحصول على المعلومة وثقل الخبرات
وكانت قوات الصاعقة نفذت فى سنة 63 طابور سير من أنشاص لــ بورسعيد وتنقلت معهم على امتداد طابور السير وكنت أنا الصحفى أو المراسل العسكرى الوحيد الذى حققت السير بشكل كامل مع قوات الصاعقة .
أبرز القادة العسكريين الذين قابلتهم وتقربت منهم
من أبرز القادة الذين تقربت منهم وصاحبتهم كان الزعيم عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر ومختلف قادة الجيوش وحكاية تقربى من عبدالناصر كان عقب اختيارى وترشيحى من مجلس التحرير بجريدة الأخبار للسفر إلى جدة بالسعودية لمتابعة تنفيذ اجتماع ولقاء الزعيم عبدالناصر بالملك فيصل فى أغسطس سنة 1665 لوقف الحرب باليمن ووضع نهاية لهذه الحرب وأجريت عدة لقاءات ومقابلات مع عدد من الأمراء بالسعودية ثم انتهى بى الأمر إلى لقاء الملك فيصل وتسجيل حوار طويل معه وأكد لى خلال الحوار أن جمال عبد الناصر زعيم عروبى وطنى يعمل لصالح الأمة العربية وهو صديق وأخ عزيز وبعد عودتى إلى مصر وقبل نشر الحوار طلب الأستاذ مصطفى أمين إرسال اللقاء الصحفى مع الملك فيصل إلى الرئيس جمال عبدالناصر للاطلاع عليه قبل نشره وعقب ذلك طلب عبدالناصر لقائي وكنت وقتها ممتلئًا بالرعب من هذا اللقاء ولكن بعد اطلاع الزعيم عبدالناصر على الحوار 3 مرات متتالية وكذلك سماعه للحوار قال لي في حضور سكرتارية الرئيس ومكتبه "لو فيه 10 زي عبده مباشر لن أخاف على مصر" وهذه كانت أول مرة أقابل فيها عبدالناصر وكذلك اكتسبت ثقة جميع القادة العسكريين.
أشد المواقف تعرضت لها كمحرر عسكرى أو مراسل حربى؟
كانت أشد المواقف صعوبة كمراسل حربى ونحن على الجبهة فى مسرح عمليات حرب 73 والقذائف تتساقط من كل ناحية والموت كان متاح فى أى ثانية وفى كل لحظة تمر، ومن ضمن المواقف تعرضى لموقف أنا وزميلى المصور حسن التونى ونحن نتحرك بالدبابة الدقاق فوجئنا بطائرتين "سكاى هوك" ودخلنا فى حالة من الرعب خاصة الزميل المصور حسن التونى والذى رغم رعبه لكنه التقط صورة للصاروخ وهو ينطلق من الطائرة بكاميرته وحققت هذه الصورة مبيعات خيالية للأهرام وكنا معرضين للنهاية والموت فى هذه اللحظات العصيبة.
كم عدد الكتب التى ألفتها وفي أي الموضوعات كانت تتحدث هذه الكتب؟
ألفت أكثر من 40 كتابا واخترت وفضلت التنوع فى تأليف هذه الكتب لكن معظمها كانت تتحدث عن الملفات العسكرية والتاريخ العسكرى وأرخت للبحرية المصرية من أيام محمد على للسادات وهو المرجع المعاصر للكلية البحرية وكتبت فى حرب الاستنزاف، وكتبت عن الفلسفة وألفت كتابًا عن إيران كما ألفت كتابين عن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وغيرها من الكتب وحاليا كتبت كتاب عن مصر والفكر القومى وكتاب عن القتال فى الجولان وانتهيت كذلك من كتاب "الاحتياط المصري من الذهب أين ذهب".
الكاتب الصحفى الأستاذ عبده مباشر خلال حواراه مع بوابة الأهرام
الكاتب الصحفى الأستاذ عبده مباشر خلال حواراه مع بوابة الأهرامعبده مباشر يكشف أسرار نصر أكتوبر بعيون المحرر العسكري.. ارتفاع الروح المعنوية للجنود فتح أبواب الانت